الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

حكاية يخت هتلر في لبنان!

المصدر: "النهار"
سليم نصار
Bookmark
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
يوم العاشر من شهر تموز (يوليو) سنة 1995، نشرت جريدة "الدايلي ميل" اللندنية سؤالاً لأحد قرائها، يستوضح فيه عن يخت هتلر "غريل". وأحالت إدارة الجريدة السؤال الى اللبناني ادوارد عريضة، ليكتب باختصار الجواب التالي: "إن والدي جورج عريضة كان قنصل بريطانيا في طرابلس - لبنان. وهو الذي اشترى يخت هتلر من الاميرالية البحرية في مزاد علني سنة 1946.وحقيقة الأمر أن أدولف هتلر لم يستعمل هذا اليخت سوى ثلاث مرات بسبب سرعة إصابته بدوار البحر والغثيان المتواصل. وقد استخدمه الاميرال "دونتز" في آخر أيام الحرب، أي قبل أن يشكل حكومة في "فليتزبرغ" على الحدود مع الدنمارك، في محاولة أخيرة لجذب اهتمام دول الحلفاء الى استعداده للتفاوض على شروط إنهاء الحرب. ان شقيقي، المدعو جورج جونيور، أبحر باليخت الى "جنوى" في ايطاليا بهدف تحويل "غريل" الى باخرة تجارية يمكن استثمارها لنقل السياح في البحر الأبيض المتوسط. وقبل أن تبدأ عملية التحول، أتصل الملك فاروق بوالدي، معرباً عن رغبته في شراء اليخت. ولما أبحرنا الى الاسكندرية كان العاهل المصري في مقصورة الاستقبال مع عدد من حاشيته. وبعد أن تجول على ظهر المركب وعاين المقصورات الفارهة، أبدى إعجابه الشديد بهذه العمارة البحرية المتقنة الصنع، ولكنه إقترح على أبي أن يمنحه لقب الباشوية مقابل التنازل عن ملكية اليخت. عندها أدرك والدي أن عرض الشراء لم يكن أكثر من خدعة لإستدراج أبي الى الفخ الذي نصبه له فاروق. بعد رجوعنا من مرفأ الاسكندرية، قرر والدي إركان اليخت في مرفأ بيروت. وعلى الرغم من الحراسة المشدَّدة، ومن وجود أكثر من مئة بحار وخادم ومهندس على متنه، فقد تعرض لعملية تفجير بواسطة "ضفدع" بشري، أرسلته الاستخبارات الاسرائيلية. ولكن والدي سارع الى إصلاح الفجوة التي أحدثتها القنبلة اللاصقة، وقرر نقله الى مرفأ نيويورك الآمن. ولكن وقوع الحرب الكورية اضطر البحرية الاميركية الى إخلاء كل الموانىء من السفن الغريبة. وبعد إنقضاء فترة طويلة، ومواصلة دفع تأمين الحماية والرسو والصيانة، قرر والدي التخلص من هذا العبء الثقيل، وتحويله الى "خردة" بحيث بيعت أجزاؤه قطعاً من الحديد المكسر. ولم تحتفظ عائلتنا من تذكارات تلك السفينة بأكثر من بقايا رمزية إقتصرت على الجرس وجهاز لقياس سرعة اليخت." ادوارد عريضة – لندن" و "غريل" بالألمانية معناه: الجندب... جراد صغير يُعرف بالقبّوط. ولكن حادثة تفجير قعر اليخت الراسي في مرفأ بيروت، أثارت في حينه تساؤلات مريبة حول الجهة الفاعلة، خصوصاً بعدما دسَّت "الوكالة اليهودية" في الصحف الاميركية خبراً مفاده أن إرهابيين من أعداء الملك فاروق هم الذين نفذوا العملية. كل هذا، لأن إسم يخت هتلر إرتبط بإسم الطامع في إمتلاكه الملك فاروق.وهكذا بقي إسم الفاعل الحقيقي مجهولاً الى حين أخرجت الاستخبارات الاسرائيلية، سنة 1973، تفاصيل العملية التي كُلـِّف بتنفيذها جاسوس اسرائيلي من أصل سوري يهودي عُرِف بإسم عبدالكريم محمد. وتحت عنوان "رجلنا في بيروت"، كشفت اسرائيل عن مهمة الجاسوس الذي أرسلته لنسف يخت هتلر الراسي في مرفأ العاصمة اللبنانية. والسبب أنها ترغب في محو كل أثر يدل على عظمة المانيا الصناعية في العهد النازي. ومن خلال حديث مسهب أجرته صحيفة "تايمز الاسرائيلية" - ربما إحتجبت - إستعرض إسحق سوشان (إسمه الحقيقي) ماضيه الغامض في حلب، والطرق الملتوية التي استخدمها لتحقيق الهدف المطلوب. قال إنه غادر حيفا بواسطة حافلة كانت مملوءة باللاجئين. وكان يحمل في جيبه كمية من الدولارات، وخريطة تبيّن له أسماء الشوارع في بيروت، وموقع الشقة التي إستأجرها له عميل آخر. ووجد داخل تلك الشقة راديو كبير الحجم، دُسَّ في داخله لاقط هوائي لاسلكي، بغرض تسهيل اتصاله بمركز الإرشاد والتوجيه داخل "تل أبيب". وفي الحديث، إعترف إسحق أنه إنتقل مع أهله الى اسرائيل بعد حرب 1948 حيث التحق بـ "كيبوتس" يضم عدداً كبيراً من يهود الدول العربية. وفي ذلك المكان تدرب على استخدام المتفجرات، واستعمال الشيفرة الخاصة بجهاز استخبارات عصابة "بالماخ". قبل تنفيذ العملية بشهر تقريباً، إنضم الى إسحق شاب آخر عاش في حلب من عائلة "هابقوق". وقد تسلم الإثنان برقية لاسلكية تطالبهما بالتوجه قبل منتصف الليل الى منطقة الشاليهات، جنوب العاصمة اللبنانية. وعند الموعد شاهدا زورقاً مطاطياً يقترب من الشاطىء، ثم ترجَّل منه شاب عرَّف عن نفسه بإسم "الياهو رقة". وقبل أن يجدِّف باتجاه الباخرة التي كانت تنتظره في عرض البحر، سلمهما صندوقاً خشبياً قال إنه يحتوي على المطلوب. ولم يكن المطلوب سوى متفجرتين ممغنطتين سريعتي الإلتصاق بأي جسم معدني. إضافة الى جهاز تنفس يستخدمه "الرجل الضفدع" أثناء تخفـّيه تحت سطح الماء. في الموعد المحدد، وعندما كان بحارة "غريل" يغطون في النوم، إستعان إسحق بجهاز التنفس ليسبح تحت سطح الماء، ويلصق المتفجرة الموقوتة في قعر اليخت. ولما اختفى في الظلمة، وراء الجانب الغربي من فندق "السان جورج"، سمع الانفجار الذي أوقظ البحارة ونزلاء أهم فندق في الشرق الأوسط. في ساعة متأخرة من الليل تبلَّغ جورج عريضة الخبر. وركب سيارته وتوجه نحو المرفأ ليجد المهندسين قد باشروا في عملية إصلاح الثغرة الصغيرة التي أحدثتها المتفجرة في قعر أصلب اليخوت وأكثرها مقاومة للألغام والمتفجرات. منافسة بين الأثرياء وقع ذلك الحادث المقلق في وقت كانت الحرب الاسرائيلية - العربية الأولى تلقي بتداعياتها السلبية الواسعة على لبنان وسوريا والأردن. وكانت حكومة رياض الصلح في حينه مشغولة بملء الفراغ الذي تركته إستقالة وزير الداخلية كميل شمعون. ولقد أحدثت تلك الإستقالة المفاجئة ضجة سياسية بسبب إعتراض "فتى العروبة الأغرّ" على تعديل الدستور بصورة تجيز للرئيس بشارة الخوري تجديد ولايته لمدة ست سنوات إضافية. وعلى الرغم من ضآلة حجم عناصر الأمن العام اللبناني، وضعف إمكاناتهم المهنية، فقد حاول مدير الأمن العام في حينه الأمير فريد شهاب إجراء تحقيق واسع لعله يطمئن الحكومة الى سلامة الوضع الداخلي. علماً أن أعداداً كبيرة من جرحى الفلسطينيين كانت تصل...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم