07-06-2022 | 05:45

"الرّصد الفرعوني"... خرافات الجنّي الذي يحرس المقابر ثمّ يرفدها بضحاياه

"الرصد" هو جنّي تم تسخيره عن طريق السحر لحراسة آثار قدماء المصريين وكنوزهم، ووظيفته هي أن يمنع اللصوص من الوصول إلى الكنوز ونهبها، وبمقدوره أن يؤذيهم أو يصيبهم بلعنة تدمّر حياتهم، أو تتسبب في موتهم، وهذا وفق المعتقدات الأكثر شيوعاً في الأوساط الشعبية.
"الرّصد الفرعوني"... خرافات الجنّي الذي يحرس المقابر ثمّ يرفدها بضحاياه
Smaller Bigger

على مدار السنوات الماضية وقعت حوادث عدة، راح ضحيتها أشخاص ماتوا في صمت تحت ركام حفر منهارة. وتكون تلك الحفر في الغالب تحت منازل أو في أراض يبحث أصحابها عن كنوز وآثار قدماء المصريين. ليس هذا فحسب، ولكن في بعض الأحيان كان الضحايا هم أطفال تم تقديمهم قرابين لفك "الرصد".

 

وشهدت قرية الوردان التابعة لمحافظة الجيزة في مصر، قبل أيام قليلة، مقتل عاملين انهارت عليهما الرمال خلال تنقيبهما عن الآثار بطريقة غير شرعية، كما ألقت السلطات القبض على ثلاثة متهمين شاركوا في عملية البحث. وهذه واحدة من وقائع متكررة ترصدها أجهزة الأمن بين الحين والآخر.

 

و"الرصد" هو جنّي تم تسخيره عن طريق السحر لحراسة آثار قدماء المصريين وكنوزهم، ووظيفته هي أن يمنع اللصوص من الوصول إلى الكنوز ونهبها، وبمقدوره أن يؤذيهم أو يصيبهم بلعنة تدمّر حياتهم، أو تتسبب في موتهم، وهذا وفق المعتقدات الأكثر شيوعاً في الأوساط الشعبية.

 

بالطبع، هذا "الرصد" يخيف عامة الناس، وحتى يتمكنوا من الحصول على الكنوز المدفونة في باطن الأرض، فهم بحاجة لـ"شيخ" يجيد التعامل معه، ويحدد لهم ما هو مطلوب لفك السحر. وهذا "الشيخ" هو أيضاً من يقرر إن كان هناك كنز مدفون في مكان ما أم لا.

 

وعلى رغم أن عملية "النبش" أو البحث عن الآثار بعيداً من أعين الدولة مجرّمة قانونياً منذ عقود مضت، وقد فرضت الدولة عقوبات مشددة ضد مرتكبيها، أخيراً، إلا أن الخطاب الديني العتيق، والذي لا تزال بعض التيارات الإسلامية تتبناه، خصوصاً في الأقاليم والمناطق الريفية والفقيرة، يعتبر تلك الكنوز حلالاً، ويطلق عليها اسم "ركاز"، و"الركاز" وفق "التعريف الشرعي" هو "كل مال علم أنه من دفن أهل الجاهلية (أي ما قبل الإسلام)".

 

فتوى في موقع يعتمده بعض أتباع التيار السلفي في مصر
 

الجنّي الحارس

ويؤكد "أبو رحمة"، وهو اسم مستعار لأحد "الشيوخ" الذين يعملون في مجال البحث عن الآثار واستخراجها أن "الرصد" موجود، وأن "الطريقة الأفضل للتعامل معه، هي تلاوة القرآن الكريم".

 

يقول "أبو رحمة" لـ"النهار العربي": "إن الجن مذكور في القرآن، والسحر كذلك، ونحن كمسلمين نؤمن بهما، لذا فالأمر لا ريب فيه، وهذا الجني (الرصد) يساعدنا على معرفة المناطق التي بها كنوز فرعونية، من خلال علامات أو إشارات يتلقاها بعض الأشخاص الذين تتوافق طبيعتهم (هوائية، مائية، نارية) مع طبيعة الجنّي".

 

تحدث "النهار العربي" إلى اثنين من الخبراء في مجال الآثار، وأكدا أن البعثات العلمية لا تعرف "الرصد"، ولم يعترض طريقها يوماً ما، لكن "أبو رحمة" تساءل متعجباً "كيف سيعرفون مكان الكنوز المدفونة دون الإشارات التي نتلقاها من الجني الحارس"، ويؤكد أنه "لا يمكن استخراج آثار الفراعنة إلا بعد فك السحر الذي يحميها".

 

بعض المقابر والكنوز المصرية القديمة دُفنت قبل سبعة آلاف عام، وما هو متداول أن عمر الجني "يراوح ما بين 1000-1500 عام"، لكن الشيخ يقول أمراً مغايراً وغريباً.

 

ويقول "أبو رحمة": "يتم تسخير عائلات من الجن لحراسة المقابر والكنوز الفرعونية، ويولد الجن داخل المقبرة، ويستمرون في حراستها جيلاً بعد جيل، كما أن هناك بعض أنواع الجن التي تصل إلى عمر الشيخوخة، ثم تعود إلى الشباب مرة أخرى، وهذه هي أخطر الأنواع التي نواجهها، إذ تجتمع فيها صفتا الخبرة والشباب".

 

هناك تصورات شعبية غذاها التراث الديني بشأن حماية مقابر قدماء المصريين
 

ترويج للخرافات

لفكّ "الرصد" تكاليف مالية كبيرة جداً، كما أن "الركاز" له قسمة محددة، وكلاهما فيه نصيب وافر لـ"الشيوخ" الذين يكون معظمهم أئمة مساجد، أو دعاة ملتحين يثق الناس في "علمهم"، كما يثقون في أنهم قادرون على التعامل مع الجني الحارس الذي قد "يسبب لهم المتاعب" أو يتسبب في "قتلهم".

 

ويقول الدكتور أحمد بدران، أستاذ الآثار المصرية في جامعة القاهرة لـ"النهار العربي": "فكرة الجني الحارس شائعة في العقل الجمعي هنا، لديهم قناعة بأن ثمة عوامل ميتافيزيقية تحرس المقابر المصرية القديمة، وتمنع من نهبها".

 

ويضيف بدران الذي يعمل في بعثات رسمية للتنقيب عن الآثار منذ أكثر من 17 عاماً: "ليس في علم الآثار مثل هذه الأمور، إنها مجرد طرق يستخدمها النصابون لجني الأموال من ضحاياهم. يقنعونهم بأن لديهم كنزاً أسفل منزلهم أو المجاور لمنطقة أثرية، وقد يتجاوز الأمر طلبات مالية إلى أشياء غير معقولة، مثل التضحية بطفل حتى يتم فك الرصد، وهذه كارثة".

 

ويشير بدران إلى أن "هؤلاء يبحثون بطرق بدائية للغاية، إنهم يحفرون رأسياً ولأعماق كبيرة، وفي نسبة غير قليلة من الحالات تنهار الحفرة على من بداخلها فيلقى حتفه، لأنهم لا يستطيعون إبلاغ الجهات المختصة لإنقاذهم، فهم يقومون بجريمة، وفجأة يختفي النصّاب ولا يستطيعون الإبلاغ عنه كذلك".

 

الطرق التي تستخدمها البعثات العلمية تعتمد على التقنيات المتطورة، وليست إشارات يرصدها "الشيوخ" نتيجة تداخل الجني الحارس مع أهل المكان، ويقول الأستاذ الجامعي: "نحن نستخدم تقنيات حديثة مثل تقنيةAPR  وأجهزة تكشف عما في باطن الأرض، لو كان ما يقوله هؤلاء الدجالون صحيحاً، لاعتمدنا عليها وأرحنا أنفسنا".

 

تتم عمليات البحث غير القانونية عن الآثار بطرق غير علمية تدمر طبقات التربة
 

سرقات المقابر

يقول الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار المصرية لـ"النهار العربي": "إلى جانب التقنيات الحديثة، هناك خرائط نعتمد عليها لمعرفة المناطق التي يحتمل أن فيها آثاراً مصرية قديمة".

 

ويشير الخبير الأثري إلى أن "هناك بردية في المتحف البريطاني تتحدث عن سرقات المقابر، وهي تعود إلى الأسرة العشرين، أي في عهد رمسيس الثالث. لقد تعرضت المقابر المصرية القديمة للسرقات على مر التاريخ، وكان الكهنة في عصور الاضطرابات يجمعون المومياوات ومحتويات المقابر ويضعونها في ما يسمى خبيئة، حتى يحمونها من السرقة".

 

هذا في رأي شاكر دليل على أن "لا شيء اسمه "رصد" أو جني يحمي المقابر، فلقد اكتشفنا عشرات المقابر ولم نواجه هذا الأمر، إنها طرق للنصب على الناس، وهي كانت موجودة في الماضي، وستظل موجودة في المستقبل. المهم هو التوعية، وتطبيق القوانين بحزم ضد المخالفين".

 

يفرض القانون عقوبات رادعة على من يتعرضون للآثار باعتبارها ثروة قومية
 

عقوبات رادعة

يقول المحامي هاني صبري لـ"النهار العربي": "لقد واجه قانون حماية الآثار الرقم 117 لسنة 1983 والمعدل برقم 91 لسنة  2018 تلك الأطماع الشخصية بعقوبات رادعة لكل من يتجرأ على ارتكاب هذه الجرائم التي من شأنها انتهاك حقوق الدولة، باعتبار الآثار المصرية ثروة قومية وإرثاً حضارياً يجب حمايته والحفاظ عليه".

 

ويضيف: "إن التنقيب عن الآثار بدون ترخيص، والإتجار بها وتهريبها، جرائم جنائية منصوص عليها في قانون حماية الآثار، وتم تشديد العقوبات لهذه الجرائم، أخيراً، ويواجه المنقبون عن الآثار عقوبات مشددة، وتراوح عقوبات هذه الاتهامات بين السجن المشدد من 3 سنوات إلى 15 سنة، والسجن المؤبد".

 

كما يشير صبري إلى أن "الدستور المصري أضفى حماية على الآثار لأهميتها، حيث نصت المادة 49 منه على أن تلزم الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها ورعاية مناطقها وصيانتها وترميمها، واسترداد ما استولي عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليه، كما تحظر إهداء أو مبادلة أي شيء منها، والاعتداء عليها والإتجار بها جريمة لا تسقط بالتقادم".

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
اسرائيليات 10/9/2025 3:20:00 PM
جلس في أحد المقاهي البيروتية واحتسى فنجان قهوة بين الزوار المحليين.