20-12-2022 | 06:05

"تشارلي" تثير الفزع بين المراهقين في مصر... هل ثمّة تفسير علمي للّعبة؟

يعتقد غالبية المصريين في وجود الجن والسحر، لذا كان أول تفسير قفز إلى أذهانهم، أن ثمة جنياً يحرك القلم، وأن ذلك الجني الذي يدعى "تشارلي" قد يؤذي الشخص الذي كان يمارس اللعبة، وقد "يلبسه".
"تشارلي" تثير الفزع بين المراهقين في مصر... هل ثمّة تفسير علمي للّعبة؟
Smaller Bigger

ثمة من يقول إن لعبة "تشارلي"، التي أثارت ضجة كبيرة في مصر، أخيراً، والتي دار بشأنها الكثير من اللغط والشائعات، تعود جذورها إلى المكسيك. ويؤكد أحد المهتمين بالميتافيزيقيا، أنها في الأساس تعد شكلاً من أشكال تحضير الجن، لمعرفة الطالع، وليست لعبة تصلح للأطفال والمراهقين... لكن وسط "الأساطير" التي تدور حول اللعبة، وما حدث لمن مارسوها، يبدو أن ثمة تفسيرات علمية يقبلها العقل ويقرها المنطق.

 

لعبة "تشارلي"، التي انتشرت على نطاق واسع بين الأطفال والمراهقين في مصر، خلال الأيام القليلة الماضية، أحدثت ردود فعل واسعة، بعدما تعرضت فتاة في إحدى مدارس منطقة إمبابة، بمحافظة الجيزة (جنوب القاهرة)، لحالة إغماء، وقالت إنها شاهدت مخلوقاً غريباً أثار فزعها، في دورة مياه المدرسة، بعد ممارستها اللعبة مع ثلاث زميلات لها، وتحرك القلم أمام أعينهن.

 

 

وتعتمد اللعبة على قطعة من الورق، مرسوم عليها خطان متقاطعان (مثل علامة زائد)، ومكتوب على كل طرف من أطراف الخطين الأربعة كلمة "Yes"  أو "No"، ويوضع قلمان متقاطعان فوق الورقة، ثم يبدأ ممارس اللعبة في ترديد عبارتي: "Charlie Charlie are you here? Charlie Charlie are you game?"، وحينها يفترض أن يتحرك القلم ناحية "Yes"  أو "No".

 

وكانت اللعبة قد انتشرت على نطاق واسع في الغرب عام 2015، ومارسها عدد محدود من المصريين في تلك الفترة، لكنها عادت بقوة أخيراً في مصر، وانتشرت بسرعة كبيرة، بعدما شاهدها بعض الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً "تيك توك"، فبدأوا في تجربتها، إلى أن وقعت حادثة طالبة إمبابة، فزاد انتشارها والحديث عنها.

 

تعويذة سحريّة

يعتقد غالبية المصريين في وجود الجن والسحر، لذا كان أول تفسير قفز إلى أذهانهم، أن ثمة جنياً يحرك القلم، وأن ذلك الجني الذي يدعى "تشارلي" قد يؤذي الشخص الذي كان يمارس اللعبة، وقد "يلبسه"، أي أن الجني يدخل جسم الإنسان، ويبقى متحكماً به، وبتصرفاته، أو ربما يكتفي بتحريك القلم، أو يحدث صوتاً مرعباً، مثل ارتطام جسم صلب بالأرض، أو إغلاق الباب فجأة بشدة.

 

يميل علي ماجد، وهو باحث مستقل مهتم بالميتافيزيقيا إلى هذا التفسير، ويقول لـ"النهار العربي": "تلك اللعبة هي في الأصل تعويذة سحرية، نشأت في المكسيك وفقاً للمعلومات المتاحة عنها على الإنترنت، وكانت تستخدم لقراءة الطالع، وتتضمن كل الإجراءات اللازمة لتحضير الجن: الشموع، والدماء، وترديد عبارات محددة".

 
يميل غالبية المصريين للتصديق في الجن والسحر لأن المعتقدات الدينية تقر ذلك

 

ويضيف ماجد: "في النسخة الأصلية من اللعبة، وهو ما يفعله بعض المراهقين هنا، يجرح الشخص يده، أو يخز إصبعه بدبوس، ويضع بعض دمائه على الورقة، وهذه الدماء تعد بمثابة قربان للشيطان، ورمز خضوع لأوامره. حين يردد اللاعب "تشارلي تشارلي... الخ"، هنا يحضر الجني، وهو ليس الجني نفسه الذي يحضر في كل مكان، لكنه فرد مكلف من قبل ملوك الجن بخدمة السحر".

 

ويرى الباحث أن "الأطفال والمراهقين يتعاملون مع التعويذة السحرية على أنها لعبة مثيرة ومسلية، وفي الواقع فإنهم يقومون بتحضير الجني، ولا يستطيعون صرفه، وهذا قد يتسبب في حدوث كارثة لهم، فقد يؤذيهم، وهو ما حدث في حالات عدة، ومنها حالة طالبة مدرسة إمبابة".

 

على رغم أن التفسير الشائع، والأكثر إقناعاً للكثير من الناس هنا، هو ما ذهب إليه "ماجد"، لأنه ببساطة يتوافق مع المعتقدات الدينية لغالبية المصريين، التي تقر بوجود الجن، والسحر، وقدرة الجن على مس الإنسان و"لبسه"، فإن هناك تفسيرات علمية، يتقبلها العقل والمنطق المحايد، الذي لا تتخطفه الإيحاءات، أو يقيده الإيمان الذي يطغى على العقل فيضله.

 

علم النّفس

قد يكون التفسير العلمي، من الناحية النفسية، مرتبطاً بالتأثير الكبير الذي يحدثه الإيحاء والاعتقاد في عقولنا، بل في أجسادنا في بعض الأحيان.

 

تقول استشارية الصحة النفسية الدكتورة منى حمدي لـ"النهار العربي": "علمياً فإن قوة الإيحاء لها تأثير كبير جداً على الإنسان، وتتضافر معها قوة الاعتقاد في الشيء، وتبنيه المطلق. ويغذي ويحفز ويعظم قوة الإيحاء وتأثيره، عدم النضج النفسي، والفجاجة العقلية والوجدانية".  

 
 استشارية الصحة النفسية الدكتورة منى حمدي

 

وترى استشارية الصحة النفسية أن "عدم النضج العقلي، وعدم الوعي، وضعف المعرفة والثقافة، لها العامل الأكبر والأكثر تأثيراً في تهيئة الإنسان لاستقبال كل الخرافات".

 

وتؤكد حمدي أن "قوة الإيحاء قادرة على إحداث تأثيرات فسيولوجية وجسدية، مثل إفراز الأدرينالين (هرمون الخوف والقلق)، والكورتيزول (هرمون التوتر والمواجهة)، بكميات تُضبب أو تشوش مراكز التفكير والإبصار والسمع، ويغذى قوة الإيحاء وتأثيره، والقابلية له".

 

وتشير حمدي إلى أن "قوة الرغبة في عيش التجربة، وخاصة التجارب المحاطة بالإثارة والغموض، والميل لكسب الإنسان التميز والاختلاف والأسبقية والبطولة في اتجاه معين يفضله ويتمناه، يغذيان هذا التشويش. وهذه الميول حاضرة بقوة عند المراهقين، حيث يعانون أزمة الهوية وإثبات الذات والتميز، بل إنها من سمات تلك المرحلة العمرية، ما يجعلهم أكثر قابلية لتقبل الإيحاءات والخيال والأوهام".

 

الإيحاء النفسي، وفقاً ما شرحته الاستشارية، "هو ببساطة أن ما تفكر به قد يحدث فوراً، استجابة لحديث العقل اللاواعي وإلحاحه، فتصدقه وتؤمن به، وقد يتمثل لك بالرؤية الكاذبة، أو السمع الكاذب".

