تلخص قصة أيمن الشايب البالغ من العمر 27 عاماً، واقع المصابين بملازمة داون في الأردن، لا سيما ممن تسمح ظروفهم الصحية بالانخراط في سوق العمل الذي يدير ظهره لهم بسبب حالتهم، دون الاستناد إلى المعايير المهنية التي هي الأساس.
وخلال الأيام القليلة الماضية، برزت قصة أيمن على نحو واسع، عندما نشرت خالته أسماء الصيفي نصاً عبر صفحتها في "فايسبوك"، تطرقت فيه إلى تتويج رحلة البحث عن عمل له بالنجاح.
ولاقى المنشور تفاعلاً واسعاً من عشرات الآلاف الذين أبدوا إعجاباً بعزيمة أيمن وإرادته في أن يكون إنساناً منتجاً وفاعلاً معتمداً على نفسه، متجاوزاً كل التحديات والصعاب التي تفرضها إصابته بمتلازمة داون، في حين كان المنشور أيضاً ساحة لتبادل الآراء ووجهات النظر بشأن نظرة سوق العمل إلى مثل تلك الفئة.
رحلة البحث عن عمل
في حديثها إلى "النهار العربي"، تقول الصيفي إن أيمن الذي توفيت والدته قبل 5 سنوات، له شقيقان وشقيقة، ويلقى منهم كل الدعم والإسناد في أمور الحياة كافة، بالإضافة إلى محبة ودعم كل من يعرفه أو تعامل معه.
وتضيف أن فكرة انخراط أيمن في سوق العمل بدأت قبل سنوات عندما كانت هي في زيارة للولايات المتحدة، وشاهدت حينها الكثير من المصابين بمتلازمة داون في سوق العمل. وعقب عودتها إلى الأردن تحدثت له عن ذلك وشجعته على العمل، الأمر الذي أثار حماسته ودفعه إلى الموافقة.
كان ذلك في عام 2017، حين بدأت الصيفي رحلة شاقة للبحث عن جهة تؤمن بقدرات أيمن وكفاءته في العمل والإنجاز، ولا تتخوف أو ترفض مقابلته بشكل مبدئي لمجرد أنه من مصابي متلازمة داون.
في تلك الأثناء، اختارت الصيفي التوجه بطلب لأحد مطاعم الوجبات السريعة المعروفة، لكن الطلب لم يلق أي اهتمام، في حين أصرت على متابعته وقامت بالتواصل مع مسؤولة فيه وشرح حالة أيمن لها وإقناعها بأنه قادر على العمل مثل أي شخص، وأن إصابته لا تؤثر على العمل بأي شكل.
وبعد موافقة المسؤولة، بدأ أيمن والفرحة تغمره، بالاستعداد لأول يوم عمل، واستمر فيه سنوات عدة بكفاءة وإشادة من مسؤوليه، حتى ظهرت لديه رغبة بالعمل في مجال آخر يضيف إليه تجربة وخبرة جديدتين، ليتجدد التحدي في إيجاد جهة توافق على قبوله.
وحصل ذلك بالفعل قبل أيام، عندما انخرط أيمن بعمل جديد في مقهى، بينما تشير خالته (الصيفي)، إلى أن عمل أيمن للمرة الأولى في المطعم فتح الباب أمام قبول أعداد من أقرانه في سوق العمل بعدما انتشرت حينها أيضاً قصته، لافتة في الوقت ذاته إلى أن هناك العديد من مصابي متلازمة داون لديهم القدرة على العمل بكفاءة لأن حالتهم ليست صعبة معقدة ولا تكون لديهم أمراض أو إعاقات أخرى، بالإضافة إلى وجود دعم من الأهل والمعلمين في فترة الدراسة.
لماذا يرفضهم سوق العمل؟
ولا توجد إحصائيات دقيقة بشأن نسبة العاملين من المصابين بمتلازمة داون تحديداً في الأردن، وفق ما تؤكد لـ"النهار العربي" الصحافية المتخصصة في قطاع العمل والعمّال رزان المومني، التي دعت في الوقت ذاته إلى ضرورة وجود قاعدة بيانات موحدة تجمع معلومات تفصيلية عن جميع الأشخاص العاملين من ذوي الإعاقة بمن فيهم المصابون بمتلازمة داون.
وترى المومني أن "تقبّل تلك الفئة في سوق العمل الأردني متباين، وعلى الرغم من وجود قصص نجاح مثل قصة أيمن، إلا أن الواقع يشير إلى تباين في مدى تقبّل سوق العمل الأردني للمصابين بمتلازمة داون، فهناك بعض الشركات والمؤسسات تبذل جهوداً لدمجهم، بينما لا تزال هناك عقبات كبيرة تواجه البعض الآخر".
وتشير إلى أن "هناك مجموعة من التشريعات التي تهدف إلى حماية الحقوق العمّالية للأشخاص ذوي الإعاقة بما فيهم متلازمة داون وتشجع دمجهم في المجتمع، فوفق قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، تُلزم الفقرة (ه) من المادة 25 الجهات الحكومية وغير الحكومية التي لا يقل عدد العاملين والموظفين في أي منها عن 25 ولا يزيد على 50 عاملاً وموظفاً، بتشغيل شخص واحد على الأقل من ذوي الإعاقة، وإذا زاد عدد العاملين والموظفين على 50 عاملاً وموظفاً، تخصص نسبة تصل إلى 4 بالمئة من شواغرها لذوي الإعاقة وفقاً لما تقرره وزارة العمل".
كذلك فإن المادة 13 من قانون العمل الأردني وتعديلاته تنص بحسب المومني، على إلزام صاحب العمل بإرسال بيان إلى وزارة العمل يحدد فيه الأعمال التي يشغلها ذوو الإعاقة وأجر كل منهم، بينما يلزم نظام تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة كل منشأة يزيد عدد العاملين فيها على 50 أن تشغل نسبة 4 بالمئة منهم من ذوي الإعاقة، ويُلزم النظام كذلك بتشغيل شخص واحد من الأشخاص ذوي الإعاقة إذا كان عدد العاملين في المؤسسة أكثر من 25 وأقل من 50.
إلا أن بعض أصحاب العمل، كما تقول المومني، يعتقدون أن "الأشخاص ذوي الإعاقة، خصوصاً المصابون بمتلازمة داون، سيكونون أقل إنتاجية من غيرهم، وأنهم قد يرتكبون أخطاء أكثر، ويخشى البعض توظيفهم لأنهم يحتاجون لتجهيزات خاصة وهذا يزيد من كُلف التشغيل، وبعض أصحاب العمل يخافون التعرض للمسؤولية القانونية حال حدوث أي مشكلة تتعلق بالموظف ذي الإعاقة".
وبشأن أيمن تحديداً، ترى أنه "رغم التحديات التي واجهته، لكنه أثبت أنه قادر على العمل والإنتاج، وأنه يمتلك مهارات وخبرات تؤهله إلى العمل، وأثبت أن الخبرات العملية هي ما يهم أصحاب العمل".