فيما يعبر المصلون إلى داخل المبنى الواقع في مدينة سالونيك شمالي اليونان لأداء صلاة العيد، كان اللافت أن الشرفات التي تعلو المبنى تزخر برسوم نجمة داوود ورموز يهودية أخرى، فيما كانت المدينة تقليدياً خلال القرن الماضي مدينة مسيحية بامتياز.
وللمرة الأولى منذ قرن كامل، توافد المصلون على مبنى "يني كامي" أو المسجد الجديد، لصلاة عيد الفطر. وهو المبنى الذي شُيّد كمسجد في مطلع القرن الماضي على يد مجموعة من اليهود الذين تحولوا إلى الإسلام، بينما كانت مدينة سالونيك في ذلك الوقت مدينة كوزموبوليتانية منفتحة تعبر عن الحرية والثقافة كجزء من الإمبراطورية العثمانية.
وجرى تشييد المبنى التاريخي في عام 1902 على يد المهندس المعماري الإيطالي فيتاليانو بوسيلي، ويقع في شارع ضيق في وسط المدينة، وتوقف استخدامه كمسجد في عشرينيات القرن الماضي.
لكن المجتمع الذي بُنيَ المبنى من أجله، وهم اليهود الذين تحولوا إلى الإسلام في تلك المدينة والحقبة والمعروفين باسم "الدونمة"، خضعوا سريعاً لواقعة تاريخية فارقة، وهي عملية "التبادل السكاني القسري" التي حدثت بين اليونان وتركيا في عام 1923 عقب انهيار الخلافة العثمانية، حيث تم إرسال المسلمين الذين يعيشون في اليونان إلى تركيا مقابل توجه المسيحيين الأرثوذكس الذين يعيشون في تركيا إلى اليونان... ليصبح المبنى بلا صاحب ولا هدف.
وعلى مدار قرن كامل، تحول المبنى من مأوى للاجئين تارة، إلى محتف أثري أو معرض فني تارة أخرى.. لكن قررت السلطات مؤخراً إعادته لبوصلته الأصلية كمسجد، حيث استقبل الصلوات الإسلامية في شهر رمضان، إضافة إلى صلاة عيد الفطر.
ورغم أن المسلمين في سالونيك أقلية لا تتعدى عشرات البشر، غالبيتهم مهاجرون أو سائحون أو دارسون، إلا أنهم سعدوا بالقرار. وقال طه عبد الجليل، الإمام الذي أم صلاة العيد، إن افتتاح مسجد يني كامي يبعث "برسالة جيدة للغاية، مفادها أنه لا تناقض بين كوننا مسلمين ومواطنين. ولا تناقض بين فتح مثل هذا المكان التاريخي وفي الوقت نفسه الاعتزاز بتاريخ البلاد واستقلالها"، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".