لماذا لم تطبق الدولة المصرية "الشريعة الإسلامية"؟
لماذا لم تعمل الدولة المصرية والقائمين عليها، على تطبيق الشريعة الإسلامية؟، ولماذا لم يتم تحويل قوانينها الدستورية إلى مواد متفقة شكلاً ومضموناً مع النصوص الشرعية؟ ولماذا لم تفعّل المادة الثانية من دستورها التي تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع؟
أسئلة لا يمل أتباع تيارات الإسلام السياسي والجماعات الأصولية من طرحها وتردادها ليل نهار، والتأثير بها على عقول العامة والبسطاء من الفئات والأطياف المختلفة فكرياً وثقافياً واجتماعياً.

لماذا لم تعمل الدولة المصرية والقائمون عليها، على تطبيق الشريعة الإسلامية؟ ولماذا لم يتم تحويل قوانينها الدستورية إلى مواد متفقة شكلاً ومضموناً مع النصوص الشرعية؟ ولماذا لم تفعّل المادة الثانية من دستورها التي تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع؟
أسئلة لا يمل أتباع تيارات الإسلام السياسي والجماعات الأصولية من طرحها وتردادها ليل نهار، والتأثير بها على عقول العامة والبسطاء من الفئات والأطياف المختلفة فكرياً وثقافياً واجتماعياً.
تُعد قضية تطبيق "الشريعة الإسلامية" في مصر، عمود الخيمة التي قامت عليه أجندة الجماعات الأصولية، وتظريات التكفير والحاكمية والجاهلية، وأبجديات عودة "دولة الخلافة" المزعومة، تمهيداً لتطبيق الشريعة.
سنوات طويلة أدارت فيها الحركات الأصولية معركتها مع الأنظمة السياسية الحاكمة، ونالت من سمعتها تحت غطاء التخلي عن "الشريعة الإسلامية"، ووصمتها بأحكام الردة و"الفئة الممتنعة" عن تطبيق الحدود والأحكام الإسلامية.
لكن حقاً ما هي الشريعة التي يقصدها أولئك المنادون بتطبيق "الشريعة الإسلامية"؟ هل هي شريعة ياسر برهامي ومحمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، وأبو أسحاق الحويني، ومحمد عبد المقصود؟ أم شريعة سيد قطب وحسن البنا وجماعة "الإخوان المسلمين"؟ أم شريعة تنظيم "القاعدة"، وتنظيم "داعش"، وتنظيم "أنصار الشريعة"، وتنظيم "جبهة النصرة"؟
يا سادة... مكمن الشريعة الإسلامية في تحقيق مقاصدها، من حفظ الدين، والنفس والعقل، والمال والعرض، وليس في تعليبها في قوانين ولوائح، أو حصرها في علانية التطبيق والتنفيذ العقابي من الجلد والرجم وقطع اليد.
الدولة التي تؤسس لبنك مركزي، ووزارة للمالية، تعمل على حفظ أموال المجتمع من الضياع، وتبني جيشاً قوياً يحمي أرضها وعرضها، ويدافع عن أبنائها ويحقق أمنها وسلامتها، وتبني كياناً أمنياً يحافظ على جبّتها ووحدتها الداخلية، وينظم شؤون رعاياها، وتؤسس كياناً يحمي مؤسساتها الإدارية، ويرصد الفاسدين والمخربين ويردعهم، تحقق في ذاتها الشريعة الإسلامية.
الدولة التي تنشئ مؤسسة دينية تنظم أمور الفتوى (دار الإفتاء المصرية)، وتوجه الناس بما يحفظ دينهم وشريعتهم، ويوجد فيها أكبر صرح ديني في العالم (الأزهر الشريف) وتعمل على تدريس العلوم الشرعية والفقهية والمذهبية، وتسهم في نشر القيم الإسلامية الوسطية المعتدلة (العقيدة الأشعرية)، وتضم كذلك أكثر من مئة ألف مئذنة، تصدح بالأذان، وتقام بها الصلوات الخمس على مدار اليوم، وتعظم الشعائر الإسلامية وطقوسها وهويتها، وتحترم شركاء المجتمع وشريعتهم من الطوائف الدينية الأخرى وتمنحهم حقوقهم كاملة، وتضع الجميع أمام عدالة وضوابط القانون، فهي دولة تقيم الشريعة ومقاصدها.
الدولة التي ترعى الفقراء وتحفظ كرامتهم وتعمل على تحسين أوضاعهم الاجتماعية والمادية، وتضع العشرات من المبادرات للقضاء على العشوائيات والمناطق الموبوءة، وتجتهد في توفير سبل الرعاية الصحية للمرضى، وتطلق عشرات المبادرات للقضاء على الأمراض المزمنة والمستعصية، وتعمل على تطوير المنظومة الطبية وطواقمها من الأطباء والمنشآت والمستشفيات العامة والخاصة، فهي دولة تقيم الشريعة الإسلامية بلا منازع.
الدولة التي تعمل على تربية وتعليم أبنائها في مختلف المجالات العلمية المتنوعة، وتجتهد في تطوير مستواهم الثقافي والفكري، وتبني المدارس والجامعات، وغيرها من أدوات العملية التعليمية الحديثة التي تمحو الجاهلية والأمية عن المجتمع، لا شك في أنها دولة تحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.
تهييج الشارع ضد مؤسسات الدولة المصرية والطعن بالقائمين عليها، تحت مزاعم "تطبيق الشريعة"، يمثل ذريعة يتكسب من ورائها أتباع الحركات الأصولية، ويعملون من خلالها على استقطاب الشارع تجاه مشاريع ومخططات تدمير الهوية الفكرية.
مصالح الناس لا تتوقف في إشكالياتها على القانون الإسلامي أو الاقتصاد الإسلامي أو الفن الإسلامي، أو التعليم الإسلامي، إنما على ما يضمن تحقيق هذه المصالح ويراعي ضوابط الشأن العام، فالمُشرّع المصري لم يصغ قوانين تتعارض في مقاصد الشريعة الإسلامية، مثلما يردد أتباع التيارات الأصولية المتشددة بين دوائرهم السلفية وغيرها.
تناسى هؤلاء أن القوانين المصرية لم تحد في مضمونها عن "الشريعة الإسلامية"، وإن لم تتفق نصاً، تتفق تأويلاً، فضلاً عن أن قانون الأحوال الشخصية، وقانون المواريث، مستمدان بشكل كامل من الشريعة الإسلامية.
في عام 1971، نصت المادة الثانية من الدستور على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، وفي عام 1980، قام الرئيس أنور السادات بتعديل بعض مواد دستور 1971 ومنها المادة الثانية، التي أصبح نصها: "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، انتهاء بدستور عام 2014، ونصت مادته الثانية، على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
رغم هجوم التيارات الأصولية على الدولة المصرية والقائمين عليها، واتهامهم بمخالفة تطبيق الشريعة الإسلامية، فإنه منذ عام 1996، تعرض "السلطة التشريعية" على مجمع البحوث الإسلامية، كل القوانين المزمع إصدارها لإبداء الرأي فيها، حتى لا يُطعن بعدم دستوريتها، فضلاً عن أن المحكمة الدستورية في حال الطعن بالقوانين بمخالفته للشريعة الإسلامية، تتم إعادة إرسالها إلى مجمع البحوث الإسلامية للبت في دلالتها الثبوتية لا الظنية.
وفي عام 2004، أوضحت المحكمة الدستورية العليا بالقاهرة، في القضية الرقم 119 لسنة 21 قضائية عام 2004، المتعلقة بالرد على التساؤلات والمخاوف المترتبة على صياغة نص المادة الثانية، من أنه "لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها"، وطبقاً للحكم فإن المادة الثانية من الدستور ينصرف نصها إلى أحكام الشريعة الإسلامية القطعية ثبوتاً ودلالة، وهي أحكام قليلة جداً مقارنة بتلك الأحكام الظنية الثبوت والدلالة، والتي تعتبر محل اختلاف بين فقهاء المسلمين عامة.
قوننة "الشريعة الإسلامية" في مضامين قانونية، معتمدة على التراث الفقهي الموروث، والاجتهادت الشرعية في الاستنباط، لا تصنع سلطة تشريعية عادلة في إدارة مؤسسات الدولة وكياناتها المتعددة، في ظل خضوعها لعدم مركزية التشريع، وللاجتهاد الشخصي في الكثير من القضايا المتعلقة بالسلوك العام، وضرورة مواكبتها للتطورات الزمنية والمكانية.
يختصر ممثلو تيارات الإسلام الحركي، مفهوم تطبيق الشريعة في "الحدود"، متغافلين قصداً أو جهلاً، عن أن إشكالية تنفيذ العقوبات الحدّية تكمن في صعوبة إثبات الجرائم المعاقب عليها الجاني، واستحالة تطبيقها في ظل الشروط الصارمة التي وضعها الفقه الإسلامي، وتعثر توافر الشهود العدول، وفقاً للكثير من الحوليات التاريخية والسجلات القضائية التي وردت في الحقب العثمانية والأموية والعباسية.
وضع الشرع شروطاً لتطبيق "العقوبات الحدية"، وحدد أوصافاً وأحوالاً لتعليقها أو إيقافها، وعند عدم توافر تلك الشروط أو هذه الأوصاف والأحوال، فإن تطبيق الحدود مع ذلك الفقد يُعد خروجاً عن الشريعة في ذاته، وفقاً لما ذكره الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للديار المصرية.
لم يكن قول النبي محمد (صلي الله عليه وسلم) "ادرأوا الحدود بالشبهات"، وقوله "لأن أخطئ في العفو خير من أن أخطئ في العقوبة"، إلا تخفيفاً عن أمته، وكذلك لم يكن ما صنعه عمر بن الخطاب في عام الرمادة من تعطيل العمل بالحدود، إلا تطبيقاً لمقاصد الشريعة، لا سيما في ظل تعذر تحقيق الشرط الشرعي لإقامة الحد.
الشروط الكافية التي نص عليها القرآن الكريم لا تتوفر في إثبات العديد من الجرائم، ولا يمكن أن يطمئن القاضي إلى وجود الشروط والأسباب التي تؤدي إلى تطبيق "العقوبات الحدية" خاصة في الزنا والسرقة، فضلاً عن أن الدستور لا يستبدل عقوبة مذكورة في القرآن بأخرى، لكن الشروط لم تتوافر لتطبيق العقوبة ولا يمكن أن تتوافر حتى في أثناء الاعتراف، استناداً لما ذكره الدكتور شوقي علام، المفتي الحالي للديار المصرية.
* كاتب مصري وباحث في شؤون الجماعات الأصولية
العلامات الدالة
الأكثر قراءة
لبنان
10/16/2025 9:40:00 PM
أكثر من 13 غارة إسرائيلية استهدفت جنوبي لبنان مساء اليوم...
سياسة
10/15/2025 10:23:00 PM
طارق متري يستنكر تسريب جوازات السفر الخاصة بالوفد السوري الذي زار لبنان أخيراً، واصفاً هذا التصرف بأنه غير مقبول.
سياسة
10/16/2025 12:22:00 PM
وزير الداخلية من برجا: ملتزمون بسط سلطة الدولة وإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري
مجتمع
10/16/2025 7:58:00 AM
رُفعت هذه اليافطات على طريق المطار الشهر الماضي إثر قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح بيد الدولة