أثار الداعية الإسلامي عبدالله رشدي الكثير من السجالات في مصر، في الأيام القليلة الماضية، بعدما تم تداول مقطع فيديو قصير له على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي. المقطع الذي تبلغ مدته 56 ثانية، كان قد نشر في الأصل على صفحته الشخصية في "فايسبوك" تحت عنوان بالعامية المصرية: "ازاي ترد على بتوع تكوين في الموضوع دا؟".
ويقدم رشدي في ذلك المقطع لمتابعيه حججاً يمكنهم استخدامها للرد على أعضاء "مؤسسة تكوين الفكر العربي"، المعروفة باسم "تكوين"، والتي ينظر إليها كثير من المصريين على أنها تنتقد كتب التراث الإسلامي وتشكك في دقة ما ورد فيها، خصوصاً كتب الأحاديث النبوية وفي مقدمتها "صحيح البخاري" الذي يعتبره غالبية المسلمين في مصر الكتاب الأصحّ بعد القرآن، وكذلك "صحيح مسلم" الذي يأتي بعد "البخاري" في الترتيب لديهم.
وما أثار السجالات، أن الداعية الإسلامي اعتبر أن من يشكك في دقة جمع الأحاديث، يشكك في دقة جمع القرآن، لأن من نقلوا السنة "هم البشر أنفسهم الذين نقلوا القرآن"، على حد زعمه. وبينما اعتبر بعض منتقدي رشدي أن طرحه به "مغالطات" و"جهل"، وأنه حاول "الدفاع عن السنة، فشكك في القرآن"، واتهموه بأن طرحه هذا يدفع الشباب المسلم إلى "الإلحاد" والشك في دينه، فإن عدداً من متابعي صفحته التي تضم قرابة 6.9 ملايين دافعوا عنه باعتباره "عالماً ويفقه أكثر من غيره".
"كلام البشر"
بدأ الداعية الإسلامي المقطع بفرضية أن ثمة شخصاً ما - يفترض أنه من "تكوين" وفقاً لعنوان الفيديو - يقول إنه غير مؤمن بالسنّة، وأن "صحيح البخاري" و"صحيح مسلم" كلام بشر، وأنه يؤكد إيمانه بالقرآن فقط لأنه كلام رب البشر.
ثم يتطرق رشدي إلى كيفية الرد على هذا الشخص: "ترد وتقول له، القرآن الذي هو كلام رب البشر، والسنّة التي هي كلام سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام، الاثنان نقلهم إليك وكتبهم لك البشر".
وواصل حديثه بطرح سؤال آخر: "هل الذين نقلوا إليك هذه الحاجات معصومون؟"، وافترض أن الشخص "الرافض للسنّة" على حد وصفه، سيرد بـ"لا".
وهنا يدفع رشدي بحجته التي أثارت سجالات كبيرة، فيقول: "بمنطقك هذا، لو أنت ترفض السنّة بزعم أن الذي كتبها بشر، وهم غير معصومين، فإنك سوف ترفض القرآن أيضاً، لأن من كتبه بشر وهم غير معصومين".
افترض مجدداً أن من يجادله سوف يستدعي آية تؤكد أن القرآن محفوظ من قبل الله: "سيقول لك إن ربنا قال في القرآن {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. (هنا تسأله) كيف عرفت هذه الآية؟ هل سمعتها من ربنا كما هي؟ أم أنها نزلت على سيدنا النبي، فنقلها لك البشر وكتبها لك البشر ووصلت إليك اليوم عن طريق البشر؟".
واختتم حجته قائلاً: "الآية التي تستدل بها على أن القرآن لا يمكن أن يكون فيه حاجة غلط، نقلها نفس البشر الذين نقلوا السنة إليك".
20 كاتب للوحي
يقول الباحث في الفكر الإسلامي والمتخصص في التراث وشؤون الأزهر محمد أبو العيون لـ"النهار العربي": "لم يختلف أحد من السابقين أو المعاصرين على أن القرآن الكريم قطعي الثبوت، ما يعني أنه ثابت ثبوتاً يقينياً غير قابل للشك أنه من عند الله عز وجل، وقد بلغه سيدنا رسول الله بلاغ المرسل الأمين المؤتمن كما أوحى إليه من ربه دون زيادة أو نقصان".
ويضيف أبو العيون الذي تخرج في جامعة الأزهر: "القرآن الكريم، كتب كاملاً أول مرة في عهد الرسول؛ فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم اتخذ كتبة للوحي، وعددهم 20 صحابياً في أشهر الروايات، وكانت مهمة هؤلاء كتابة كل آية أو آيات بمجرد نزولها على سيدنا النبي".
ويشير إلى أن "طريقة كتابة القرآن كانت تتم بدقة شديدة، والآيات والسور مرتبة ترتيبها الإلهي الموحى به إلى سيدنا رسول الله دون أي اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب؛ فقد كان يملي كتبة الوحي الآية ويقول: هذه الآية رقمها كذا، ضعوها في سورة كذا".
ويؤكد الباحث أن كتابة القرآن في عهد النبي أمر ثابت، ولكنه كتب ولم يجمع في مصحف واحد، ويقول: "لقد كان مكتوباً في صحائف متفرقة محفوظة عند عدد معلوم من الصحابة، ومن بينهم أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها، كما عرف في ذلك العهد أسماء الصحابة الذين كانوا يحفظون القرآن الكريم في صدورهم".
وعن جمع القرآن في مصحف واحد، يقول: "ما فعله سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه هو أنه جمع الصحائف المتفرقة التي كان مكتوباً فيها القرآن وجعلها في مصحف واحد، ثم كان الجمع الثالث على توحيد المصحف في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه، وهذه المراحل الثلاث تمت أمام أعين جميع الصحابة، وهكذا نقل إلينا القرآن الكريم بالتواتر".
ويرى أن "القول بأن الذين كتبوا ونقلوا القرآن الكريم إلينا - وكذلك السنة النبوية - بشر غير معصومين، وأن التشكيك في السنّة معناه التشكيك في القرآن، خلط يدل على عدم دراية صاحبه بما يقول، وخلل فكري دون حساب للعواقب الكارثية التي يسببها نشر مثل هذا الكلام الخالي من الصحة، وهو يتطلب من الأزهر الشريف أن يرد عليه بشكل عاجل، ويوضح فساده وعدم صحته؛ لأن ترك مثل هذه الأطروحات الفاسدة دون الرد عليها يفتح الباب على مصراعيه للتشكيك في القرآن الكريم، ومن ثم الدفع بالشباب إلى الدخول أفواجاً في نفق الإلحاد المظلم".
ويعيد الباحث التأكيد على نقطة يراها مهمة وحاسمة، وهي "أن القرآن الكريم - كما ذكرت - قطعي الثبوت، أي أن الشك في صحة نسبته إلى الله مستبعد وغير وارد بالكلية، أما السنة النبوية فهي ظنية الثبوت، أي أن الشك في نسبة الحديث إلى سيدنا رسول الله يقدم حتى يثبت العكس".
هجوم ودفاع
واجه الطرح الذي قدمه الداعية هجوماً شديداً من تيارات فكرية متعددة، وكانت النقطة الرئيسية التي وجه إليها الهجوم، هي المغالطة التي قدمها عبدالله رشدي على أنها حقيقة، وحديثه عن أن القرآن نقل إلى المسلمين كما نقل الحديث.
وبينما أكد جميع منتقدي الداعية على أن القرآن تم تدوينه فور نزوله، أشاروا إلى أن الحديث تم جمعه شفهياً بعد عقود عدة من وفاة النبي، ولم يتم تدوينه مثلما تم تدوين القرآن في عين حياته، وأشار بعضهم إلى حديث ورد بـ"صحيح مسلم" ينهى فيه النبي عن تدوين أي شيء نقلاً عنه عدا القرآن، ويأمر من دوّن غير القرآن بمحوه.
ويقول الكاتب محمد الدويك في تدوينة مطولة تعليقاً على طرح رشدي إن "أول جمع للسنة النبوية بشكل موثق ومكتوب، كان بعد وفاة النبي بقرابة 100 عام على يد الإمام مالك في ما يعرف بالموطأ، وجمع فيه قرابة 1000 حديث".
ويضيف: "ثم تفشي الوضع والكذب، واضطربت الأمور، حتى أن الإمام البخاري نفسه قال إنه عندما أراد التوثيق جمع 600 ألف حديث، اختار منهم 6 آلاف فقط. يعني البخاري أخد 1 بالمئة مما عرض عليه، وترك 99 بالمئة من الأحاديث التي يتداولها البشر".
ووصف الكاتب خالد منتصر الفيديو بأنه "أقصر طريق للإلحاد".
أما بالنسبة للمدافعين عن رشدي فجاءت تعليقاتهم في غالبيتها تعبيراً عن حبهم له، دون تقديم رأي أو معلومات تدعم طرحه، فدعا له متابع يدعى محمد عبد الكريم: "اللهم احفظ عبدك عبدالله رشدي كما حفظ دينك".