21-11-2021 | 08:20

"يوم قرّرتُ نزع حجابي"... تجارب من تونس

ارتداء الحجاب او نزعه ليس بالقرار السهل او العادي في حياة أي سيدة تمر بهذه التجربة التي تترجم صراعات داخلية لها انعكاساتها النفسية والاجتماعية على صاحبتها، في هذا التقرير ينقل "النهار العربي" تجارب سيدات من تونس قررن خلع الحجاب.
"يوم قرّرتُ نزع حجابي"... تجارب من تونس
Smaller Bigger
ارتداء الحجاب أو نزعه ليس بالقرار السهل أو العادي في حياة أي سيدة تمر بهذه التجربة التي تترجم صراعات داخلية لها انعكاساتها النفسية والاجتماعية على صاحبتها. في هذا التقرير ينقل "النهار العربي" تجارب سيدات من تونس قررن خلع الحجاب، في ظل تغيّرات سياسية ومجتمعية تركت تأثيرها في هذا الملف خلال العقود المتعاقبة.

بعد 17 سنة خرجت إيمان الى الشارع من دون غطاء رأس، "يومها كنت متجهة الى الأردن وقررت ألا أضع حجابي، ربما اخترت أن أفعل ذلك في بلد لا يعرفني فيه أحد حتّى أتجنب وقع اللحظة الأولى".
 
 في حقيقة الأمر، لم يكن قرار إيمان بالحاج وليد تلك اللحظة، فداخلها صراع تواصل لنحو أكثر من سنة ونصف: "لم يكن القرار حينياً، فقد عقدت العزم على خلع الحجاب منذ أكثر من سنة بعد تفكير طويل. كلّ ما كان يؤرقني وقتها هو متى أفعل ذلك، كانت تلك هي الخطوة الأصعب".
 
قررت إيمان كما تروي لـ"النهار العربي" ارتداء الحجاب سنة 2005 و"كان ذلك غير مسموح به في تونس لأسباب سياسية، لكنني ارتديته رغم ذلك. كنت أضع غطاء الرأس من دون أن أشدّه، بطريقة لا توحي بأنه حجاب".
تقول إنها كانت تمر حينها بظروف نفسية صعبة، إذ كانت تعاني من البطالة، وأجبرت على العودة الى بلدتها للعيش مع أهلها بعدما عجزت عن العثور على عمل: "أدمنت حينها مشاهدة بعض البرامج الدينية، وشيئاً فشيئاً بدأت أقتنع بفكرة ارتداء الحجاب ومنحني ذلك السكينة".
 
أجبرت إيمان، بعد انتقالها الى العمل في العاصمة تونس في مجال الصحافة، وكان ذلك قبل سنة 2011، على نزع حجابها في مكان عملها: "كنت أنزعه حين أدخل مقر العمل وأعود لوضعه فور مغادرته".
 
بعد سنة 2011، صارت إيمان تضع حجابها بشكل صريح، لكن رفع القيود الأمنية لم يضع حداً لقيود من نوع آخر: "كنت أعمل في مجال الصحافة، وبحكم عملي كنت أقوم بتغطية المؤتمرات والمحاضرات الحزبية، وفي تلك الفترة كانت هناك تجاذبات سياسية وأيديولوجية كبيرة، فكانت الفكرة النمطية السائدة عن كل سيّدة تضع الحجاب أنها "خوانجية" (تسمية يطلقها التونسيون على الإسلاميين). شكّل حجابي عائقاً أمام عملي، وشعرت أن مهنيتي صارت موضع شك".
 
"نسينا أنك محجبة"
تتحدث إيمان عن كل الملاحظات التي كانت تتلقاها من المحيطين بها الذين كانوا يلمّحون الى حجابها، كلما أرادوا التطرق الى موضوع جريء، وكانت تنزعج من تلك الملاحظات من قبيل "نعتذر عن هذا الكلام نسينا أنك محجبة".
 
بدأ الصراع النفسي داخل إيمان يتفاقم مع مرور الأيام حيث "بدأت أقوم بمراجعات وأطرح على نفسي أسئلة كثيرة، من قبيل: لماذا أضع هذا الغطاء على رأسي؟".
 
لم تعد إيمان قادرة على تحمل القيود التي يفرضها غطاء رأسها على حياتها وعلى تصرفاتها، ومنذ نحو خمس سنوات نزعت حجابها نهائياً. تقول: "شعرت بأنني تصالحت مع نفسي وتخلصت من حمل كان يعوّق حياتي". لم تغير إيمان طريقتها في اللباس، ولم تنقطع عن صَلاتها ولم يتغيّر سلوكها، فقط خلعت حجاباً تقول إنها ليست نادمة على نزعه، بل إنها تشعر بالراحة أخيراً لأنها فعلت ذلك، فقد "أصبحت أخيراً حرّة".
 
 
مضايقات
هادية موظفة في مؤسسة أجنبية قررت ارتداء الحجاب سنة 2013. تقول إنها فعلت ذلك بمحض إرادتها وعن قناعة تامة، فقد كانت تبحث عن راحة نفسيّة عثرت عليها في الاقتراب من الدين أكثر: "لم يكن قراراً صعباً حينها، فكثيرات من قريباتي ومعارفي ارتدين الحجاب. كنت أتلقى التهانئ من المحيطين بي، لأنني وجدت طريقي الى الله، على حد تعبير الكثير منهم".
 
وتضيف: "في تلك الفترة منع عني الحجاب النظرات التي تلاحق النساء في الشارع، كنت أشعر بأن جسدي في أمان وهو مخبوء وراء تلك الملابس الطويلة الفضفاضة".
 
قررت هادية منذ ثلاث سنوات خلع الحجاب، لكن القرار هذه المرة لم يكن بمحض إرادتها. تروي لـ"النهار العربي" كمّ المضايقات التي تعرضت لها في عملها بسبب حجابها: "لم يطلب مني أحد نزعه صراحة، لكنني كنت أسمع تعليقات ساخرة من شكلي، لم يكن أصحاب المؤسسة التي أعمل فيها وتتعامل حصراً مع مؤسسات أوروبية يرغبون في أن يكون من بين موظفيهم محجبات، كانوا يلقبوننا بصاحبات الغطاء".
 
قررت هادية أن تخلع حجابها، وأن تضع حداً لما كانت تشعر أنه "نظرة احتقار" تعاني منها بسببه، لكنها لا تشعر بالراحة لاتخاذ قرار كهذا، إذ إنها كانت تفضل الحفاظ عليه "خوفاً من الله".
 
مانع زوج هادية فكرة نزعها للحجاب، رغم أنه كان من الرافضين لارتدائه في البداية، لأن الناس تتكلم عن النساء اللواتي يخلعن حجابهن، "كانت الأسابيع الأولى التي تلت خلعي الحجاب صعبة، كنت أتحاشى النظرات المستفسرة والمندهشة التي كنت أراها في أعين كل من ألتقيهم من معارفي".
 
رغم تحسّرها على خلع حجابها لشعورها بالراحة حين كان جسدها مخبوءاً وراءه، غيّرت هادية من طريقة لبسها، وألقت بمعظم ملابسها الطويلة لتحلّ محلها ملابس جديدة لا توحي بأن صاحبتها كانت في يوم ما من المحجبات.
  
راضية الوسلاتي ارتدت الحجاب للمرة الأولى بعد سنة من زواجها، وكان ذلك بعد سنة 2011. لم يطلب منها زوجها أو أي فرد من عائلتها القيام بذلك. تقول راضية لـ"النهار العربي" إنها غير قادرة على تحديد الأسباب الحقيقية التي دفعتها لارتداء الحجاب، وإنها قد تكون تسرعت في القيام بذلك "ربما لأن جميع النساء في عائلة زوجي يضعنه، وكنت لا أريد أن أكون مختلفة عنهن".
 
ومع أنها كانت تضع غطاء الرأس، لم تكن من الملتزمات دينياً، "لم أكن أصلّي مثلاً"، تقول.
 
تعيش راضية في حي شعبي، حيث ترتدي أغلب النساء الحجاب، لذلك لم يزعجها الأمر في البداية: "كنت أشبه البقية".
 
بعد مرور السنوات وإنجاب الأطفال، ومع تكدّس المشاغل، أهملت راضية شكلها ولم تعد تجد وقتاً للعناية به، مستنجدة بحجابها: "كنت أترك شعري من دون تمشيط أحيانا لأيام، لأنني لا أملك الوقت لفعل ذلك، لم يكن ذلك يزعجني ما دمتُ أضع الحجاب".
 
"كم أنتِ جميلة يا أمّي"
لكن داخلها كان هناك غضب من حالة الإهمال واللامبالاة التي كانت تمر بها: "أنا من النساء اللواتي يولين في العادة اهتماماً لشكلهن، فكيف أسمح لنفسي بأن أصل الى هذه المرحلة من الإهمال".
تقول راضية إنها شعرت بأن ارتداءها للحجاب صار يشعرها بالضيق النفسي ويخنق حريتها: "كنت أبدو أكبر سناً، وكنت دائماً ما أطرح على نفسي سؤالاً: لماذا أضع هذا الغطاء وأنا لا أصلّي مثلاً؟".
 
بعد أخذ وردّ، حسمت راضية قرارها، توجهت يومها رفقة ابنتها الصغيرة الى صالون التجميل، وصبغت شعرها وقصّته: "نظرت ابنتي إليّ قائلة: كم أنت جميلة يا أمي، لا تضعي الحجاب".
 
لا تشعر راضية بالندم، كما تؤكد، لأنها قررت خلع حجابها: "أشعر بأنني تخلصت من حمل ثقيل لم أكن قادرة على حمله وتحمّله، وأنني صرت خفيفة بعدما تخلصت من كل ذلك الكم من القيود ومن الملابس التي تشعرني بالاختناق، حتّى في أيام البرد".
 
تحافظ راضية على مظهرها السابق، وترتدي الملابس المحتشمة، من دون أن تبالي بنظرات جاراتها الفضولية وهنّ يتهامسنّ عليها لأنها "تركت دينها". 

تحوّل مجتمعي
تؤكد المختصة في علم الاجتماع صابرين الجلاصي لـ"النهار العربي" أن ارتداء الحجاب في تونس تحول الى ما يشبه الظاهرة بعد سنة 2011، فقد رفعت القيود السياسية والأمنية التي كانت تمنع النساء من وضعه. وتضيف أن المجتمع التونسي عاش في السنوات الأولى التي تلت الثورة تداخلاً كبيراً في المواقف الأيديولوجية والسياسية والدينية، بخاصة مع سيطرة الأحزاب الدينية والسلفية على المشهد العام في البلاد، وهو ما أدى الى تحول الحجاب الى ما يشبه الموضة في تلك الفترة، بما يحمله من إيحاء ديني وفكري وسياسي، رغم أنه كان حجاباً غريباً في شكله عن غطاء الرأس الذي كانت تضعه نساء تونس قديماً.
 
وتؤكد الجلاصي أن انحسار هذه التيارات مع مرور الزمن، وفقدانها شعبيتها ومصداقيتها، دفعا كثيرات الى مراجعة قراراتهن، لافتة الى أن البعض من النساء أجبرن على خلع الحجاب لأنه تحوّل الى وصم اجتماعي، إذ صارت هناك فكرة سائدة تربط المرأة المحجبة بالتطرف أو الانتماء الى التيارات الإسلامية، وهذا شكل معوّقاً لكثيرات في جوانب عدة.
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/13/2025 1:59:00 AM
حكومة بنيامين نتنياهو تجري مشاورات هاتفية عاجلة بشأن تعديلات على قوائم الأسرى الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم في إطار خطة ترامب.
النهار تتحقق 10/15/2025 10:36:00 AM
"الرهائن الإسرائيليون بالبيجامات الكاستور المصرية". ضجة في وسائل التواصل بسبب مشاهد تقصّت "النّهار" صحّتها. 
لبنان 10/15/2025 7:13:00 AM
التفجير استهدف مجدداً حي المساير الذي تعرض سابقاً لأكثر من عملية مماثلة
سياسة 10/15/2025 6:09:00 PM
غارة من مسيرة تستهدف رابيد على طريق صديقين وأنباء عن إصابات