تقترب الحرب الأوكرانية من دخول عامها الثاني في 24 شباط المقبل، ولا تزال سيناريوهات النهاية ضبابية في ظل تصاعد حدّة الاشتباكات على مختلف الجبهات، والمفاجآت التي تقوم بها كييف كل فترة، والتي تدفع بموسكو لإعادة التفكير في حساباتها، وكانت آخرها ضربة دموية أودت بحياة 63 عسكرياً روسياً، على "مركز انتشار موقّت" للجيش الروسي في مدينة ماكيفكا الواقعة شرق دونيتسك.
لم يسبق أن أبلغ الجيش الروسي، الذي قليلاً ما يتحدّث عن عدد القتلى والجرحى في صفوفه، عن تكبّد مثل هذه الخسائر الفادحة في هجوم واحد، وحين تُضاف هذه المستجدات إلى الوقائع التي تتحدّث عن استعادة أوكرانيا لمساحات واسعة من الأراضي التي كانت تقع تحت سيطرة موسكو قبل أشهر، نكون أمام صورة أخرى، مفادها أن الأوكرانيين يشهدون أفضل فتراتهم في الحرب، والمساعدات الخارجية بدأت تأتي بنتائجها. وفي هذا الإطار، لا بد من التذكير بزيارة الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي الأخيرة إلى واشنطن، وتعهد نظيره الأميركي، جو بايدن، بضخ المزيد من الأموال لتمويل الحرب.
منطقة خطرة في أوكرانيا (أ ف ب).
ومن شأن كل ذلك أن يُبدّل في مسار الحرب، ويطرح سيناريوهات جديدة، وفي هذا السياق، استطلعت وسائل إعلام عالمية آراء خبراء عسكريين حول السيناريوهات المتوقعة للمعارك في العام 2023، وما إذا كانت هذه السنة ستشهد نهاية الحرب، وفي هذا السياق، نشرت شبكة "بي بي سي" العالمية تقريراً تطّرّق إلى خمسة سيناريوهات، وجاء فيه:
"لا نهاية في الأفق"
رأت باربارا زانتشيتا، من دائرة الدراسات الحربية في كينغز كوليدج في لندن، أن "الشتاء سيكون صعباً، إذ تسعى روسيا من خلال هجماتها على البنى التحتية إلى تحطيم معنويات الأوكرانيين وقدرتهم على التحمل، ولكن الأوكرانيين أثبتوا قدرة خارقة على التحمل، وسيثبتون على أرضهم، مهما طالت الحرب".
ولفت إلى أن "احتمالات التفاوض تبقى ضئيلة، لأن التوصل إلى اتفاق سلام يتطلّب تغييراً في مطالب جانب واحد، على الأقل. ولا دليل حتى الآن على حدوث هذا التغيير، أو على أنه سيحدث في وقت قريب".
كما أشارت إلى أنه "يمكن لتكلفة الحرب المادية والبشرية أن تزعزع التزام النخبة السياسية الروسية. فالتغيّر سيحدث داخل روسيا، والحروب التي اندلعت بحسابات خاطئة، مثل حرب فيتنام للولايات المتحدة وحرب أفغانستان للاتحاد السوفييتي، انتهت كلها بهذه الطريقة. وقد تغيّرت الظروف الداخلية في الدولة التي أخطأت في حساباتها، وهو ما جعل إنهاء الحرب إما خروجاً مشرفاً، أو المخرج الوحيد منها".
مقابر جماعية لضحايا الحرب الأوكرانية (أ ف ب).
وتابعت: "لكن هذا سيحدث فقط إذا ثبت الغرب في مساندته لأوكرانيا، على الرغم من تزايد الضغط الداخلي بسبب ارتفاع تكاليف الحرب. ولسوء الحظ فإن المعركة السياسية والاقتصادية والعسكرية ستكون طويلة. ويتوقع أن تستمر إلى ما بعد نهاية 2023".
انتصار أوكراني محتوم... متى؟
بدوره، رأى أندري بيونتكوفسكي، وهو محلّل مقيم في واشنطن، أن أوكرانيا ستنتصر وتستعيد جميع أراضيها بحلول ربيع 2023 على أبعد تقدير، ويرتكز هذا التحليل على عاملين اثنين:
أحد هذين العاملين هو "حماسة وعزيمة وشجاعة" الجيش الأوكراني، والأمة الأوكرانية عموماً، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الحروب الحديثة.
والعامل الثاني هو أنه بعد سنوات من الليونة، التي تعامل بها الغرب مع "الدكتاتور" الروسي، فإنه تيّقن اليوم من حجم التحدّي التاريخي الذي يمثله. وينعكس ذلك في التصريح الأخير الذي أدلى به الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ.
منازل متضرّرة من الحرب في أوكرانيا (أ ف ب).
وبرأيه، سيتحدد توقيت النصر الأوكراني المحتوم بسرعة "الناتو" في توفير مجموعة جديدة من الأسلحة الهجومية المتطوّرة لأوكرانيا، تضم طائرات ودبابات وصواريخ طويلة المدى.
كما توقع أن تكون مدينة "ميلوتوبول معركة أساسية في الأشهر أو الأسابيع المقبلة، وبعد سيطرتهم على ميلوتوبول سيكون من السهل على الأوكرانيين الوصول إلى بحر أزوف، ويقطعون بذلك الاتصالات وطرق الإمداد المؤدية إلى شبه جزيرة القرم، وسيتم الاتفاق على استسلام الروس في محادثات تقنية بعد التقدم الأوكراني على الأرض، فيما سيكون على عاتق القوى المنتصرة، وهي بريطانيا والولايات المتحدة وأوكرانيا، رسم خارطة جديدة للأمن الدولي".
تقدّم أوكراني في الشتاء وهجوم روسي في الربيع
من جهته، ذكّر مايكل كلارك، مدير معهد الدراسات الاستراتيجية في بريطانيا، أن "كل الذين سعوا إلى اجتياح دولة أخرى في سهوب أوراسيا الكبرى انتهى بهم الأمر إلى قضاء الشتاء فيها، فكان على نابليون وهتلر وستالين التحرّك المستمر بجيشوهم خلال الشتاء في السهوب، وما يحدث الآن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو أن العملية التي يقودها في تراجع، وعليه فإن جيشه شرع في التخندق والانتظار لشن هجومه في فصل الربيع".
وأشار إلى أن "الطرفين يحتاجان إلى الاستراحة، ولكن الأوكرانيين أفضل تجهيزاً وحماسة للمضي قدماً ونتوقع منهم أن يستمروا في الضغط، في منطقة دونباس، على الأقل، ففي منطقتي كريمينا وسفاتوفو، يكاد الأوكرانيون أن ينجحوا في رد الروس على أعقابهم إلى نحو 40 كيلومترا، حيث خط الدفاع الطبيعي، قرب الحدود، التي بدأوا منها اجتياحهم".
عتمة في اوكرانيا بسبب ضرب البنى التحتية (أ ف ب).
لكنّه اعتبر أن "العامل الحاسم في عام 2023 سيكون دون شك هجوم الربيع الروسي، فقد اعترف بوتين بأن 50 ألف من المجندين الجدد التحقوا فعلا بالخطوط الأمامية. ويجري تدريب بقية المجندين وعددهم 250 ألفا للعام المقبل، وليس هناك أي مؤشر إلا على المزيد من الحرب، حتى يعرف مصير هؤلاء المجندين الروس الجدد في ساحة المعركة".
استعادة أوكرانيا لأراضيها
على مقلب آخر، شدّد بن هودغيز، القائد العام للقوات الأميركية في أوروبا سابقاً، أنّه "من المبكر الآن التحضير لاستعراضات النصر في كييف، ولكن الزخم مع الأوكرانيين، ولا شك أنهم سينتصرون في هذه الحرب ربما في عام 2023، وستتحرك الأمور ببطء، في الشتاء، ولكن لا شك أن الأوكرانيين سيكونون أكثر استعدادا من الروس بفضل الأسلحة التي ستصلهم من بريطانيا وكندا وألمانيا".
ولفت إلى أن "بحلول كانون الثاني، ستكون أوكرانيا جاهزة لشن المرحلة الأخيرة من حملتها، وهي تحرير شبه جزيرة القرم، وما جعلني أخلص إلى هذه النتيجة هو انسحاب روسيا من خيرسون. فهو أولا دعم معنوي للأوكرانيين، وثانياً هو إحراج كبير للكرملين، وثالثاً، أعطى القوات الأوكرانية أفضلية عملياتية، فقد أصبحت شبه جزيرة القرم في مرمى الأسلحة الأوكرانية بمختلف أنظمتها".
عنصر أوكراني يتلقى الهدايا بمناسبة الميلاد (أ ف ب).
واعتقد أن "نهاية عام 2023 ستشهد عودة شبه جزيرة القرم سيطرة أوكرانيا وسيادتها، وقد يكون هناك اتفاق يسمح للبحرية الروسية بالانسحاب تدريجيا من سيفاستوبول، ربما إلى غاية انتهاء الاتفاق المبرم قبل ضم شبه جزيرة القرم، إلى غاية 2025".
"نتوقع استمرار الأوضاع على ما هي عليه"
كما أشار ديفيد جندلمان، خبير عسكري في إسرائيل، إلى ما يريد كل طرف تحقيقه في المرحلة المقبلة.
ولفت إلى أنّه "لم يدخل ساحة المعركة إلا نصف عدد القوات الروسية المجندة، وعددها 300 ألف جندي، ويمنح الباقي، فضلا عن القوات المنسحبة من خيرسون، لروسيا فرصة لشن حملة عسكرية، وسيستمر احتلال لوهانسك ودونيتسك، ولكن من المستبعد أن تزحف القوات الروسية من الجنوب إلى بافلوغراد لمحاصرة القوات الأوكرانية في منطقة دونباس".
ورأى أن "المرجح هو الاستمرار في التكتيكات نفسها، وهي تقدم بطيء للقوات الأوكرانية، مثلما وقع في باخموت، وأفديفكا، وتكتيكات ممثالة محتملة في منطقة سفاتوف وكريمينا، فيما ستستمر استراتيجية الاستنزاف باستهداف البنى التحتية الأوكرانية، والداخل الأوكراني طوال العام".
إطلاق النار في أوكرانيا (أ ف ب).
وتابع: "تحرّر عدد مهم من القوات الأوكرانية أيضا بالانسحاب من خيرسون، والوجهة الاستراتيجية المهمة بالنسبة لهم هي الجنوب، إلى ميليتوبول وبيرديانسك، بهدف قطع الإمدادات الروسية إلى شبه جزيرة القرم، وسيكون ذلك نصراً كبيراً للأوكرانيين، ولهذا يعمل الروس على تحصين ميليتوبول".
وأشار إلى أن "الخيار الاستراتيجي الآخر بالنسبة لأوكرانيا هو في سفاتوفو، فالنجاح هناك يشكّل خطراً على الخطوط الأمامية الروسية الشمالية كلها".
وٍسأل: "كم عدد القوات الأوكرانية الجاهزة للمشاركة في الحملة في هذه المرحلة، وما هو الموعد الذي حدده الجنرال زالوزنيي لتشكيل الفيالق الاحتياطية الجديدة وتجهيزها، فضلاً عن الآليات والأسلحة الثقيلة. هل هو شهر أو شهران أو ثلاثة أشهر من الآن؟ بعد تجمد الوحل ستأتينا الإجابة على هذا السؤال. والإجابة ستقربنا من معرفة كيف ستنتهي الحرب".