الإثنين - 17 حزيران 2024

إعلان

ثلاثة أفلام تخضّ المشاهدين في كانّ: عبور جنسي انتقام امرأة وتبديل أقنعة

المصدر: "النهار"
هوفيك حبشيان
"إميليو بيريز" لجاك أوديار.
"إميليو بيريز" لجاك أوديار.
A+ A-
كانّ - هوفيك حبشيان

في مهرجان كانّ (14 - 25 أيار) اذا استمعنا جيداً إلى ما يُحكى في الأماكن العامة، نجد ان ثمة فيلما يُتوَّج بالـ"سعفة" كلّ بضع خطوات، ينالها بالأمنيات والتذكية في طبيعة الحال، من دون عودة إلى لجنة التحكيم. وكلّما تقدّمت الأيام نحو الخاتمة وعُرض المزيد، تغيّرت تفضيلات الناس، في حين بعضها يبقى صامداً على طول الخط، ينتقل من الأيام الأولى إلى الأخيرة. هذه ظاهرة كانيّة، وأحد الأشياء التي تجعل تجربة كانّ فريدة في مجملها.

يبدو ان "إميليو بيريز" من هذه الأفلام القادرة على اقتناص "السعفة" (تُوزَّع الجوائز مساء اليوم)، فكرة تلوكها الألسنة منذ عرضه قبل أيام. الفيلم خطف قلوب العديد من النقّاد، وعلى الأغلب انه سيسجّل حضوراً ما في لائحة الجوائز. الخلطة التي يقوم عليها مثيرة: مروّج للمخدرات في المكسيك يجري عملية عبور جنسي ليتحوّل من رجل إلى امرأة… أمّهات مفجوعات وسط جحيم تصفيات الحسابات في الكارتيلات، ومحامية تحل هذا كله بالموسيقى والرقص. فهذه تركيبة غير اعتيادية يمكن ان تغوي أصحاب القلوب الضعيفة تجاه القضايا القوية.
 
في دورة تحتفي بجاك دومي من خلال عرض أحد أفلامه الأيقونية ("مظلات شربور")، يقدّم المخرج الفرنسي جاك أوديار ميوزيكالياً يجمع بين النمر الغنائية ومأساة المخدرات والبحث عن الهوية الجنسية، وذلك كله في عمل يعالج مسائل التوبة والتسامح بالكثير من اللجوء إلى الميلودراما التي عادةً ما يمتنع عنها مخرج "نبي". اللافت في الفيلم أيضاً ان الممثّلة كارلا صوفيا غاسكون التي تضطلع بدور البطلة هي في الحقيقة عابرة جنسياً، وهذا عامل اضافي في تقريب الفيلم من احدى الجوائز، على أمل ألا تكون "أفضل تمثيل".
 
جاك أوديار "المُسعَّف" عن "ديبان" (2014)، يعود إلى الكروازيت بعاشر أفلامه، وقد فاز بتصفيق حار خلال العرضين الرسمي والصحافي، على غير عادة النقّاد الذين يكبتون "مشاعرهم". صحف عدة وصفت الفيلم بـ"صفعة" تلقّتها المسابقة، بعد بداية رتيبة بعض الشيء. مهما يكن رأينا في فيلم أوديار، فإنه واحد من أكثر الأعمال المبتكرة. المشكلة ان الابتكار ليس كافياً، خصوصاً اذا جاء من مخرج أعطانا أفلاماً بديعة في الماضي. مع ذلك، يمكن ان نحيي جرأته في المخاطرة داخل حقل ألغام، حيث انه صوَّر في المكسيك وبلغة ليست لغته (الإسبانية)، وبنمط هجين يتعذّر تأطيره. لا الامكانات المادية الكبيرة التي حظي بها، ولا النجوم الذين استعان بهم من مثل زويه سالدانا وسيلينا غوميز، قادرون على مواجهة الملل الشديد الذي يتسرب الينا جراء ساعتين ونصف الساعة من معايشة شخصيات لا نكترث كثيراً لما يحدث لها، من شدّة ما يقتل الفيلم الرغبة، لقطة بعد لقطة، في ان نتماهى معها ونهتم لمصيرها، هذا بالرغم من صوابية خيار المخرج في عدم ادانة أفعالها، ورسم مسارها إلى شراء نفسها.
 
ديمي مور ومارغريت كويلي في مهرجان كانّ.
 
***
هذا الفيلم ليس الوحيد الذي خض المهرجان. "المادة" للمخرجة الفرنسية كورالي فارجا، خنق المشاهدين بلقطات مقززة دموية صادمة وأثار قرفهم رغم ان كثرا لم يمتنعوا عن الضحك داخل الصالة لشدّة ما يتحوّل الرعب أمام كاميرا مخرجة "انتقام" إلى ملهاة لا مأساة. الفيلم قصّة نجمة تلفزيوينة تلعب دورها ديمي مور، وهي خمسينية لا يزال جسدها مثيراً يبعث على الرغبة، لكن ليس هذا رأي مديرها الذي يصرفها من العمل لاستبدالها بواحدة تصغرها سنّاً. ثمة مادة ستتجرعها صديقتنا ووداعاً لـ"يا ليت الشباب يعود يوماً"، لأنه سيعود بقوة ولكن بنتائج كارثية، اذ ستخرج من جسدها شابة (مارغريت كويلي)، وهذه الشابة ستُعيَّن مكانها، لتبدأ معركة وجود بين السيدتين.
 
نحن أمام فيلم "جانر"، نوع فيلم الثأر، وقد شاهده الكثيرون في كانّ وأياديهم على أعينهم، من كثرة الدماء والأمعاء والسوائل اللزجة التي سيفرزها جسد النجمة أثناء تحوّلها إلى مسخ، بعدما خالفت الفتاة التي "أنجبتها" أحد شروط الحفاظ على الشباب.
 
قورن الفيلم بأعمال جوليا دوكورنو، لكن هذه المقارنة تصرف النظر عن جدية أفلامها، في حين الأمر يتعلّق هنا بشيء أقرب إلى الدعابة، يعيد الاعتبار الى المرأة بعيداً من سنّها. لكن نسوية المخرجة الفاقعة، المعحبة بـ"ذبابة" كروننبرغ، لم تمنعها من ان تستعير الكثير من أفلام لسينمائيين كبار، واللائحة طويلة: هيتشكوك، كوبريك، كاربنتر وخصوصاً براين دي بالما. فخاتمة الفيلم تحاكي نوعاً ما خاتمة "كاري" لدي بالما. تحية أم سرقة موصوفة؟ هذا سجال كبير. الأكيد انها لا تزعج نفسها في وضع يدها على الريبيرتوار السينمائي من أجل فيلم ينظر إلى التجاوزات في معايير الجمال وعمليات التجميل بشيء من الضحك والشفقة والعنف، ولا يتوانى عن ادانة التمييز بناءً على العمر، تمييز تتعرض له النساء قبل الرجال، وفي مجالات عدة.
 
رغم ان البعض رأى ان الفيلم غير جدير بالمسابقة، فثمة متعة في احتكاكنا بهذا الجسد الغريب داخل الصالة، مع تنويه خاص لديمي مور في دور النجمة/ المسخ وهي تعود إلى الصدارة بعد اطلالات متواضعة لتلعب دور سيدة في الخمسين وهي تبلغ اليوم الحادية والستين، وقد صرّحت في كانّ ان التجربة جعلتها تتقبّل نفسها أكثر.

***

ستكتمل حلقة الغرابة الكانيّة اذا اضفنا إلى الفيلمين المذكورين ثالثاً صنع حيرة بعض المشاهدين. واذا عُرف اسم صاحبه بطل العحب. انه فيلم المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس الذي يعود بـ"أنواع اللطف" (مسابقة) في جولة استفزاز جديدة بعد أفلام عدة عرضها هنا في كانّ تقع في النسق نفسه. مجدداً، المواقف العبثية تتجاور مع المزيد من العبث والغرابة من جهة أخرى. الفيلم موزَّع على ثلاثة فصول، في مجموع تبلغ مدّته ثلاث ساعات الا ربع ساعة، وهذا زمن طويل ليتحمّل المُشاهد تأملات لانثيموس في خصوص الطبيعة البشرية وفي مسائل تتعلّق بالسلطة والسيطرة والإرادة الحرة وديناميكيات العلاقات الإنسانية وتقلّبات الارادة الحرة. لا داعي لقول أي شيء عن الحكبة، فهي لا تعني شيئاً اذا نُقِلت إلى كلمات.
 
هذا كله سيتجسّد من خلال ثلاث قصص منفصلة بعضها عن بعض، لكن الممثّلين أنفسهم يلعبون فيها أدواراً مختلفة، في لعبة تبديل أقنعة تحلو للمخرج بلورتها من فيلم إلى فيلم. وقد جاء بكل من إيما ستون وويلَم دافو، من فيلمه السابق "كائنات مسكينة" (فاز بـ"أسد" البندقية العام الماضي) ليجرهما معه في مغامرة تعكس كلّ الأمراض التي في داخل لانثيموس الذي قرر ان يصنع سينما بدلاً من ان يخضع لعلاج. ينضم إلى هذين، الممثّل جس بلامونز، الذي يبث الذعر أينما مر. في لحظة تخيلتُ انني أمام فيلم لتود سولوندز، لكن أكثر تطرفاً، قبل ان أعي اننا فقط أمام فيلم… للانثيموس.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم