الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

رحيل جان لوك غودار عن 91 عاماً: السينما من دون إلهها

المصدر: "النهار"
هوفيك حبشيان
Bookmark
جان بول بلموندو في “بيارو المجنون”.
جان بول بلموندو في “بيارو المجنون”.
A+ A-
"موت غودار”! ما أصعب ان يكتب ناقد سينمائي تلك الجملة المؤلفة من كلمتين على رأس مقاله. لم أجد سوى موسيقى "الاحتقار" لجورج دولورو، تصدح في أذنيّ عبر السمّاعة، لأكتب النصّ الآتي. ذلك اللحن الموجع على شكل لازمة حزينة يستفز الذاكرة السينيفيلية ويعيد جمع الصور المبعثرة على غيمتي الافتراضية، ما يساعد في استحضار الماضي وكتابة هذا الرثاء في رحيل جان لوك غودار الذي مات أمس عن 91 عاماً. فغداً، ستشرق الشمس وغودار ليس هنا منذ 3 كانون الأول 1930. هذه الشمس التي كانت تشرق في ظلّ غودار، إله السينما وأجمل مخلوقاتها. تصعب الكتابة عن الرجل كما نكتب عن آخرين، فهناك السينمائيون وهناك غودار. اذا كان سواه جسّد السينما بأشكالها المختلفة، فهو السينما نفسها. وحده، بلا شريك. أمضى غودار ثلثي حياته بين الأشرطة. 60 سنة أنجز خلالها ما يُقارب المئة فيلم (21 منها عُرضت في مهرجان كانّ السينمائي حيث كان في أولى صفوف الحراك الذي حدث فيه في دورة 1968) لا تنتمي الا إلى نمط ابتكره غودار بنفسه، نمط يخربط التوقّعات ويقفز بين الأنواع، يحرّف ويلغي ويضيف ويحذف ويشتبك، ذاهباً في الاتجاه المعاكس لِما هو مقبول، قبل ان ينتقل في العقدين الأخيرين من حياته، إلى سينما أقرب من التجريب، ذروة جديدة أصبح أحد أسيادها.ولد غودار مع ولادة السينما الناطقة، وكان أحد أقوى أصواتها التي تردد صداها في العالم. ألهم ولم يلهمه أحد، تشبّه به آخرون ولم يشبه أحداً، كثر مشوا على خطاه وأضاعوا طريقهم. بصمته فريدة، حضوره داخل السينما وخارجها لا يتكرر، غيابه يطوي الكثير من ماضي السينما، في هذه المرحلة بالذات حيث الخطر الذي يهدد هذا الفنّ هو الأقوى منذ عقود. ترك قصائد بصرية عابرة للزمن، عبارات لمّاحة، والأهم حبّ السينما الذي زرعه داخل كثر منّا ونمت أغصانه إلى ان أصبحنا نتظلل بها.   جان لوك غودار (1930 - 2022).ابن السينماتيك لا يتذكّر غودار أي فيلم شاهده وأعلن على أثره فوراً: "أريد ان أكون سينمائياً". يقول انه لا بد ذهب لمشاهدة أفلام والت ديزني، مثل كلّ الصغار في طفولتهم. غير انه ليس مثل كلود لولوش الذي يقول "في الثالثة شاهدتُ ذاك الفيلم في يوم كذا فعرفتُ أني سأكون سينمائياً". لكنه يتذكّر جيداً انه شعر في السينماتيك الفرنسية بأنه "سيتعاطى" الأفلام لبقية حياته. في مؤسسها هنري لانغلوا وجد "أباً"، وفي الناقد أندره بازان معلّماً تنويرياً. دخل السينما كما يعتنق آخرون ديانة. هناك، اكتشف عالماً لم يحدّثه أحد عنه، لا المدرسة، ولا الأهل. "لماذا اخفوا عنّي وجوده؟ حدّثوني عن غوته، لكن ليس عن دراير… اكتفينا بالمشاهدة. كنّا نشاهد أفلاماً صامتة في حقبة السينما الناطقة، كنّا نحلم بأفلام، وكنّا نسمع عن أفلام لم نشاهدها أبداً. "الموجة الجديدة" كانت هذا: كنّا مثل مسيحيين اهتدوا دون ان يروا أبداً المسيح أو مار بولس. السينما الجيدة، الحقيقية، كانت التي لم نكن نشاهدها لأنها لم تكن تُعرض. السينما الاخرى، كنّا نستطيع مشاهدتها كلّ سبت. لكن السينما الحقيقية، غريفيث، أيزنشتاين... كنّا نشقى كثيراً لمشاهدتها، فإما كانت ممنوعة أو غير معروضة أو موزّعة في شكلّ سيئ…”.بدأ غودار، الفرنسي السويسري المولود في باريس، ينخرط في السينما في ظروف اجتماعية وسياسية وثقافية خاصة، بعد نحو عقد من نهاية الحرب العالمية الثانية والتغييرات التي حدثت خلال "الثلاثون المجيدة" التي كانت ستعيشها فرنسا وأوروبا في تلك الفترة، وكانت الحاجة إلى أصوات جديدة من خارج الأسماء المعروفة، بدأت تلح. فكانت "الموجة الجديدة الفرنسية"، وكان هو أحد الذين زرعوا بذورها مع تروفو وشابرول ورومير وريفيت، من دون ان يعلموا انهم يضعون خطاً فاصلاً بين ما سيتحوّل إلى "ما قبل"...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم