
تواصل السلطات العراقية ملاحقة مدوّنين ينشرون "محتويات مسيئة" عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، ما أثار قلق ناشطين ومدوّنين من استغلال الحملة في "تكميم الأفواه".
وقد حكمت السلطات بالسجن على محمد عبد الكريم حسين الباوي الملقب "حسن صجمة" عامين، كما قرر القضاء العراقي سجن غفران مهدي سوادي المعروفة بـ"أم فهد" ستة أشهر بتهمة "نشر أفلام وفيديوهات تتضمن أقوالاً فاحشة ومخلة بالحياء والآداب العامة وعرضها على الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي"، وكذلك ألقي القبض على مديل شهيرة باسم عسل حسام بتهمة نشر محتوى "مخلّ بالآداب". وتحدث ناشطون عن أن حملة الاعتقالات شملت أسماء أخرى.
ويعرف "حسن صجمة" في العراق بتصوير لقاءات مع فتيات في الغالب وسؤالهن عن مواضيع مختلفة، وتثير فيديواته الكثير من الجدل بسبب طبيعة الأسئلة والأجوبة، أما "أم فهد" فتقدّم محتوى ساخراً يتضمن الرقص، وتتباهى أحياناً خلال فيديواتها التي تبثها عبر "إنستغرام" بـ"علاقاتها" النافذة مع مسؤولين عراقيين.

قلق حقوقي
ويقول القانوني محمد السويدي في حديث لـ"النهار العربي" إنه "لا مادة في قانون العقوبات العراقي اسمها المحتوى الهابط، لكن الجهات تلاحق صناع المحتوى المسيء على مواقع التواصل وفقاً للمادة 403".
وتنص هذه المادة من قانون العقوبات العراقي، التي صدرت على أساسها الأحكام، على "الحبس مدة لا تزيد على سنتين وغرامة لا تقل عن مئتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتاباً أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسوماً أو صوراً أو أفلاماً أو رموزاً أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة".
و"يعاقب بالعقوبة ذاتها كل من أعلن عن شيء من ذلك أو عرضه على أنظار الجمهور أو باعه أو أجره أو عرضه للبيع أو الإيجار ولو في غير علانية، وكل من وزعه أو سلمه للتوزيع بأي وسيلة كانت".

ويضيف السويدي أن هذه المادة "تشدد على محاربة المحتويات الإباحية أو من يقوم بصناعتها، ولا علاقة لها بالمحتوى الاعتيادي. لكن عندما يتم استخدام هذه المادة لملاحقة مشاهير التواصل الاجتماعي لأنهم ينشرون مواضيع للفكاهية والسخرية لأجل زيادة المشاهدات، فذلك يعدّ أمراً مقلقاً وقد يتطور لاحقاً ضد الذين ينتقدون النظام والحكومة".
وقال الخبير القانوني حيان الخياط إن "النصوص القانونية واضحة ومنها المادتان 401 و403، وقد حدد أفعالاً مجرمة وهي كل فعل مخل بالحياء أو بالآداب العامة".
وأضاف الخياط في حديث مع "النهار العربي" أنه بخصوص المادة 403 التي عوقب بموجبها العديد من الأشخاص في الأيام المنصرمة، فقد حددت سلوكيات إجرامية (مذكورة أعلاه)، و"أما بخصوص معنى الإخلال بالحياء والآداب العامة فهي مفردات عامة ويمكن أن يتغير مدلولها حسب الزمان والمكان، بل يمكن أن يتطور بتغير المجتمع".
وتابع أن "القاضي يستقي من منظومة القيم والتقاليد الاجتماعية والدينية والأخلاقية مدى وجود إخلال بالآداب العامة أو ما إذا كان وقع إخلال بالحياء فعلاً".
ودعا الخبير القانوني "الناشطين والمدوّنين إلى الضغط لإلغاء مواد قانونية مطاطية تهدد حرية الرأي والتعبير في البلاد".
"بلّغ" إلكترونياً
نشرت وزارة الداخلية، قبل أسبوع، خدمة "بلّغ" التي تتيح للمواطنين فرصة التبليغ عن المحتوى غير المناسب عبر رابط خاص في موقعها الإلكتروني.
وقال مدير قسم الاتصالات والمعلومات في وزارة الداخلية العراقية إياد كاظم إن المنصة أُنشئت بناءً على أمر قضائي لملاحقة "المحتوى الهابط"، وذلك برصد المخالفات بسبب حالات التجاوز في مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف أن الوزارة شكّلت لذلك لجنة برئاسة اللواء سعد معن، رئيس خلية الإعلام الأمني ومدير دائرة العلاقات والإعلام في الوزارة، وعضوية عدد من رجال الاستخبارات والمدعي العام للوزارة وأمن الأفراد.
تهديد لحريّة الرأي
وعبّر مدوّنون عراقيون عن مخاوفهم من تلك الأحكام، إذ قال المدون العراقي إيدو الأكادي لـ"النهار العربي" إن "السلطة أخذت تستخدم المواد القانونية وفق مزاجيات شخصية. هذه الحملة غير موفقة وقد يتم اعتقالنا لاحقاً إذا كتبنا في مواقع التواصل الاجتماعي مقالات ننتقد فيها النظام أو جهة حكومية أو مسؤولاً فاسداً".
ويضيف الأكادي أن "القضاء العراقي يلاحق المشاهير الذين ينشرون مواضيع عادية وتترك المدونين الذين ينشرون الطائفية والتحريض ضد العراقيين أنفسهم، كما تترك الأشخاص المتنفذين المتورطين بسرقة المال العام"، مؤكداً أن "هذه الخطوة تهدد حرية الرأي والتعبير في البلاد".

وفي منشور تعليقاً على الحملة، كتب الشاعر العراقي فراس حرام: "ما أدهشني في اعتقالات المحتوى الهابط هو دعم بعض الإعلاميين والمثقفين والناشطين، متحالفين مع السلطة في هذا الحفل الازدواجي الرهيب، من دون أن يسألوا أنفسهم كيف تقام العدالة بحق "الهابطين" وتُترك بحق السراق والقتلة ومحرّضي الفتن؟ في ظل مواد قانونية غامضة هناك وواضحة هنا؟ ناهيك عن أنّ أصل الاعتقال تعسفي ولا يستند إلى تحديد قانوني واضح لكلمة "هابط"! مدهش وعجيب!".
تدريب على المحتوى الهادف
وبدأت الحملة على "المحتوى الهابط" كما وصفته وزارة الداخلية العراقية بالتزامن مع حملة أطلقها ناشطون وصحافيون تهدف إلى الحد من المنشورات ذات المستوى "الهابط أخلاقياً"، وتلاقي الحملة تأييداً من العائلات كونها تسهم في حماية أبنائهم، وفق من تحدث إليهم "النهار العربي".
وكتب أحد مطلقي الحملة، وهو الصحافي محمد الفهد، أن الفكرة كانت "نقد المحتوى كمحتوى"، قائلاً "لن أقبل باستغلال هذه الحملة أو الإجراءات للتضييق على الحريات أو تكميم الأفواه".
وفي بيان توضيحي، قال الفهد إن "الحملة لم تستهدف شخصاً بعينه، وكانت تهدف إلى تصحيح المحتويات ومساعدة أصحابها، سواء بالتدريب أو تحسين المحتوى مجاناً، وأيضاً دعم المحتويات الإيجابية، والنقد البناء لخطورة المحتوى الهابط".
وأكد أن "الحملة هي لتنمية (قدرات) الشباب عبر دعم المحتوى الهادف وتدريب من يرغب بصناعة محتوى هادف كضد نوعي للمحتوى السلبي، وهذا ما بدأناه قبل أسبوع".
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
لبنان
10/16/2025 9:40:00 PM
أكثر من 13 غارة إسرائيلية استهدفت جنوبي لبنان مساء اليوم...
سياسة
10/15/2025 10:23:00 PM
طارق متري يستنكر تسريب جوازات السفر الخاصة بالوفد السوري الذي زار لبنان أخيراً، واصفاً هذا التصرف بأنه غير مقبول.
سياسة
10/16/2025 12:22:00 PM
وزير الداخلية من برجا: ملتزمون بسط سلطة الدولة وإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري
مجتمع
10/16/2025 7:58:00 AM
رُفعت هذه اليافطات على طريق المطار الشهر الماضي إثر قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيد الدولة