04-02-2023 | 06:10

القشابية الجزائريّة قاهرة البرد ورمز من رموز الثّورة

بمجرد إعلان موسم البرد القارس دخوله حتى يلجأ الجزائريون، باختلاف مستوياتهم المعيشية، إلى القشابية التي فرضت نفسها رغم كل صيحات الموضة الغربية المهددة للباس التقليدي.
القشابية الجزائريّة قاهرة البرد ورمز من رموز الثّورة
Smaller Bigger
 "إنه لباس رائع"... هكذا رد رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم باتريس موتسيبي، عندما حظي بتكريم خاص في الجزائر كان عبارة عن لباس شتوي من عمق التقاليد الشعبية هو القشابية. 
 
كانت القشابية ولا تزال أحد أفضل الألبسة الرجالية الشتوية في الجزائر، بخاصة في المناطق الداخلية المعروفة بشدة برودتها شتاءً، بل تعدت الداخل لتصبح اللباس المفضل للرجال، حتى في المدن الساحلية الكبرى كالعاصمة ووهران وقسنطينة وعنابة وغيرها من المدن القريبة من البحر.
 
وبمجرد إعلان موسم البرد القارس دخوله حتى يلجأ الجزائريون، باختلاف مستوياتهم المعيشية، إلى القشابية التي فرضت نفسها رغم كل صيحات الموضة الغربية المهددة للباس التقليدي. 

القشابية... تاريخ "ثوري" ناصع 
يؤكد الأجداد والمتخصصون في التراث أن للقشابية تاريخاً ثورياً مرتبطاً بما كانت تعيشه الجزائر خلال سنوات الاستعمار الفرنسي، بخاصة إبان ثورة التحرير الجزائرية (1954-1962)، إذ برزت بروزاً ثورياً ناصعاً من خلال ارتداء المجاهدين الجزائريين لها في الجبال المعروفة ببردها القارس خلال فصل الشتاء، كما أن بعض المؤرخين يؤكدون أنها كانت الزي الرسمي للثوار، بخاصة في الصحراء وجبال الأوراس شرق البلاد، لا سيما أن الجبال الممتدة على طول مساحة الجزائر الشاسعة كانت المعقل الرئيس للجهاد ضد المستعمر.
 
وإضافة إلى أنها كانت لباساً واقياً للثوار من برد الجبال القارس، كانت تستعمل أيضاً كمخبأ للأسلحة عن الأعين، وهو ما جعلها رمزاً ثورياً بامتياز.

عمي قويدر... قصّة توارث القشابيّة
يبلغ عمي قويدر 67 عاماً من العمر، يجلس على قارعة طريق مؤد إلى ساحة أحد مساجد باب الزوار (شرق عاصمة الجزائر)، ويبدأ الحوار مع "النهار العربي" بقوله: "أنحدر من ولاية المدية (120 كلم غرب الجزائر)، لباسي هذا لا يمكنني التخلي عنه مهما كان. نحن جزائريون متأصلون، لباس أجدادنا هو رمز ثقافتنا وهويتنا وثورتنا". ويضيف بكثير من الفخر والاعتزاز: "القشابية ألبسها مذ كنت في الخامسة، كان أبي رحمه الله لا يستغني عنها خلال فصل الشتاء، وكان كل عام تقريباً يقتني لي ولإخوتي قشابيات تقينا من البرد الشديد الذي تعرفه مدينة المدية، وحتى والدتي كانت لا تتوانى عن ترقيع أي قشابية في البيت إذا أصابها قطع أو عطب".
 
عمي قويدر انتقل للعيش في العاصمة الجزائر خلال ثمانينات القرن الماضي، ومع كل المميزات الحضارية التي للعاصمة المختلفة عن المدية وغيرها من المدن الداخلية، إلا أنه حافظ على لباسه كما هو، بل أورثه أيضاً أبناءه الذين ولدوا في العاصمة. ويقول: "رغم صعوبة المهمة إلا أنني استطعت إقناع أبنائي بضرورة الحفاظ على هذا اللباس وألبسة تقليدية أخرى خاصة لبناتي أيضاً... وصار أبناء العاصمة يرتدون القشابية خلال فصل البرد، وهذا أمر جيد بالنسبة إلى تراث أجدادنا وبلادنا".

انتعاش ملحوظ في بيع القشابية!
تعرف الجزائر منذ بداية العام الجاري 2023، موجة برد قارس وزخماً مطرياً كبيراً وثلوجاً بلغ سمكها في بعض المناطق 30 سنتمتراً، ما أدى إلى انتعاش ملحوظ في بيع الألبسة الشتوية، إلا أن المميز هو ذاك اللباس المنافس الشرس لكل أنواع ألبسة الشتاء العصرية، فقد تغلبت القشابية على أجود ما جادت به الأنامل العصرية، والمنافسة اليوم أصبحت قوية بين القشابية والصيحات الجديدة لموضة الملابس الشتوية المستوردة، إلى درجة أنها اكتسحت حتى أماكن العمل وباتت لباس المسؤولين والوزراء والفنانين وغيرهم.
 
وشهدت ورش خياطة القشابية وكذلك محال بيعها خلال موجة البرد والثلوج الحالية إقبالاً منقطع النظير، وبرزت كلباس مميز عبر شوارع عاصمة البلاد والمدن الكبرى بعدما كانت حكراً على مدن داخلية معينة، كالجلفة التي تعد الموطن الأصلي للقشابية.
 

أنواع وأثمان
تمر خياطة القشابية في مراحل عدة، تبدأ من اختيار أحسن أنواع الوبر (جلد الجمل)، لينظف بعدها وينقى ثم يفور في الماء الساخن ليجفف عقب ذلك ويحول إلى خيوط توضع على منسج خشبي تقليدي، وبعد أن تأخذ القشابية شكلها الأولي تبدأ المراحل الأخيرة التي تتمثل في خياطتها بخيط ذهبي اللون، ثم يوضع ما يسمى بـ"القُمر" على "القلمونة" وهي الجزئية العلوية التي تغطي الرأس.
 
وتُنسب أنواع عديدة من القشابية إلى المناطق التي تُصنع فيها، فمثلاً هناك "القشابية المسعدية" نسبة إلى منطقة مسعد جنوب البلاد، و"القشابية النايلية" و"القشابية الجلفاوية" و"القشابية الأغواطية" و"القشابية المسيلية" و"القشابية التيارتية"؛ ومثلما تخاط القشابية من وبر الجمال فإنها تصنع أيضاً من صوف الأغنام، لكن الإقبال يكون على الوبريّة أكثر، ويعود ذلك إلى أنها أكثر مقاومة للبرد.
 
كما أن أسعارها تختلف باختلاف أنواعها، وفي هذا الشأن تقول سليمة، وهي مصممة أزياء تقليدية، إن أسعار القشابية المخاطة أو المصنوعة من صوف الأغنام تراوح بين 25 ألف دينار و35 ألفاً (بين 185 دولاراً و260)، فيما تبلغ أسعار المصنوعة من وبر الجمال بين 60 ألف دينار و150 ألفاً (440 و1100 دولار).
 
أما أفضل الأنواع المصنوعة من وبر صغار الجمال فيفوق سعرها 1200 دولار، بحسب سليمة التي تؤكد أنه كلما خفّ وزنها ارتفع ثمنها.
 
 
وشهدت القشابية نوعاً من التحديث خلال السنوات الأخيرة، تقول سليمة لـ"النهار العربي"، وذلك بهدف تماشيها مع الأذواق العصرية الشبابية، ولكن من دون التخلي عن شكلها الحقيقي التقليدي المعروفة به.
 
وتدعو سليمة إلى "الحفاظ على لب القشابية وصميمها وكل تراثنا اللباسي، إلا أن هذا لا يمنعنا أبداً من إدخال تحسينات عصرية عليها وتطويرها بما يجعلها متماشية مع ما هو موجود في عصرنا الحالي، وهذا جزء من حفاظنا على موروث بلادنا وأجدادنا من الاندثار".
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 10/17/2025 6:20:00 AM
"وقهوة كوكبها يزهرُ … يَسطَعُ مِنها المِسكُ والعَنبرُوردية يحثها شادنٌ … كأنّها مِنْ خَدهِ تعصرُ"
ثقافة 10/17/2025 6:22:00 AM
ذلك الفنجان الصغير، الذي لا يتعدّى حجمه 200 ملليليتر، يحمل في طيّاته معاني تفوق حجمه بكثير
ثقافة 10/17/2025 6:23:00 AM
القهوة حكايةُ هويةٍ وذاكرةٍ وثقافةٍ عريقةٍ عبرت من مجالس القبائل إلى مقاهي المدن، حاملةً معها رمزية الكرم والهيبة، ونكهة التاريخ.
ثقافة 10/17/2025 6:18:00 AM
من طقوس الصوفيّة في اليمن إلى صالونات أوروبا الفكرية ومقاهي بيروت، شكّلت القهوة مساراً حضارياً رافق نشوء الوعي الاجتماعي والثقافي في العالم.