الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

في ذكرى ناديا تويني... الموت حياة تبعثها الكلمات

المصدر: "النهار"
ناديا تويني.
ناديا تويني.
A+ A-
ابتسام غنيمة 

من فواجع أيّام مؤلمة وسنوات ربيعيّة باكية، من عمرٍ عمره دموعها "كان عمري عمر دموعي" التي ذرفتها "على مهل" بصمت الكلمات وتردّدات صداها، متراميةً بين أيدي الحرب والأرض من جهة، والموت والدّاء من جهة أخرى، وُلدت أبيات، مضمّخة بعصير الوجدان، متحدّية الزّمان، مواكبة الأحداث، متمرّدة، ثائرة، تعكس نظام الوجود، لتحقّق الانتصار والسّلام.

لقد غلبت محبّةُ الوطن على مشاعر ناديا تويني، فحملتها أصيلة في أعماقها "لا مرور زمن على حقّ حبّ الأرض"، وغنّتها في شعرها أبياتًا تعكس الوضع القائم الذي تعيشه البلاد. فنراها مستاءة من الإنسان الذي يُعتبر مسؤولًا عن تدمير أرضه "يوم لم يكن شيء زهيدًا/ دمّرنا الأرض". حزينة على هذا "البلد العجوز"، ثائرة، تتنفّس غضبًا، في "مدينة منبوشة الشّعر"، لأنّه "لا جدوى لكلّ ما ليس هو الأرض". تصرخ متحدّية العالم: "لن تدفن اليوم أرضي!". تؤلمها صرخةُ وطنها "الزّلزال"؛ فنراها تائهة في خضمّ الأحداث، تبحث عن جذور اسمها أرض، موجودة وغائبة في آن، تنتمي إليها، توحّد بشخصها انتماءاتها المتعدّدة "أسمع تعدّد انتماءاتي [...] ثمّ أتعلّم، أنّ متعدّدًا يعني بلدًا"، خبّأتْه تحت لسانها "محفوظًا مثل قربان"، فإذا بالوطن يسمو إلى مراتب الألوهيّة، ضحيّة مقدّسة، تموت لتحيا. فكيف نظرت تويني إلى الموت؟

تكاد لا تنفصل صورة الموت عن صورة الوطن في أبيات متينة السّبك، غزيرة المعنى، وافرة الصّور. على سبيل المثال: "المدينة البيضاء قبر"، "في فم المدن الأسود،/ يقرع جرس الحزن إيذانًا بموت الأزهار./ البلد مات من جمال، قتلته قهقهة/ في الأرض قذيفة حفرت ابتسامة". وبالتّالي، فإنّ القذيفة التي تجلب الدّمار والموت، تخلّف في شعر تويني ابتسامة، دليل فرح وحياة. وهكذا تطالعنا صفحات الدّيوان بصورة مشرقة للموت، "فلا شيء حقًّا جميلًا إلّا لأنّ كلّ شيء سيموت بعد هنيهة"، وهو صنو الحرّيّة "أيا شمس اللّيل الحرّة كالموت". والشّاعرة تخطّ كلماتها زمن حرب يشعلها بغضٌ بين أبناء الأمّة "يخصب الأرض" بالدّماء. دماء الأبرياء، دماء المدافعين عن تراب الوطن، دماء الأبناء البررة يدفعون بضريبة الدّم ثمن الحياة، الدّم الذي يعيد ويحيي من جديد: "إنّي أنتمي إلى أرضي المجنونة، أخلقها بموتي"... فالموت لا يخيف ناديا لأنّه يولد مع الحياة ومع وعي الإنسان لوجوده، ويلازمه حتّى وفاته. لذلك يلفتنا في كتابها انعكاس الوقائع، إذ تطلب من المرء أن يعرف كيف لا يخيف الموت بدل أن يخافه، وأن يقدم عليه "بإلحاح" لأنّه السّبيل إلى الحياة والحرّيّة ووجه جديد للأرض... فإذا بنا نسمعها تقول: "أيّها البلد، أنا أهديك الموت".

نعم ناديا، لقد استشرفتِ الآتي وأهديتِ البلد هديّة باقية: صاحب المواقف الصّلبة التي تبني من الدّمار أوطانًا، شهيد الكلمة الجريئة والرّأي الحرّ. الكلمة التي قلتِ فيها: "تطلق النّار على فكرة فيقتل رجل". فقوّة الكلمات "قرمزيّة"، قانية، تعبق برائحتها الأجواء عطرًا وبخورًا، فإذا بهديّة البلد هذه تروي الأرض، تخصبها، لينبعث الوطن، ليقوم، ليزدهر، ليثور، ليصرخ أبناؤه مردّدين مع ثمرتك الرّاحلة الحيّة:

"نقسم بالله العظيم
مسيحيّين ومسلمين
أن نبقى موحّدين
إلى أبد الآبدين
دفاعًا عن لبناننا العظيم".

وبقيت الهديّة رغم أنف الموت شامخة لا تموت...

- يصادف العشرين من حزيران ذكرى وفاة الشاعرة ناديا تويني
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم