الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

2020- عشر روايات لبنانية تختزل الهلاك الإنساني: حروب واعتراض وصراع البقاء

المصدر: "النهار"
سلمان زين الدين
الرواية اللبنانية 2020.
الرواية اللبنانية 2020.
A+ A-
لا تزال الرواية أكثر الأنواع الأدبية إثارةً لاهتمام الناشر والقارئ، على حدٍّ سواء، لا سيّما بالمقارنة مع الشِّعر. ففي الوقت الذي تُعرِض فيه دور النشر، واستطرادًا القرّاء، عن الشِّعر الذي كان، ذات عصر، ديوان العرب، نراها تُقبِل على الرواية، وتُوليها ما تستحقّه من اهتمام. ونرى من تبقّى من عشّاق القراءة يُقبِلون عليها بشغف، ويقدّمونها على ما سواها من أنواع، إلى حدِّ أنّ بعض الدارسين اعتبر أنّنا نعيش في زمن الرواية.
 
غير أنّ جائحة كورونا التي اجتاحت العالم في العام 2020، والضائقة الاقتصادية الناجمة عن تدهور سعر الليرة اللبنانية، كانت لهما مضاعفاتهما الخطيرة على حياة اللبنانيين، من مختلف الجوانب، ومنها الجانب الثقافي، بزوايا مثلّثه الثلاث: الكاتب والناشر والقارئ.
 
وتتمظهر هذه المضاعفات في: انشغال الكاتب بنفسه عن قلمه، توقّف حركة النشر قسريًّا، وانهمام القارئ بقوت عياله ومستقبلهم. الأمر الذي انعكس سلبًا على النتاج الروائي. ومع هذا، لم يكن العام 2020 عاقرًا، على المستوى الروائي، وتمخّضت دور النشر المختلفة عن عددٍ لا بأس به من الروايات.
 
لا نطمح، في هذا السياق، إلى الإحاطة بجميع الروايات اللبنانية الصادرة في العام 2020 والأسئلة التي تطرحها. فهذا الطموح أكبر ممّا تحتمله هذه العجالة. وحسبنا أن نضيء هذه الزاوية من خلال الروايات التي تسنّت لنا قراءتها، وهي جزءٌ من كل، على قاعدة أنّ الجزء يشير إلى الكل لكنه لا يغني عنه، والوردة تومئ إلى الباقة لكنها لا تختصرها. لذلك، ستقتصر هذه القراءة على عشر روايات لبنانية كانت لي فرصة قراءتها. على أنّ الأسئلة المطروحة فيها هي جزءٌ من الأسئلة التي تطرحها الرواية اللبنانية والعربية، وليست كلّ الأسئلة. 
 
الأسئلة التي تطرحها الروايات العشر هي: الحرب الأهلية اللبنانية وتداعياتها المستمرّة، الحرب الأهلية السورية ومضاعفاتها الخطيرة، الحراك الاجتماعي / السياسي الجنوبي، الحراك الاجتماعي / السياسي الشمالي، الحراك المديني البيروتي الممهّد للحرب الأهلية، السؤال الطبقي، المسألة النسوية، صراع البقاء، على المستويَيْن الجسدي والمديني، وغيرها. على أنّ الرواية الواحدة قد تطرح سؤالاً واحدًا من هذه الأسئلة أو أكثر، ممّا يلي بيانه. 
 
الحرب اللبنانية وتداعياتها، المباشرة وغير المباشرة، على ضحاياها، على المستويين الجسدي والنفسي، هو ما يطرحه سليم بطي في روايته "ثوب حداد ملوّن" الصادرة عن دار نوفل. وفيها يرصد هذه التداعيات المستمرّة حتى بعد أن تلقي الحرب أوزارها بعشرات السنين. وهي الثالثة بعد روايتيه "لن أغادر منزلي" و"فونوغراف". وهو في الروايات الثلاث ما يزال يدور في فلك هذه الحرب. بينما تشكّل الحرب السورية المندلعة منذ العام 2011 وانعكاساتها الخطيرة على البشر والحجر المادة الأوّلية التي تشكّل منها زهراء عبدالله روايتها "من التراب إلى الماء" الصادرة عن دار الآداب. وفيها ترصد ظاهرة النزوح السوري بمحطّاته الثلاث: التهجير من الوطن، التخييم خارج الوطن، والعبور إلى الضفّة الأخرى، وما يتمخّض عن هذه الظاهرة من مسارات وعرة ومصائر فاجعة. يسلكها النازحون، ويؤولون إليها. 
 
رواية "ثوب حداد ملون" لسليم بطّي. 
 
في السياق نفسه، يتناول سليم اللوزي في روايته "زبد أحمر" الصادرة عن دار نوفل ظاهرة العبور إلى الضفّة الأخرى التي استشرت بعد اندلاع الحرب السورية. فيرصد محاولة عدد من اللبنانيين الفقراء من الشمال اللبناني السفر إلى إيطاليا بحرًا، هربًا من فقرهم، وسعيًا إلى تغيير واقعهم، فإذا بهم يقعون فريسة عصابة متعدّدة الجنسيات، تتعاطى تهريب البشر بطرق غير مشروعة، وتتخلّى عنهم في عُرض البحر، ما يؤدي إلى غرقهم جميعًا.
 
رواية "زبد أحمر" لسليم اللوزي.
 
وغير بعيدٍ عن هذه الأجواء المتعلّقة بالحرب أو الناجمة عنها ما يقوم به أحمد محسن في روايته "السماء ليست معنا" التي يُفكّك فيها القتال في سوريا، ويتناول مشاركة حزب الله فيه، أسبابًا ومجريات ونتائج، نازعًا عنها المشروعية الدينية.
 
رواية "السماء ليست معنا" لأحمد محسن.
 
من جهة ثانية، ترصد ثلاث روايات الحراك الاجتماعي / السياسي، في ثلاث مناطق لبنانية، في مراحل تاريخية مختلفة؛ الأولى هي رواية "طاحونة الذئاب" لعبد المجيد زراقط، الصادرة عن ليفانت للدراسات الثقافية والنشر، ويتناول فيها الحراك في الجنوب اللبناني، في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي. وهو يفعل ذلك من خلال رصد الصراع، في قرية جنوبية، بين مجموعة من مراكز القوى، تراوح ما بين التقليدي الرافع راية "البيك"، والمستجد الدائر في فلك "السيّد"، والجديد المتمثّل في الشباب الناهض إلى التغيير، في لحظة اشتباك إقليمي عربي – اسرائيلي، تزيد الأمور تعقيدًا. 
 
رواية "طاحونة الذئاب" لعبد المجيد زراقط.
 
الثانية هي رواية "الواعظ" لضحى عبد الرؤوف المل، الصادرة عن دار الفارابي. وتتناول فيها التحوّلات الاجتماعية البطيئة، في الشمال اللبناني، العكّار- طرابلسي، خلال العقود الستة الأخيرة من القرن العشرين، والعقدين الأوّلين من القرن الحادي والعشرين. وهي تفعل ذلك من خلال رصدها حياة عبدو الواعظ، الممتدّة على ثمانية عقود، بمراحلها العكارية والطرابلسية والألمانية.
 
رواية "الواعظ" لضحى عبد الرؤوف المل.
 
والرواية الثالثة هي "نساء وفواكه وآراء" الصادرة عن دار نوفل لحسن داوود الذي يتناول فيها الحراك الطالبي في كلية التربية، في ستينيات القرن الماضي. ويستعيد زمنًا جميلاً تصرّم وانقضى. غير أنّه، على جماله، يُرهص بالحرب الأهلية اللبنانية التي تندلع في سبعينيات القرن نفسه. فالأفكار والأحلام والآراء التي تغلي في مرجل كلية التربية وأخواتها تجد ترجمتها على أرض الواقع، بعد عقد من الزمن.
 
رواية "نساء وفواكه وآراء" لحسن داوود.
 
وغير بعيدٍ عن الحراك الاجتماعي، ما تطرحه رواية "عطر الشوك"، الصادرة عن دار نوفل، لرنا الصيفي التي تتناول فيها موقع المرأة في العالم المرجعي للرواية، وترصد تَمَوْضُعَها بين مطرقة العقل الذكوري، وسندان المجتمع البطريركي. وتعبّر عن منظور روائي منحاز للمرأة على حساب الرجل.
 
رواية "عطر الشوك" لرنا الصيفي.
 
في الرواية التاسعة "ازدهار السحايا" الصادرة عن دار نلسن، يرصد جهاد الزين الدّرْك الذي انزلقت إليه البشرية، في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، بابتعادها عن الينبوع الأوّل، وانحدارها إلى ما دون قِرْدية القرود، وتَرَدّيها في العبث واللامعنى، ليخلص إلى نظرية جديدة في أصل الأنواع، تزعم أن الإنسان أصل القرد وليس العكس. وهو، في رصده، يمزج بين الغرائبية والخيال العلمي، ويأتي بالغريب من الوقائع والأفكار.
 
رواية "ازدهار السحايا" لجهاد الزين.
 
مسك الختام في هذه العجالة، رواية "أن تعشق الحياة" الصادرة عن دار الآداب لعلوية صبح. وهي رواية جميلة تضارع في روائيّتها روايتها الأولى "مريم الحكايا". وفيها تتناول الأعطاب التي تصيب الجسد البشري والجسد المديني، بفعل الأمراض، والحروب، والديكتاتوريات، والأصوليات، والطوائف، والهزائم، والانكسارات. وتقول انتصار الجسد الأوّل على أعطابه بفعل الإرادة البشرية، وترهص بإمكانية انتصار الجسد الثاني على أعطابه بالإرادة المدنية.
 
رواية "أن تعشق الحياة" لعلوية صبح.
 
وعودٌ على بدء، هذه العجالة تضيء جزءًا من المشهد الروائي اللبناني في العام 2020 وليس المشهد كلّه، والجزء لا يغني عن الكل، لكنّه بالتأكيد يشير إليه، وكفى بالإشارة دليلاً على العبارة.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم