الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

الـ"أوسكار 93" وزّعت جوائزها: أميركا ما بعد دونالد ترامب

المصدر: "النهار"
هوفيك حبشيان
كلويه زاو، أول آسيوية تفوز بجائزة أفضل مخرجة.
كلويه زاو، أول آسيوية تفوز بجائزة أفضل مخرجة.
A+ A-
الاضطرابات، سواء الاجتماعية منها أو النفسية فالسياسية، هي بطلة الدورة الـ93 من حفل توزيع جوائز الـ"أوسكار" الذي توّج أعمالاً متوقعة، أولها "نومادلاند" للصينية الولادة والأميركية الاشتغال كلويه زاو. هذا العمل الذي لم يولّد اجماعاً نقدياً كبيراً من حوله، فاز بالجوائز الأساسية في عامٍ كوفيديٍّ غابت عنه الأعمال السينمائية الكبيرة والمنتظرة، فأُسندت نتيجة ذلك جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرجة إلى "نومادلاند"، لتصبح زاو أول آسيوية تنال تمثال "أفضل مخرجة". كما أُسندت إلى الممثّلة المدهشة فرانسز ماكدورماند ثالث جائزة "أوسكار" في مسيرتها، فدخلت النادي الضيق جداً للممثّلات اللواتي نلن الجائزة الهوليوودية المرموقة ثلاث مرات، مثل ميريل ستريب وكاثرين هاببرن.
 
اذاً يمكن القول ان "أوسكار 2021" ردت الاعتبار إلى أميركا المضطربة في محاولة لطي صفحة دونالد ترامب الذي يكنّ له معظم الوسط الفني في أميركا العداء المطلق. كثر لم يجدوا في الفيلم مزايا كثيرة، بعضهم اعتبره عملاً مملاً، وهناك طرف ثالث كال المدائح له. السيناريست والمخرج الأميركي بول شرايدر كتب يقول بأنه عمل فيه الكثير من البؤس المزيف. في أي حال نحن أمام عمل توجّهت إليه كلّ الأصابع لتعلمنا بأننا أمام عمل مهم وضروري ويقول أشياء ينبغي معرفتها، وخصوصاً بعد فوزه بـ"أسد البندقية" في دورةٍ (2020) هي الأخرى عكست الكثير من القلق الوجودي لزمننا الحالي، كونها حدثت بين موجتين كوفيديتين. باختصار، مهما تكن الحال التي تصوّرها زاو، فلا يمكن التغاضي عن حقيقة انها تصوّر مشاكل تنتمي إلى العالم الأول الذي لا يعني معظم الكرة الأرضية.
 
كثيرة هي العناصر التي لعبت لمصلحة فوز زاو، أولاً حقيقة ان الفيلم يصوّر بلداً مكسوراً (!) كان الرئيس السابق ترامب يكره ان يراه على الشاشة بل حتى ينكر وجوده. ثانياً، كون زاو سيدة، وثالثاً كونها من أصول آسيوية، وكلنا نعلم كم ان الأكاديمية أعطت أهمية (أحياناً مبالغ فيها) كبيرة للناس الذين يشعرون بأنهم مهمشون في بيئتهم. فالقائمون على هذه الجائزة كانوا قرروا بدءاً من دورة العام 2024 أنّ الأفلام التي لن ترفع راية التنوع في كلّ المجالات - التنوع الذي يروّج له الليبيراليون في هوليوود منذ فترة غير قليلة -، لن تكون صالحة لدخول سباق الـ"أوسكار" لفئة "أفضل فيلم". على الأفلام اذاً مراعاة الاعتبارات العرقية والجندرية، كما ان عليها ان تمنح مساحة للأقليات غير المتمثّلة بشكل كاف في السينما، والا ستُطرد من جنّة الـ"أوسكار". أي فيلم، كلّ ممثّليه من البيض أو من الرجال حصرياً، ولا يوجد فيه على الأقل 30 في المئة من الممثّلين الذين يتحدرون من أصول آسيوية أو شرق أوسطية أو غيرها من الأقليات العرقية والجنسية (وصولاً إلى ذوي الاحتياجات الخاصة) الموجودة على أرض أميركا، سوف يُستبعد ولن يؤخد في الحسبان. نحن في زمن يستخدم كلّ شيء من أجل المزايدات السياسية ولا يشذ الفيلم الفائز عن هذه القاعدة المعمول بها منذ فترة.
 
"نومادلاند" عمل ينقب عميقاً في بيئة الناس البسطاء الذين لا يملكون شيئاً سوى بعضهم البعض. وسط هؤلاء تظهر فرانسز ماكدورماند كنقطة مضيئة. بعد اقفال الشركة التي كانت تعمل فيها، تختار فرن (اسم شخصيتها) ان تسلك درب هؤلاء المهمشين الذين يقطنون الكارافانات والعربات. فرن، سيدة في الستينات من عمرها، لكن لا شيء يخيفها، أو على الأقل هكذا تبدو لنا. معها، سنكتشف "الحياة الأخرى"، أميركا تلك التي لا نراها في معظم الأفلام الأميركية ولا ترينا اياها نشرات الأخبار. هل هي حقيقية؟ هل تستحق عناء الاكتشاف؟ هذه مسألة أخرى نتركها للمُشاهد.
 
فيلم ثانٍ يدس في فم المشاهد طعماً مراً ويعكس الزمن المضطرب الذي نقيم فيه، وهو الزمن الذي أراد المصوتون التركيز عليه: "الأب" للمخرج الفرنسي فلوريان زيلر الذي قرر نقل مسرحيته إلى الشاشة بمساعدة من السيناريست الكبير كريستروفر هامبتون. هذا "الأب" سمح لأنتوني هوبكنز الذي يلعب فيه دور البطولة ان يفوز بثاني جائزة "أوسكار" في حياته بعد أولى كان فاز بها عن "صمت الحملان" في مطلع التسعينات. عرض الفيلم في عدد من المهرجانات منها القاهرة حيث شاهدناه في عرض جد مؤثر. فالفيلم عن رجل (هوبكنز) مصاب بالألزهايمر وكلّ ما سيجري حوله جراء اصابته بالمرض يثير التضامن والتعاطف. يحمل هوبكنز النص المسرحي على عاتقه، ليبلغ به قمة تمثيلية قلما بلغها ممثّل.
 
في مقابلة مع كاتب السيناريو كريستوفر هامبتون الذي فاز بجائزة أفضل سيناريو مقتبس عن "الأب"، روى لـ"النهار" الآتي: "كان هوبكنز في بالي وأنا أكتب السيناريو. فلوريان أراده بشدّة. لذلك أطلقنا على الشخصية اسم أنتوني. كان مذهلاً. أرسلنا اليه السيناريو مع كلمة صغيرة كتبتها له. لم أكن قد رأيته منذ زمن بعيد، مذ صوّر "دراكولا" لكوبولا. ذهبنا إلى لوس انجلوس لمقابلته. في غضون ذلك، كان قرأ السيناريو. التقيناه، فجلس إلى الطاولة وقال: "سأقوم بالدور"! لم يكن حتى سمع باسم فلوريان. كان مهماً لفلوريان ان يقابله. عندما تم اللقاء ارتاح أنتوني له، فوافق فوراً. ولأنه أعطى موافقته، استطعنا نيل موافقة الممثّلين الآخرين أيضاً".
 
عملان سينمائيان شديدا الأهمية نالا أيضاً جائزتين في "أوسكار" هذه السمة: الفيلم الدانماركي "سَكر" لتوماس فينتربرغ (أفضل فيلم دولي)، والعمل التحريكي اللافت، "روح" لبت دوكتر (جائزة أفضل فيلم تحريك). فيلمان أقل ما يمكن القول فيهما انهما سيبقيان في ذاكرة الجمهور لوقت طويل. أما خيبة العرب فكانت كبيرة بعد خسارة "الرجل الذي باع ظله" للتونسية كوثر بن هنية في جائزة أفضل فيلم دولي، و"الهدية" للفلسطينية فرح النابلسي في جائزة أفضل فيلم قصير. صحيح ان "صحوة الضمير" قد حدثت فعلاً منذ بعض الوقت في صفوف المصوتين والشعور بالذنب تجاه الشعوب المقهورة لا يزال قويا عند كثر من أبناء الجلدة البيضاء، الا ان زحمة القضايا قد لا تكون لمصلحة الجميع.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم