لا تزال قضية تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي تضغط الشخصيات والأحزاب المنضوية ضمن "الإطار التنسيقي" لتمريره تثير جدالاً سياسياً، في ظلال انتقادات توجهها القوى المدنية والشخصيات السياسية للبرلمانيين الأكراد في المجلس، لعدم حماستهم لمنع تمرير التعديل.
بحسب مراقبين، تجعل التعديلات المقترحة قانون الأحوال الشخصية أكثر طائفية وتخضعه أكثر لسلطة رجال الدين، وتحديداً أعضاء الوقفين السّني والشيعي، فتمنحهم الحق في أداء دور واسع في الحياة الزوجية والعائلية، سواء في تحديد آليات الزواج وضوابطه، أو مستقبل العائلة ومصير الأطفال في حال انفصال الزوجين.
ويتهم هؤلاء المراقبون القوى السياسية الكردية بأنها تتعامل مع هذا الأمر وكأنه لا يعنيها فعلياً، ما دام يحق لإقليم كردستان الاحتفاظ بقانون الأحوال الشخصية الخاص به، والذي أقره برلمان الإقليم، بحسب الدستور العراقي.
ملهاة التطيير
تعترف القوى السياسية الكردية بأنها تنأى بنفسها عما يُطرح بشأن هذا القانون، لأنها تعتقد أنه يأتي ضمن اتفاق سياسي مسبق. فحين تشكلت الحكومة العراقية الحالية، أقرته قوى "الإطار التنسيقي" الشيعية مع نظيرتها السّنية، أي مع حزب "تقدم" و"تحالف العزم"، بحيث تكون موافقة القوى السّنية على تعديلات قانون الأحوال الشخصية المقترحة شرطاً لموافقة القوى الشيعية على إصدار قانون عفو عام، يشمل بالضرورة عشرات الآلاف من مؤيدي الحزبين المذكورين. لأجل ذلك، لا تريد الأحزاب الكردية التورط في ما توافق عليه الطرفان، خصوصاً أنه لن يمس فعلياً الواقع الاجتماعي في إقليم كردستان.
ويتحدث الكاتب والباحث شفان رسول عما سمّاها "أدوات تطيير القضايا الجوهرية في البلاد"، التي تسعى القوى المركزية إلى استخدامها بمثل هذه القضايا المختلقة، والتي لا تريد الأحزاب الكردية أن تكون جزءاً منها. ويقول لـ"النهار العربي": "في قرابة ثلاثة أعوام من عمر الحكومة العراقية الحالية، لم ينفذ رئيسها محمد شياع السوداني ولا قوى الإطار التنسيقي التي تدعمه أياً من التعهدات الرئيسية التي وقع ورقة سياسية بشأنها مع الأحزاب الكردية في أثناء تشكيل الحكومة".
وبحسب رسول، لم يقدم السوداني قانون النفط والغاز إلى البرلمان، ولم ينشط لجان المادة 140 من الدستور، ولا حتى ملف الرواتب، "بل تختلق الحكومة قضايا ثانوية، مثل تعديلات قانون الأحوال الشخصية هذا، أو قانون العفو، أو حتى مسألة إخراج القوات الأميركية من العراق، وتدفع القوى الكردية إلى أن تتخذ منها موقفاً لسبب واحد، وتطيير ما تعتبرها القوى الكردية مسائل رئيسية، وهذا ما ترفضه هذه الأخيرة، وتصر على أن تكون قضايا كردستان مسألة جوهرية في التفاعل السياسي والبرلماني".
مناقضة للدستور
تفرض التعديلات المقترحة على القانون الحالي أن يختار الزوجان العراقيان واحداً من مذهبين شرعيين: سُنّي أو شيعي، ليتم بحسبه عقد الزواج. وتالياً، يكون المذهب المختار مرجعاً في جميع المسائل الخاصة بالأحوال الشخصية ضمن هذه العائلة، في حال استمرار الزوجين أو انفصالهما مستقبلاً. كذلك، يمنح المتزوجين سابقاً الحق في أن يتقدموا بطلب تحديد المرجعية المذهبية التي يختارونها مجدداً، وعلى المحاكم الاستجابة لطلباتهم.
تقول القوى المدنية العراقية إن هذه التعديلات تفترض إقرار مدونتين للأحوال الشخصية، واحدة لكل من المذهبين، اعتماداً على الآراء المشهورة لفقهاء المذهبين، فتكون كل مدونة منهما مرجعاً ومُحدداً للعلاقات الشخصية.
وترى تلك القوى في ذلك أداة لتكريس الطائفية ضمن المجتمع العراقي، بحسب ما قال "المرصد العراقي لحقوق الإنسان" في بيان، مضيفاً أن التعديلات المقترحة تعزز دور رجال الدين وأحزاب السلطة في الحياة المجتمعية، هذا فوق تناقضه مع الدستور العراقي والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وتحديداً تلك التي وافقت عليها الدولة العراقية.
وترد كتلة "دولة القانون" البرلمانية، الداعمة للتعديلات، أنها موافقة للمادة 41 من الدستور العراقي، التي تنص على أن "العراقيين أحرار في أحوالهم الشخصية بحسب دياناتهم ومعتقداتهم ومذاهبهم وينظم ذلك بقانون"، فيما تؤكد كتلة "قوى الدولة" بزعامة عمار الحكيم أن التعديل المقترح يضع أمام المواطنين خيارات منطقية تلائم مختلف الظروف والحالات، "وهذا يعزز مبدأ الحرية الشخصية ويحترم تنوع المجتمع".
مطاعن على التعديلات
ويفنّد حقوقيون عراقيون المقدمات النظرية التي يقدمها داعمو التعديلات، ويقولون إنها تستهدف غض النظر عن تفصيل ما سيحدث فعلياً مستقبلاً، فهذه التعديلات ستفتح الباب واسعاً أمام إمكانية تزويج الإناث في عمر 9 سنوات، قبل سنوات من جاهزيتها الجسدية والعقلية والروحية للزواج.
كذلك، تحرم هذه التعديلات الأنثى من الإرث، وبالذات من الإرث العقاري، لأن العقارات غير منقولة، كما تحرم المنفصلات من النفقة. أما المشكلة الكبرى بحسب الحقوقيين فهو تخويل رجال الدين في الوقفين السّني والشيعي ليكونا جزءاً من إقرار الواجبات والحقوق والوصاية والنفقة في حال حدوث الانفصال، وتالياً التحول بالتقادم نحو المحاكم الدينية للقضايا المدنية.
ويقارن الحقوقيون ذلك ببنود القانون المطبق في إقليم كردستان، الذي يمنع فعلياً تعدد الزوجات، ويوفر للزوجة مروحة واسعة من الضمانات في الحياة الزوجية، حتى في حال حدوث الانفصال، ومثلها أيضاً تفاصيل كالعنف الأسري والحق في الميراث.