 

وتوضح أن "العقل البشري لا يفرق بين الحقيقة والخيال في المعالجة الإدراكية والاستجابة الانفعالية، فيحدث ما يسميه علم النفس الإيحاء بالتأثير الوهمي، وهو يشبه البلاسيبو (placebo) وقد يتطور لما يشبه التنويم المغناطيسي، أو بمصطلح أكثر دقة التنويم النفسي، حيث يتداخل تأثير الإفراز الزائد للأدرينالين، الناتج من الخوف المسبق لما هو متوقع ومتصور بالعقل، مع الأفكار المسيطرة، فيحدث أثر يشبه التنويم المغناطيسي فيجعل الإنسان يتخيل أشياء وكأنها حقيقة ماثلة أمامه، إنها حالة تشبه الهلاوس (hallucinations) والضلالات (delusions) التي تحدث كعرض في حالات الشيزوفرينيا، وكأنها حالة شيزوفرنيا موَقتة".

 

تفسير الفيزياء

حقق العلم أموراً سعى إليها السحر وتحدثت عنها الأساطير لآلاف السنين، ولم يثبت بدليل قاطع أنها تحققت أو يمكن تكرارها، فقد جعل العلم الإنسان يطير في الهواء، ويخترق السماء، ويكتشف أنها ليست كما كان يتخيل أسلافه من قبل، جعل صوته وصورته ينتقلان عبر القارات، ويتحدث لغيره في أماكن تبعد منه بآلاف الأميال، بالصوت والصورة، وغير ذلك من الأمور التي قد تجاوزت خيال السحرة والدجالين.

 

تقول إيمان فكري مؤسسة "البيروني" وهي شركة متخصصة في تبسيط العلوم للأطفال: "نحن نؤمن بالجن والسحر، لأنهما مذكوران في القرآن، لكن ليس كل ما يدهشنا سحراً، أو يقوم الجن بفعله، فثمة بعض الأشياء لدى العلوم قدرة على تفسيرها".

 
إيمان فكري مؤسسة "البيروني" تشرح بعض المفاهيم العلمية للأطفال بطريقة مبسطة

 

لا تمتلك فكري تفسيراً واضحاً لما يحرك القلم في لعبة "تشارلي"، إلا أنها تعتقد أن الفيزياء قد تفسر تلك الحركة، وتقول لـ"النهار العربي": "نحن نرى شخصاً يسير حافياً على لوحة من المسامير، دون أن تخترق قدميه، أو يخطو فوق كرتونة بيض دون أن يتهشم البيض، وكان الكثير منا يعتقد أن هذا سحر، إنه في الحقيقة ليس كذلك".

 

وتضيف مديرة "البيروني": "العلم يفسر هذا بأنها مسألة توزيع للضغط. ما يجعل المسمار يخترق قدم الإنسان، هو أن وزنه الكبير يرتكز على نقطة واحدة صغيرة للغاية، أما إذا توزع الضغط على نقاط، انخفضت قوته على كل نقطة من النقاط، وبات غير قادر على اختراق القدم".

 

وتشير بعض الآراء إلى أن ما يحرك القلم في لعبة "تشارلي"، قد يكون الجاذبية، ووضع القلم بطريقة معينة فوق القلم الآخر، وأنه قد يتحرك حتى وإن لم تُتلَ العبارات التي يرددها اللاعبون، وفي حالات أخرى لا يتحرك وإن رددت تلك العبارات، وذلك ببساطة لأن وضع القلم لا يتأثر بالجاذبية في تلك اللحظة.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/19/2025 7:20:00 PM
 برز اسم عشائر غزة  كأحد السيناريوهات المحتملة لإدارة الشؤون المدنية، خاصةً في ظل رفض عودة حكم حركة حماس، وغموض دور السلطة الفلسطينية.
المشرق-العربي 10/20/2025 8:26:00 AM
اعتبر ويتكوف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "قاد بلاده في ظروف صعبة".
اقتصاد وأعمال 10/17/2025 6:25:00 AM
لماذا ترتفع الأسعار؟ تتضافر الأسباب بين طقسٍ متقلّب في بلدان المنشأ، ومخزوناتٍ محدودة، وتوازنٍ دقيق بين العرض والطلب.