الثلاثاء - 07 أيار 2024

إعلان

الثّنائي الملهم أمل فرح ومجدي الكفراوي: بين "ديزني" والأونيسكو وأسرار جذب القارئ الطفل

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
أمل فرح ومجدي الكفراوي. (النهار)
أمل فرح ومجدي الكفراوي. (النهار)
A+ A-

تجربتها ترقى لأكثر من 27 سنة وامتدادها غطّى مصر والعالم العربيّ ووصلت بارقتها للعالميّة مع جائزة الأونيسكو الدولية للتسامح في كتب الأطفال في عام 2002. ومع ذلك، لا تزال أمل فرح تجتهد وتجدّ بلهفة البواكير ومسؤولية من لا يعفي نفسه من "مساءلة النفس" حول ما يمكن أن تقدّم أفضل ما لديها للطفل في الكتابة والنشر والصحافة.

تقف في مهرجان الشارقة القرائي للطفل بداخل جناح "دار شجرة" الّذي أسسته في عام 2015 مع زوجها الفنان التشكيلي ومؤلف رسوم الأطفال مجدي الكفراوي. تتولّى نشر وتوزيع كتب الأطفال بالتوازي مع كتابة القصص منذ عام 1995 مع ولادة ابنتها نسمة، وعقود من الخبرة في إدارة تحرير مجلة "ميكي" في طبعتها المصرية، فهي أيضاً كبيرة محرري مجلات ديزني في مصر. من بعيد تلوّح بيدها، أشعّت ابتسامتها العريضة ما كنّيت به من "أمل"، و"فرح"... نخترق مجموعة زوار يتحلقون حولها، فتسأل "اؤمريني؟". سؤال غير متوقّع بالقدر الّذي يكشف عن تواضع من أنجز الكثير فاكتفى من كلّ شيء سوى العطاء.

بالقرب منها الزوج الشَّريك مجدي الكفراوي يتجاذب أطراف الحديث مع مهتمّين، نبادره بالسؤال "هل بدأ المشوار قبل أم بعد الزواج؟"، يضحك "الرسم من النظرة الأولى مثل الحب من النظرة الأولى".

تحديات القراءة

تصدّرت مهرجان "الشارقة القرائي" للطفل الإشكالية العالميّة التي تنقل همّ القراءة، وعلاقة الطفل بالكتاب، وحتى إمكانيّة اقتنائه في ظلّ الغلاء العام، ولكنّها بالنسبة لأمل فرح ذرائع راشدين لتغطية تقصيرهم في حق الطفل بالقراءة، فـ"ثمن الكتاب قد يساوي ثمن وجبة جاهزة من مطاعم الوجبات السريعة غير الصحية ومع ذلك نعتبر نقف أمام الكتاب ونعتبر سعره غالياً. لقد ارتفعت أسعار المطبوعات وكلّ شيء سعره يرتفع مع الوقت لكن عندما نقدّم المال للطفل لشراء كتاب، فالأمر ليس ترفاً".

وتقترح على الأهالي الّذين يشكون انصراف الأولاد للألعاب الالكترونيّة، واحتكارها اهتمام الطفل على حساب القراءة، أن يراعوا "الجودة في اختيار الكتاب، فهي المقياس الحقيقيّ لاندفاع الطفل نحو الكتاب. وأي نجاح مرهون بجودة المحتوى"، وتدعوهم لاختبار بسيط: "فيما الأطفال يشاهدون أفلام كرتون، أو ينشغلون بلعبة إلكترونيّة، ارموا بقربهم على الطاولة كتباً أغلفتها مبهجة وجميلة، إن لم يلتفت الطفل للكتاب، سأقول أنكّم على حق. ولكن، حين ينجذب الأطفال لأول كتاب، سيترك الجهاز الالكتروني جنباً وينصرف إلى قراءة الكتاب. تترتب مسؤوليتنا أولاً وأساساً في حسن اختيار الكتاب للطفل".

تشاركيّة الصورة والنص

إشكاليّة أخرى تحضر: ما الأهم في قصة الطفل، الصورة أم النص؟

يرى مجدي الكفراوي دائماً أن "الرسم هو نصّ موازٍ بشكل أنهما يتكاملان. والحنكة الحقيقيّة تكمن في اختيار الرسم المناسب للنص. والأمر يعتمد في حساسية الرسام في تصوير الكلمة ثم المعنى"، في مقاربة سيميائيّة للنص.

من ناحيتها، لا تجد فرح أي مشكلة في تناول أي موضوع في أدب الطفل، شرط اعتماد اللغة السليمة والمفاهيم البسيطة والتزام الصدق مؤكدة أن الأطفال يتمتعون بذكاء قادر على التمييز بين النص الصادق والكاذب.

يشاطرها مجدي الكفراوي الرأي، في ضوء تجربتهما المشتركة التي "تعيد صياغة موضوعات "ثقيلة" لكنها تتوسّل الرفق بدون كذب في فهم موضوعات قاسية مثل الموت في كتاب "الخفي"، والفقر في قصّة "أريد أن أبكي"، وغيرها الكثير"، فـ"عادة ما يحاول الراشدون حجب إشكاليات عن الصغار أمام عجزهم عن إيصالها، معتقدين أننا نجنبه الصدمة. لكنه معتقد خاطىء، فالطفل يستشعر ويفهم لأنّ ثقافة الصغار الحقيقية مرتبطة بالفطرة، ونحن الكبار ثقافتنا مركبة، وتفترض أننا نعرف الأحسن له فنحاول تلقينه معلوماتنا سواء على المستوى البصري أو الكلمة".

أولويات البيئة في "واو" و"شجرة"

استشرفت أمل فرح منذ تأسيسها دار "شجرة للنشر" في الإمارات، إلحاقاً بدار "واو" في مصر، أولويات مناخية وبيئية تصبّ في صلب هواجس المنظومة العالمية ولكن بدافع فرديّ لا يحابي أو يسترضي.

وهي إذ أطلقت اسم "شجرة" على الدار، فلإيمانها بـ"أن الكتاب الورقي ابن الطبيعة وأن الورقة بنت الشجرة التي لن تنتهي أو تفنى. سيظل الكتاب الورقي هو لب المعرفة مهما تغيرت الأمزجة وتطورت التكنولوجيا".

ويورد مجدي الكفراوي في هذا الصدد "فوز كتاب "الحديقة" الأسبوع الماضي عن فئة اليافعين في جائزة ملتقى ناشري كتب الأطفال. وهو كتاب قطع متوسط من 110 صفحة، من تأليف رضا سلام ورسوم ياسر جعيصة، وهو كتاب مختلف لأن  الطفل هو من يأخذ القارىء في رحلة ليعرفه خلالها المحميات الطبيعية وتنوعها البيولوجيّ".

المناخ الإماراتي وتحديات "ميكي"

انتقل الثنائيّ إلى الشارقة مع الأطفال منذ العام 2018، وهما يديران من الإمارات دار "واو" في مصر، وكذلك الأمر بالنسبة لأمل في إدارة مجلة "ميكي".

خطوة الانتقال كانت داعمة لمسار أمل فرح، على اعتبارها أنّ "المناخ الصديق للقراءة يخدم ثقافة الطفل، والمناخ العام في الإمارات مشجّع جدّاً على عقد علاقة رائعة مع الكتاب. لدينا أوّلا مكتبات تفتح الشهية لاكتشاف الكتاب والقراءة، ثانياً متاح للطفل الوصول لكتب متوفّرة من كافة أنحاء العالم بما تحمل من أنماط وموضوعات، ثالثاً كثافة المهرجانات والمعارض والمسابقات حول اللغة العربية وتحديات القراءة ووجود مؤسسات تنشّط القراءة مجاناً مثل مؤسسة "ثقافة بلا حدود" التي توزّع الكتب مجاناً على المنازل، على سبيل الحركة المجتمعيّة التي تستجيب لإدارة الدولة في تنمية ثقافة المطالعة".

من جانب آخر، تخوض أمل اليوم  في "ميكي" مسألة إدارة المحتوى، وخصوصاً مع تراجع "ديزني" عن التوسع وتقليص مساهمات لاعتبارات سياسيّة وأخرى قيميّة لا يتقبّلها المجتمع العربي المحافظ.

وإذ تعترف أمل فرح بصعوبة اختراق "ديزني" المجتمع العربيّ حالياً، فهي تُكذّب أي مقولة تنفي محاولة أي إصدار أجنبيّ الترويج لأفكار مجتمع الأصل. ولكن الفصل في هذه المسألة يكمن في سؤال "من يصنع ماذا"، فـ"هل أنا سأختار "ترجمة" ديزني، أم "تمصير" ديزني؟ أنا أعمل على تمصير المحتوى لصالح بنية أطفالنا، فأختار النصوص التي تتلاءم مع واقعنا ومجتمعنا، بلغة المحفّزة للسان الحال المصريّ. وبالتالي، ليس الإصدار الذي يحرّك "ميكي"، بل "الدماغ" التي تحرّر الإصدار". 

التنمية البشرية والطفل

تعتبر أمل فرح أنّ جائزتها عن التسامح في أدب الطفل نابعة من رؤيتها لـ"الطفولة في كونها المرحلة الأكثر استعداداً لزراعة القيم الإيجابية، والتسامح كما أراه هو أهمّ عناصر التنمية البشرية لدى الإنسان. لأنّ التسامح هو ما يساعدنا على التجاوز والتقدّم، ويبدأ بتسامح الطفل مع نفسه، لغاية التسامح  مع الآخر"، وتوضح أنّ "التسامح لا يعني إطلاقاً الاستغناء أو تقليل الحق أو التنازل عنه، التسامح هو أخذ الحقّ مع التعامل برفق"، كاشفة أنّها تنشغل حاليّاً في معالجة البعد الفلسفيّ لموضوعات الطفل.

في نهاية اللقاء، نسأل أمل فرح عن كتاب مناسب لطفلة سريعة الغضب، فتتّجه مثل عطّار حكيم إلى رفوف الجناح، تتحدّث بحماس عن مفاعيل "سارة البيبروميا" في جعلها طفلة أكثر هدوءاً، تكتب في الإهداء "سيما، هذا الكتاب عن الأخوّة، عن الهدوء والحب، عن كلّ شيء جميل للأسرة. أتمنّى أن يعجبك"... تغادر سريعاً للتحدث في لقاء يجمعها بأطفال وأهاليهم بعد دعوات متواصلة كرّرتها لحضور فعاليات المهرجان التي تزداد غنى وتحفيزاً لنشاط وفكر الطفل.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم