الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لماذا لا تستطيع أوروبا استبعاد فوز لوبن بالرئاسة الفرنسية؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
المرشحة إلى الرئاسة الفرنسية مارين لوبن - "أ ف ب"
المرشحة إلى الرئاسة الفرنسية مارين لوبن - "أ ف ب"
A+ A-

تترقب أوروبا، ومعها العالم، الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية لمعرفة ما إذا كان الحدث "غير المتصوّر" منذ سنوات قليلة سيصبح واقعاً يوم الأحد: وصول اليمين المتطرف إلى الإليزيه. لفترة طويلة، كانت احتمالات فوز زعيمة "التجمع الوطني" مارين لوبن بالرئاسة الفرنسية ضئيلة، أو على الأقل، أدنى من احتمالات خسارتها. وربما تضاءلت أكثر بعد المناظرة المتلفزة يوم الأربعاء الماضي، حيث بدا الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون أكثر إقناعاً للناخبين بحسب ما قاله 59% من الفرنسيين. بينما رأى 39% فقط أنّ لوبن كانت الأكثر إقناعاً.

وشاهد قرابة 15 مليون فرنسي تلك المناظرة وهو أحد أدنى الأرقام التي تمّ تدوينها في سجلّ المناظرات خلال العقود القليلة الماضية. ووفقاً لمعدّل استطلاعات الرأي قبل المناظرة، كان ماكرون متفوقاً على منافسته بفارق 10% من الأصوات. مع ذلك، لا يمكن إسقاط إمكانية فوز لوبن الرئاسيّ من الحسابات السياسيّة.

 

مقارنة

يرى الكاتب آرثر غولدهامر أنّ هيلاري كلينتون بدت أيضاً أكثر إقناعاً من دونالد ترامب في مناظرات 2016 الرئاسية قبل أن يفوز الأخير بها. بطبيعة الحال، ثمة مبالغة في هذه المقارنة. فالنظام الانتخابي الأميركي مختلف عما هو في فرنسا حيث أنّ الفرنسيين متحرّرون من الحسابات المرتبطة بمجمع الناخبين الذي يمثل كل ولاية على حدة. من ناحية ثانية، يبقى الفارق بين ماكرون ولوبن قبل أيام من الانتخابات، أكثر مما كان عليه بين ترامب وكلينتون في 2016 إذ انخفض بين أكتوبر/تشرين الأول وأوائل نوفمبر/تشرين الثاني من تلك السنة من 9 إلى 3%. لكن على الأقل، يقدّم مثل غولدهامر تذكيراً بسيطاً بضرورة عدم استبعاد المفاجآت، مهما بدت بعيدة الاحتمال.

يمكن القول إنّ لوبن عادت من بعيد بالمقارنة مع 2017. طوال الفترة الماضية، ركّزت على القضايا الاجتماعية وارتفاع كلفة المعيشة كي تخفّف من حدّة التطرف التي تطبع صورتها من جهة، وكي تتقرّب من اليسار الفرنسيّ من جهة أخرى. كما عملت على الاستعداد أكثر للمناظرة. لم تستطع لوبن الإبقاء كثيراً على صورتها المعتدلة حيث عادت في المناظرة للتطرق إلى قضية الحجاب وأعلنت نيتها حظره في الأماكن العامة.

وعلى الجبهة الثانية، جبهة التقرب من اليسار الفرنسيّ الذي حقّق 22% من الأصوات في الجولة الأولى مع جان-لوك ميلانشون، يبدو أنّ محاولتها لم تنجح بما فيه الكفاية. فقد وجد 61% من ناخبي ميلانشون أنّ ماكرون كان مقنعاً في المناظرة. يعدّ هذا الرقم تحوّلاً عمّا أظهره استطلاع سابق عن توجّهات هذه الفئة من الناخبين: فـ 77% من مؤيّدي ميلانشون الذين يتمتّعون بتفضيلات معيّنة في الجولة الثانية (قرابة 56%) أعلنوا الشهر الماضي أنّهم سيصوّتون للوبن. على أيّ حال، دعا ميلانشون مؤيّديه إلى الامتناع ولو عن إعطاء صوت واحد لمرشّحة "التجمع الوطني".

حتى بين مؤيدي المرشحَين، يمكن ملاحظة تفاوت بسيط يصبّ في مصلحة الرئيس المنتهية ولايته. فناخبو ماكرون وجدوه مقنعاً في المناظرة بنسبة 97% بينما وجد ناخبو لوبن أنّها خرجت فائزة من المناظرة بنسبة 85%.

 

السؤال نفسه عن ماكرون

رأى مراسل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في باريس هيو شوفيلد أنّ ماكرون تفادى فخ البروز كشخصية "متعجرفة وتكنوقراطية جداً". وهو أعطى انطباعاً بأنّه يريد إطلاق العنان لنفسه في مواجهة لوبن لكنّه ضبط نفسه. كما هو متوقّع، لا يوافق الجميع على انطباع شوفيلد.

أستاذة علوم التواصل والمعلومات في جامعة غرينوبل فابيان مارتين-جوشا كتبت أنّ ماكرون أدّى دور الرجل "العدواني" و"المتعجرف" و"المحتقر" حيث أظهرت تعابيره غير اللفظية، مثل وضع المرفقين على الطاولة ومحاكاة الملل، "رمزاً مميزاً للغطرسة". حجم دخول "الغطرسة" – إن وُجدت – في حسابات الناخبين الفرنسيين غير مؤكّد. لكنّ الثابت نسبياً، أقلّه بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، أنّ الناخبين أكثر اقتناعاً بأفكار ماكرون خلال المناظرة، وإن لم يتمّ تسجيل "ضربة قاضية" كما حصل في مناظرة 2017.

 

عوامل أخرى تصبّ في مصلحته

وثمّة مؤشرات هيكلية بعيدة المدى يمكن أن ترجّح خسارة لوبن مرة أخرى. يعدّد المحاضران في التاريخ في جامعتي إدنبره (اسكتلندا) وأبالاشيان (كارولاينا الشمالية) إميل شابال ومايكل بيرنت عوامل عدة ساهمت وتساهم بتقليص حظوظ اليمين المتطرف في الانتخابات الفرنسية. كتبا في مجلة "فورين بوليسي" أنّ القانون الانتخابي الفرنسي بالاقتراع على مرحلتين يقيّد آفاق الحزب الانتخابية في فرنسا، بينما يحصل العكس على المستوى الأوروبي حيث الانتخابات قائمة على النظام النسبي واقتراع المرحلة الواحدة.

من جهة ثانية، مثّل الحزب مجرّد آليّة للصراعات الداخلية (خلافات لوبن مع والدها وابنة شقيقتها ماريون-ماريشال) وقد أدّت إلى عدم جذب الكوادر والناشطين وإلى الإخفاق في إقامة روابط مع المجتمع المدني كما إلى زيادة الفساد والزبائنية. ومن الأسباب التي عدّداها شابال أيضاً ضيق البنية الاجتماعية للحزب حيث باتت تمثل فقط جزءاً من الطبقة العاملة الأقل تعلّماً. كذلك، ما من شهية فرنسية للسياسات المعطِّلة حيث لم تجذب تجربتا ترامب وبريكست الفرنسيين.

 

القلق مستمرّ حتى مساء الأحد

قد لا تكون هذه الأدلة كافية لتخفيف القلق لدى المعنيّين خصوصاً في أوروبا، حيث يسود الخوف من أن يؤدي فوز لوبن بالرئاسة إلى إضعاف حلف شمال الأطلسيّ في وقت يحتاج الحلف إلى أقصى تضامن ممكن في مواجهة الحرب الروسية على أوكرانيا.

بالرغم من كل الحظوظ الكبيرة والراجحة التي يتمتّع بها ماكرون، لن يتنفّس الغرب الصعداء قبل مساء الأحد. في نهاية المطاف، لا يزال اليمين المتطرف أو الشعبوي حاضراً في أوروبا: من إيطاليا إلى المجر مروراً بصربيا. وبعد فوز ترامب وتصويت الأوروبيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في 2016، تعلّم الأوروبيون ألّا يستبعدوا المفاجآت.

حتى وإن نسوا هذه القاعدة في الأساس، فقد ذكّرهم بها بوتين عندما غزا أوكرانيا. إذا كانت عودة أوروبا اليوم إلى سياسات تنافس القوى العظمى قضيّة غير متخيّلة قبل شهرين من اليوم، فاحتمال وصول لوبن إلى الإليزيه، على الرغم من ضآلته، ليس قريباً من الاستحالة.

 
*نقل عن "النهار العربي"

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم