الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"أدونيادا" لأدونيس: ملحمة شعرية ورحلة كشف في الأزمنة والثقافات والأماكن

المصدر: "النهار"
Bookmark
أدونيس خلال معرض لأعماله.
أدونيس خلال معرض لأعماله.
A+ A-
زهيدة درويش جبور لا بدّ للقارئ/الناقد حين يغامر بالدخول الى أي من أعمال أدونيس الشعرية من أن يبحث عن مفاتيح يفكّ بها ألغاز لغته الغامضة/المضيئة، التي ليست عتمتها إلا إيذاناً بكشف عن معنى بكر وواقع مغاير. في رائعته الشعرية الأخيرة "أدونيادا" (دار الساقي، 2022) لا يطول الانتظار كي نعثر في الفصل السادس من الديوان/الملحمة على أحد هذه المفاتيح، وكي نتأكد من صحة الحدس الذي يحدثه العنوان بعلاقة تماهٍ ينسجها الشاعر بينه وبين يوليس بطل الأوديسة: "كثيراً قرأت الدروب المرصوفة ببلاط الأيام/ كثيراً سلكت منعطفات الماضي وشقوقه وأسراره/ أصغيت/ إلى الحنجرة الهوميرية تواصل نشيجها: يوليس! يوليس!/ لمست ما يشحن الواقع بالذاكرة والحضور بالغياب" (ص 88).  يعلن الشاعر استلهامه للأسطورة في بعدها الإنساني، يمدّ جسوراً بين الواقع والخرافة، يتآخى مع يوليس المرتحل في سفر دائم تتعدد طرقاته وتتنوع متاهاته بحثاً عن معنى الكائن وتوسيعاً لحدود الإنساني. في رحلته يذوق بطل هوميروس معنى الخسارة، يفقد رفقاءه واحداً واحداً، يضيّع هويته، يصير "لا أحد"، ولا يستعيد هويته إلا مصغياً الى قصة تشرّده الطويل تُروى على لسان شخص آخر، ديمودوكس، في إشارة إلى أن الذاكرة تكمن كلياً في اللغة. رحلة يوليس بمعنى ما، هي، إذاً، استكشاف للهوية وللجوهر الإنساني القائم في الذات.  كذلك يريد أدونيس أن يوحي للقارئ بأن ديوانه هو سفر في أعماق الذات يحرّكه سؤال الهوية، وغوص في التاريخ الإنساني والثقافي للبشرية، وتشرّد في الأماكن بين شرق وغرب وشمال وجنوب وصولاً إلى تأكيد جدلية الواحد-المتعدد كحجر زاوية في بناء الهوية الفردية والهوية الإنسانية عموماً: "رأيت كيف يرحل الورق ويبقى الشجر كيف يرحل الثمر/ ويبقى الجذر وكيف يتعدد الجذر في حقول الواحد الوحيد الأوحد" (ص 88). هي جدلية الثابت والمتحول، التي بنى عليها أدونيس مشروعه الثقافي والشعري منذ البدايات، جدلية الجوهر والعرض، النسبيّ والمطلق، التي تحكم حركة الحضارة، تراكمَ إنجازات تصنعها الشعوب، روافد متعددة تصبّ في بحر واحد هو المصير الإنساني وأسئلته الكبرى. أيكون هذا الذي سمّاه "الواحد الوحيد الأوحد"، "الكتاب" الذي يضمّ بين دفتيه المعرفة الشاملة حصيلة ما أنجزه المبدعون وسارقو النار خلال المسيرة البشرية الطويلة على دروب المجهول والذي حلم به يوماً الشاعر الفرنسي مالارميه؟ هذا ما يوحي به الديوان حيث تطالعنا وجوه الشعراء والفلاسفة...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم