السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

"مفروكة"... المطلّقة الثائرة تخوض صراعاً في قلب معركة حقوقها

المصدر: "النهار"
إسراء حسن
إسراء حسن
تصوير مارك فيّاض.
تصوير مارك فيّاض.
A+ A-
رغم الشلل الكلّي الذي شُخّص لجسد لبنان فجعله طريح الفراش ينتظر معجزة إلهية، لا يزال دماغه يعمل بفضل البعض من مواطنيه. هي إشارة بأنّ الأمل ليس معدوماً كي ينتفض العقل على الجسد وينهض مجدداً، فهل هناك أسمى من الانتفاضة الثقافية التي تقودها المرأة اللبنانية؟

انطلق، مساء الخميس الماضي عرض مسرحية "مفروكة" على خشبة مسرح مونو (الأشرفية) من كتابة مروى خليل ووفاء حلاوي وإخراج رياض شيرازي، أما بطلاتها فهنّ خليل وحلاوي وسيرينا الشامي.

حملت المسرحية انتفاضة واقعية من دون "بهار وملح" على قوانين الأحوال الشخصية في لبنان، التي لا تزال تجبر المرأة على الخنوع لسلطة الرجل وتحرمها من الحماية والمساواة في الحقوق والعدالة الاجتماعية.

بنفس الثائرة وليس الضحية أطلقت البطلات الثلاث، عبر مونولوغ لكل منهن، صرختهن ضد المجتمع الذكوري، لا سيّما النظرة المجتمعية السائدة المبنية على تقاليد مرّ الزمن عليها، وواجهن التحديات من دون أن يغفلن تعداد تفاصيل ما تمرّ به المرأة من مطبّات ونظرات مسبقة عندما تحاول إعادة بناء حياتها بعد تحررها من الرجل.
 
 
"فركتها" أمل وتطلّقت من زوجها فادي، لكنّها دفعت ثمن "فعلتها" بخسارة كل شيء لتبدأ رحلتها الرسمية حاملة معها لقب "مطلّقة"... لقب في نظر تقاليد مجتمعاتنا معيب لها وليس له، لماذا؟ لأن المجتمع الذكوري يحظى بدعم مشرّع من قوانين تنصفه ومرجعيات دينية تسنده. فمفهوم الزواج السائد، كي لا نعمّم، قائم على واجبات المرأة كي تنجح المؤسسة الزوجية، ومتى قررت المطالبة بأبسط حقوقها تصبح خارجة على طاعة زوجها، فكيف إذا تجرّأت ومضت بالقرار الأصعب وطلبت الطلاق؟

تشرّح المسرحية، في إطار الكوميديا السوداء، تداعيات هذا القرار ووقعه على المرأة حياتياً، نفسياً ومجتمعياً. واختار صنّاع هذا العمل الخروج من قالب "تعنيف المرأة" من دون الإغفال عنه، لذلك تم الابتعاد من صورة "السفّاح والضحية" وقدّموا أسباباً أخرى من شأنها أن تدفع المرأة إلى المطالبة بحرّيتها، منها الخيانة أو سلبها كيانها وأنوثتها. ولكي تصل المرأة إلى بوّابة الطلاق، هناك مطبّات كثيرة أمامها كي تعبرها بأقل خسائر، لأنّ الخسارة في هذه المعركة حتمية ولا مفرّ منها في ظلّ وجود النظرة التشريعية من جانب المرجعيات الدينية، التي تنادي المسرحية إلى ضرورة إصلاحها كي لا يستمر مسلسل حرمان الأمهات من حقوقهنّ في حضانة أطفالهن ولكي لا يحكى مع المرأة بوصفها العنصر الأضعف، فجلّ ما تطالب به المسرحية المساواة وتفعيل الشراكة بين شريكين شاء القدر أن يجمعهما لتحقيق مؤسسة ناجحة تنتج جيلاً ينعم بحياة عائلية وتربوية ونفسية صحية.
 
المسرحية جذّابة بمضمونها المحاكي للحياة الحالية التي يمرّ فيها المواطن اللبناني: وضع اقتصادي متردٍ، أزمة كهرباء وبنزين، وباء كورونا وتداعياته. هنا المرأة المطلّقة تخوض صراعاً في قلب المعركة، رافعة صوتها لتكون حاضرة في المجتمع الذي اعتاد أن يرى في المرأة المطلّقة وصمة عار، لأنّ الصورة الأصح هي أن تكون ربّة منزل وحسب، وأي خروج على هذا البروتوكول المجتمعي هو بمثابة الكفر.

تستعرض المسرحية ضمن المطبّات التي تسلكها المرأة للحصول على الطلاق آراء المرجعيات الدينية كافة في لبنان، من دون أن يسلم الزواج المدني من طرح العديد من التساؤلات عن مدى جدّية تطبيقه في لبنان في الإطار الصحيح، من دون الخضوع في نهاية المطاف إلى هذه المرجعيات وعودة المرأة في حال أقرّ طلاقها إلى نقطة الصفر لجهة الحضانة والنفقة وغيرها من الحقوق التي لن تعبر بسلاسة كما يتصوّر كل من يريد أن يقدم على الزواج المدني في لبنان الخاضع للسياسة والمرجعيات الدينية.
 


صرخات كثيرة تنادي بها المسرحية، منها إخفاء صوت المرأة بهدف تغييبها عن الحياة السياسية التي لا تنفصل، وبكل أسف، عن المجتمع الطائفي المتحكم بالبلاد والعباد. هي دعوات للكف عن إذلال المرأة المطلّقة وتمزيق صورتها من قبل المجتمع وعلى مرأى من أولادها وعائلتها كي لا تضطر قسراً إلى الخروج من كادر هذه الصورة.

رسالة المسرحية واضحة: تمكين المرأة لتصبح عنصراً فاعلاً في خدمة عائلتها وأولادها ومجتمعها، فلا تجعلوها "مفروكة" بقوانينكم الرجعية، بل أعيدوا لها حقوقها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، علّها تستعيد الطعم الحقيقي لهذه الحلوى اللبنانية اللذيذة.
 
الصور بعدسة مارك فياض.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم