تعد تونس من أهم البلدان المنتجة والمصدرة للبطيخ الأحمر أو "الدلاع" كما يسمى محلياً، ولها تقاليد عريقة في إنتاج هذه الثمرة التي لها بذورها التونسية الخاصة المحتفظ بها إلى اليوم والتي استنجدت بها دول الجوار في وقت ما لتطوير إنتاجها. وتصدر تونس بطيخها الأحمر بالأساس إلى جارتيها ليبيا وإيطاليا، بالإضافة إلى عدد آخر من دول الاتحاد الأوروبي والخليج العربي التي تحبذ المنتوج الزراعي التونسي من الغلال والخضر، وحتى منتجات الصيد البحري التي تلقى رواجاً كبيراً.
خسائر كبيرة
وفيما كان المزارعون التونسيون ينتظرون هذا الصيف تسويق إنتاجهم من "الدلاع" داخلياً وعبر تصديره إلى الخارج مثلما جرت العادة، خصوصاً مع الموسم الوفير هذا العام، تعرض لحملات كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص جعلت نسبة مهمة من التونسيين يمتنعون عن استهلاكه ويقل الطلب عليه في الأسواق الخارجية. وقد تسببت الأخبار الكاذبة بخسائر كبيرة للمنتجين الذين اضطروا إلى تخفيض الأسعار في مرحلة أولى ثم إلى البيع بالخسارة في مرحلة ثانية، ولجأ بعضهم إلى إتلاف محصوله.
ومن بين الشائعات التي طالت "الدلاع" التونسي أنه غير سليم وغير صالح للاستهلاك ويمثل خطراً على صحة المستهلكين بسبب الأدوية والأسمدة. من بين الشائعات أيضاً أنه تم سقي الثمار بماء بطاريات السيارات حتى يكبر حجمها بسرعة، وهو ما تسبب، بحسب مروجي الشائعات، في تسجيل حالات تسمم عديدة.
تكذيب رسمي
وقد اضطرت هذه الشائعات أكثر من مسؤول تونسي للتأكيد أن ثمار "الدلاع" سليمة وأنها صالحة للاستهلاك، خلافاً لما تم تداوله بخصوص تضررها بالأدوية والأسمدة. وأكد هؤلاء أن استعمال الأسمدة مسألة طبيعية من أجل نمو النباتات باعتبار أنها مصنفة على أنها مادة غذائية، وأكدوا أيضاً من خلال وسائل الإعلام أنه لم يتم استعمال ماء البطاريات مثلما يزعم البعض وأن هذا الماء يستعمل في الزراعة في دولة أخرى في المنطقة وليس في تونس.
كما أكد مسؤولون عدم تلقي الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية أي إشعارات بوجود تسممات غذائية جماعية مثلما يزعم مروجو الأكاذيب، باعتبار أن القانون يجبر المستشفيات والأطباء على التبليغ عن التسممات الغذائية الجماعية إلى هذه الهيئة. وبالتالي فإن عدم تبليغ الجهات الصحية في البلاد عن حالات تسمم جماعي في الآونة الأخيرة هو مؤشر إلى أنه لا حالات تسمم تم تسجيلها في البلاد، وأن هناك أطرافاً مغرضة تستهدف المزارع التونسي والاقتصاد التونسي ككل.
وللإشارة، فإن الهيئة المذكورة تراقب باستمرار كل المواد الغذائية والمنتجات الزراعية التي يتم توزيعها في السوق التونسية، وذلك من خلال التحاليل التي تجريها على هذه المواد والمنتجات، وذلك بالتعاون مع مخابر مختصة. وقد أكدت نتائج التحاليل على عينات من البطيخ الأحمر الذي يعرض في الأسواق التونسية، بحسب مسؤولين، خلو هذا المنتوج من أي مادة يمكن أن تتسبب في التسمم، وأنه سليم وقابل للاستهلاك المحلي وللتصدير أيضاً وجودته عالية، وهو أفضل بكثير مما يقوم البعض بإنتاجه وتصديره في دول أخرى منافسة.
شكاوى وتتبعات
يؤكد الخبير القانوني التونسي المحامي صبري الثابتي لـ"النهار العربي" أن استهداف المنتوج التونسي بهذه الطريقة هو جريمة يعاقب عليها القانون، ويبدو أن الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، وهو المنظمة الوطنية التي ينضوي تحتها أغلب فلاحي تونس، سيقدّم شكوى إلى النيابة العمومية ضد من نشروا هذه الشائعات، وهو ما سيمكن من معرفة الأطراف التي تقف وراءهم. كما تعهد المتحدث باسم الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بدوره، بحسب الخبير القانوني التونسي، بمقاضاة الأطراف المتورطة في نشر هذه الشائعات من خلال الصور والفيديوهات في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويوضح الثابتي: "الحقيقة أنه لا أحد يدري من هو الطرف الذي يقف وراء هذه الحملات التي يبدو أنها ستطال منتجات أخرى، هل هو طرف داخلي أم خارجي، رغم أنه جرت العادة على أنه في مثل حالات كهذه يكون المتورط طرفاً خارجياً يرغب في الاستحواذ على السوق التونسية وعلى الأسواق التي تصدر إليها تونس. ويبدو للكثيرين أن هذا الطرف قريب جداً من تونس وقد طور إنتاجه الفلاحي في السنوات الأخيرة ولديه من يخدم مصالحه في الداخل التونسي في بلد اخترقته بلدان عديدة استغلت حالة الوهن التي مر بها بعد الثورة، وعلى من تآمر على وطنه خدمة لجهات خارجية أن يدفع الثمن والقضاء هو الفيصل في كل الحالات".