نادية الشراح توثّق أزمة "سوق المناخ" في الكويت: حقبة مؤلمة بيع فيها متر مربع في دكان بخمسة ملايين دولار
شهدت دولة الكويت أشهر أزمة مالية في تاريخ الشرق الأوسط والوطن العربي قاطبة. وكان موقعها مناخ الإبل قديما حيث تشكلت "بورصة" غير نظامية لتداول الأسهم أطلق عليها "سوق المناخ". ناهزت تداولات السوق في أسبوع واحد بورصة لندن، وبرزت في هذا السوق أقصى مظاهر البذخ التي لم تألفها بلدان الخليج العربية التي كان تحث الخطى نحو استكمال بناء الدولة الحديثة، في وقت كان الكويتيون يجازفون بأموالهم، بعد تكدس ثرواتهم إثر ارتفاع سعر برميل النفط بنسبة 400 في المائة. وذلك عقب حظر الدول العربية بيع النفط في عام 1973، وسط تراجع بورصات العالم في السنوات التالية، اذ وجد المستثمرون في الكويت ضالتهم، وتجاهلوا البورصة الرسمية التي كانت على مقربة من سوق المناخ. غير أن سوق المناخ كان يشمل صفقات اعتبر كثير منها "غير حقيقية" حيث كانت تتم عمليات الشراء والبيع للشركات قبل أن تبدأ أعمالها، وقبل أن يستكمل المشتري أوراق الصفقة. وقد احتل "سوق المناخ المرتبة الثالثة من حيث القيمة السوقية خلف بورصة نيويورك وبورصة اليابان"، بحسب تقرير المركز المالي، ما سبب أزمة مالية غير مسبوقة في حينها.

شهدت دولة الكويت في نهاية السبعينات أشهر أزمة مالية في تاريخ الشرق الأوسط والعالم العربي قاطبة، وكان موقعها مناخ الإبل قديماً، حيث تشكلت "بورصة" غير نظامية لتداول الأسهم أطلق عليها "سوق المناخ".
ناهزت تداولات السوق في أسبوع واحد بورصة لندن، وبرزت في هذا السوق أقصى مظاهر البذخ التي لم تألفها بلدان الخليج العربية التي كانت تحثّ الخطى نحو استكمال بناء الدولة الحديثة، في وقت كان الكويتيون يجازفون بأموالهم، بعد تكدّس ثرواتهم إثر ارتفاع سعر برميل النفط بنسبة 400 في المئة، وذلك عقب حظر الدول العربية بيع النفط في عام 1973، وسط تراجع بورصات العالم في السنوات التالية، إذ وجد المستثمرون في الكويت ضالتهم، وتجاهلوا البورصة الرسمية التي كانت على مقربة من سوق المناخ. غير أن سوق المناخ كان يشمل صفقات اعتبر كثير منها "غير حقيقي"، حيث كانت تتم عمليات الشراء والبيع للشركات قبل أن تبدأ أعمالها، وقبل أن يستكمل المشتري أوراق الصفقة. وقد احتل "سوق المناخ المرتبة الثالثة من حيث القيمة السوقية خلف بورصة نيويورك وبورصة اليابان"، بحسب تقرير المركز المالي، ما سبب أزمة مالية غير مسبوقة في حينها.
ولتوثيق ذلك طرحت الاقتصادية الكويتية نادية الشراح كتاباً جديداً بعنوان "مناخ 82"، التقت فيه "فرسان المناخ"، ووثقت حقبتهم المؤلمة مسرحية الفنان العملاق عبد الحسين عبد الرضا، ولكن بقالب كوميدي خلد تلك الفترة. وعليه التقى "النهار العربي" مؤلفة الكتاب، وهنا نص الحوار معها:

* ما هي أزمة المناخ ببساطة كي تفهمها الأجيال التي لم تعاصرها؟ وكيف نشأت رغم وجود سوق أوراق مالية رسمي على مرمى حجر من مبنى المناخ (غير الرسمي)؟
- عام 1973 ارتفعت أسعار النفط مسبّبة حدوث أزمة أوراق مالية صغيرة في حينه، ثم أزمة أخرى في 1977 تم تعويض مدينيها في عام 1978، تلاها ارتفاع آخر لأسعار النفط بعد الثورة الإيرانية (1979) حتى وصل سعر البرميل إلى 40 دولاراً، نتج من ذلك توافر أموال سائلة تبحث عن مصادر للربح السريع، وكان التعامل في الأوراق المالية، وبسبب مشاركة كبار المسؤولين مع ارتخاء في الرقابة وتطبيق القوانين، وحتى يبقى الكل سعيداً، كان الجميع يدفع باتجاه رفع الأسعار والمراهنات على زيادة الأسعار، وأشبه وصف لتلك الحالة هو أن الجميع كان يمارس لعبة القمار، ولكنه قمار مرخّص. معظم المتعاملين كانوا يعرفون أن الأسعار متضخمة، ولكنهم كانوا يتصورون أنهم يملكون الذكاء المحصّن وأنهم سيخرجون من صالة القمار في الوقت المناسب.
* ما سبب اهتمامك، كاقتصادية، بأزمة المناخ بعد وقوعها بنحو 40 عاماً؟ ولماذا لم يكتب الكثير من الكتب والأفلام الوثائقية عن أزمة كبيرة كهذه؟
- الصدفة هي التي جعلت أزمة المناخ تعيش معي حتى اللحظة التي قررت فيها القيام بتوثيق حوادثها، ولعل السبب في ذلك يعود إلى الاختصاص الذي مارسته في حياتي العملية، ثم وفرة الوقت الذي تيسّر لي بعد التقاعد، أي التفرغ في السنة الأخيرة من التخرج في جامعة الكويت بتخصص الاقتصاد. تدربت في "مكتب الشال للاستشارات الاقتصادية"، وكان ذلك في عام 1985، وصادف أن وزارة المالية كلّفت آنذاك المكتب دراسة أوضاع الشركات الخليجية والمقفلة الكويتية، التي عانت تداعيات أزمة المناخ، وبعد التخرج عملت في بنك الكويت المركزي الذي كان يدرس آنذاك مقترح برنامج خاص للمديونيات الصعبة التي سببتها تداعيات أزمة المناخ على القطاع المصرفي. وفي بداية التسعينات تم انتدابي للعمل في لجنة الشؤون المالية والاقتصادية، عايشت خلالها صوغ قوانين استهدفت التعامل مع أزمة المناخ، ومن بينها قانون المديونيات الصعبة.
وعام 2012 انتقلت للعمل في هيئة أسواق المال التي كانت في بدايات تأسيسها، وكان العالم لا يزال يتعامل مع تأثير الأزمة المالية العالمية 2008. لذلك قررت استثمار تلك الحالة من ذلك الارتباط المتواصل بأزمة المناخ.
بعد قراءة ملفات عدة وما توافر من كتب عن الأزمات العالمية، وقراءة ما كتب على مدى فورة سوق المناخ وحتى انفجار الفقاعة، ارتأيت أن من الظلم بحق التاريخ والأجيال القادمة ألا يتم توثيق أزمة ألقت بظلالها على الاقتصاد الكويتي وأهلكت المالية العامة.
* كيف يمكن أن تشرحي للقارئ العربي خطورة أزمة المناخ آنذاك التي قيل إن تداولاتها في أحد الأسابيع فاقت تداولات بورصة لندن؟
- الخطورة كامنة في حجمها، قياساً إلى حجم الاقتصاد والمدى الزمني لاستمرارها وإلى مواقع المتورطين فيها.
أزمة المناخ واحدة من أكبر الأزمات بقياسها النسبي، فقد بلغت شيكاتها الآجلة (وهي حالة استثنائية وغير قانونية) 27 مليار دينار كويتي، أي ما يعادل 100 مليار دولار أميركي، في زمن كان حجم الناتج المحلي الإجمالي قد بلغ 21.5 مليار دولار، وللتبسيط أقول إن حجم ديون أزمة المناخ كان يعادل خمسة أضعاف حجم الاقتصاد الكويتي حين انفجرت الفقاعة. والشيكات الآجلة كانت تخص 6031 متعاملاً، منهم أفراد من الحكومة ومتنفذون فيها. والمدى الزمني لاستمرارها منذ 1982 وحتى ما بعد 1993.
* هل هناك معلومات جوهرية لم تتمكني من إيرادها في الكتاب خشية مقص الرقيب؟
- نعم، هناك معلومات جوهرية تستحق تسليط الضوء عليها، وعدم تمكني من ذكرها في الكتاب ليس خشية من مقص الرقيب، ولكنها تحتاج إلى المزيد من البحث ومقابلة شخصيات معنية بها، حتى يطّلع القارئ على القصة مكتملة وتشمل آراء كل المعنيين بها وقراءة المزيد من الوثائق والبحث عن صور للشيكات المهمة.
.jpg)
* تحدثتِ عن شخصية جدلية وهي عزيز تقي الذي كان يدير الأموال النقدية ويحملها بصورة غريبة، هل يمكن شرح طبيعة هذا الرجل؟
- عزيز شخصية جدلية؛ يسكن تحت الأرض، ولباسه مختلف، يلاحق حقه بكل الوسائل؛ فقد عمله الرائج بسبب تهمة الكاميرات ودفعه الغضب إلى التعويض السريع بالمناخ.
السيد عزيز تقي رجل عصامي؛ بدأ تكوين ثروته من الصفر، وهو شخصية حريصة وذكية، كل تلك الصفات لم تنقذه من طوفان صفقات سوق المناخ، فهو أول من تنبأ بانفجار الفقاعة، وحين قابلناه في 3 لقاءات، زوجي وأنا في باريس، كان واضحاً أنه حريص في استخدام المال، فمثلاً كان يضع أمواله في جيب داخلي مخفي بالقميص، بحيث لا يظهر من الخارج على القميص بأن هناك جيباً في داخله.
* ما أكثر فصل شدّ القرّاء بحسب ملاحظاتك وردود الفعل؟ وما السبب من وجهة نظرك؟
- لكل فصل معجبون مختلفون، وأحتاج إلى وقت لتفريغ ردود الفعل وترجيح الأفضلية.
بحسب الملاحظات الأولية التي وردتني، فإن القرّاء تفاوتت اهتماماتهم بين الشخصيات، ولكن هناك من أفادوا بأنهم حين قرأوا الجزء المخصص للسيد صبحي سكر تمنوا ألا ينتهي، ما يعني أن القرّاء كان لديهم الاستعداد لقراءة المزيد عن تلك الشخصية.
* ما الإضافة التي قالها بعض فرسان المناخ في كتابك وشكّلت صدمة لك باعتبارها معلومة جديدة أو اعترافاً صريحاً جداً؟
- كل ما في المقابلات صدمني؛ ضخامة المبالغ بسياسة، وأحياناً بسذاجة بعض المتعاملين، فوضى التعاملات، عدد المسؤولين المتعاملين ومستوياتهم، ضبابية تعاملات الأجل، وإصرار معظم المتعاملين على معرفتهم بأن انفجار الفقاعة قضية وقت، وكلهم أخطأوا وسقطوا في فخ الحلول الخالية من المنطق وغيرها.
* هناك محاولات بسيطة للكتابة عن المناخ، لكن ما الذي يميز كتابك؟ وما هو السبق الصحافي إن جاز التعبير؟
- هناك كتب وثّقت الأزمة، وهي ضمن مصادري التي اطلعت عليها قبل إعداد الكتاب، لكن المنهجية التي اعتمدتها في إعداد هذا الكتاب اختلفت، فقد تضمن مقابلة أكثر من 38 شخصية، وتطلّب هذا مني السفر، وكان لتنوع أدوار الشخصيات ومواقعهم خلال الأزمة الدور الكبير في إثراء العمل.
* ما أغرب الصفقات التي وقعت في أزمة المناخ؟
- الأغرب بيع دكان المتر المربع منه بخمسة ملايين دولار، ثم ينبري أذكياء لتبرير عدالة الصفقة! وبيع سهم شركة دواجن بخمسة أضعاف قيمته الاسمية، والشركة لم تبدأ العمل ولا تملك صوصاً واحداً، وتداول سهم أجل بنحو مئة ضعف سعره الاسمي بأجل بعد عشر سنوات، ومثل ذلك كثير.
*هل من نصيحة يمكن أن تقدميها للشباب المقبلين على الاستثمار كدرس يمكن تعلّمه من أزمة المناخ؟
- بصيلات التوليب أو أسهم المناخ، أو شركات الدوت كوم، أو العملات المشفرة... كلها فقاعات، احذروا تصديق أن "هذه المرة غير" مع فقاعات المستقبل.
* حاولت مسرحية "فرسان المناخ" للراحل عبد الحسين عبد الرضا توثيق أزمة المناخ، ما رأيك في دقة تناولها للحدث؟
- بعض حوادث المناخ أغرب من مسرحيته؛ المسرحية إبداع عظيم في تجسيد حوادثه.
* هل تواصل معك أحد لعمل فيلم وثائقي أو مسلسل أو أي عمل إعلامي استناداً إلى هذا الكتاب؟
- حتى الآن لم يتصل أحد والكتاب حديث جداً.
* ما أبرز ما سيتناوله كتابك الثاني عن أزمة المناخ؟ ومتى يُطرح في الأسواق؟
- تاريخ الطرح يعتمد على سرعة توافر المادة التي تستحق التوثيق ثم تدقيقها، وأهم ما في المحتوى الأرقام التفصيلية ونسخ عقود وشيكات وإيصالات البيع والشراء، ولقاءات مع من لم يسعفني الوقت أو الحظ للقائهم.
------------------
لمزيد من المعلومات يرجى التواصل مع
شركة روافد للاستشارات الإدارية والعلاقات العامة (لصناعة المحتوى)
بريد إلكتروني: [email protected]
بريد إلكتروني: [email protected]
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
المشرق-العربي
10/13/2025 6:21:00 AM
هذه أسباب الانقسام والخلاف في صفوف الحرس الوطني.
صحة وعلوم
10/14/2025 10:48:00 AM
وزارة الصحة: الإجراء المتخذ بحق "تنورين" يُلغى فوراً اذا اتخذت جميع الإجراءات الضرورية لجودة المياه
لبنان
10/13/2025 4:37:00 PM
توقيف شركة “مياه تنورين” مؤقتاً عن تعبئة مياه الشرب وسحب منتجاتها