الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

"أربعون عاماً وليلة": البيت السعودي مسرحاً لأزمة أسرية

المصدر: "النهار"
هوفيك حبشيان
أربعون عاماً وليلة": فيلم سعودي عن السلطة الأبوية.
أربعون عاماً وليلة": فيلم سعودي عن السلطة الأبوية.
A+ A-
"كنت أسمع كثيراً عن المشاكل العائلية التي تحدث مع الناس في منازلهم، لكنني لم أتوقع قط ان يأتينا الدور". جملة تنطق بها واحدة من الشخصيات وهي مدخل مهم لفهم رسالة الفيلم الروائي الطويل "أربعون عاماً وليلة" وهو الأول للمخرج السعودي الشاب محمد الهليّل يُعرض على “نتفليكس”.

فعندما تقتحم المشاكل الأسرية المعقدة احدى العائلات السعودية، لتعكّر صفوها ليلة عيد الفطر، هناك شعور عارم بأننا أمام أناس عاديين في مواجهة ظروف غير عادية تتجاوز قدرتهم على ايجاد حلول مناسبة لها. هذه المشاكل يمكن ان تحدث في "أحسن العائلات" وتدخل كل بيت، ولا مهرب منها ولا عار في ذلك. كأن الفيلم أراد تأكيد حقيقة ان لا أحد في منأى من التوترات العائلية، ومن الخلافات والتجاذبات بين أشخاص يرتبط بعضهم ببعض بصلة الدم. ادراك هذا الأمر، على بساطته، مسألة غاية في الأهمية، خصوصاً في زمن انفتاح السعودية النسبي على السينما التي من احدى وظائفها ان تكشف سلوكيات معينة داخل المجتمع، وتحشر أنفها في الحد الفاصل بين الحياة الخاصة والعامة. مع هذا الفيلم وغيره من الأفلام السعودية، تدخل الكاميرا بيوت السعوديين، عند هؤلاء الذين نجهل قصصهم اليومية البسيطة. حتى الأمس القريب، كانت صورتهم السينمائية غائبة، مجمّدة، مؤجلة، وها اننا نتسلل إلى حميمية اسرة سعودية حيث الكاميرا تسرح وتمرح بلا أي حرج أو خشية من انتهاك الخصوصية.
 
(المخرج محمد الهليّل خلال تصوير الفيلم)
 
لمحمد الهليّل أفلام قصيرة عدة لم تتسن لنا مشاهدتها، لكن هذا الفيلم الذي يعمل عليه منذ سبع سنوات، يفتح شهيتنا لاكتشاف أعماله السابقة التي "تتسم بالطرح الدرامي العميق وحس السخرية"، كما كتبت الصحافية عائشة جعفري في اطار حوارها مع الهليّل الذي قال من ضمن ما قاله: "يصعب على المخرج أو الكاتب التنبؤ بما يرغب به الجمهور من جهة نوعية الأفكار المقدمة، لكن الأفلام التي تتحدث عن قصص اجتماعية هي مفضّلة دائماً، ذلك لأن الجميع يعيش الظروف نفسها غالباً كما ان الجميع لديه قصص متشابهة، لذا حرصنا على ان تكون القصة من عمق المجتمع حتى تلامس الأغلبية داخل حدود الأسرة. لذلك، تعمدتُ ان يجيب الفيلم عن الأسئلة التي تشغل المشاهد، من دون ان أبحث عن أي رد فعل أو إثارة من خلاله”.

الفيلم من نوع الدراما العائلية تجري فصولها في جو مشحون بالتوتر، في حين ان المقاربة بسيطة وشفافة، وهما المنحيان اللذان اشتهرت بهما السينما الإيرانية. أما نقطة انطلاق الأحداث المتعاقبة فهي حادثة سير يتعرض لها رب عائلة في السبعينات من عمره. على أثرها يُنقل إلى المستشفى، حيث تجتمع العائلة (لديه ثلاثة ابناء وابنتان)، الا ان ابنة تكتشف أمراً مروعاً نجح في اخفائه: الأب متزوج سراً من سيدة.

اكتشاف زواج الأب سيكون بداية الانزلاق إلى جحيم العلاقات. فهذا الاكتشاف ليس تفصيلاً بسيطاً يمكن صرف النظر عنه. بالنسبة إلى أولاده هذا الفعل يرتقي إلى الخيانة. لماذا على الأقل لم يخبرهم؟ وماذا يحدث اذا علمت الأم انه تزوج عليها؟ تلك الأم التي لها مكانة مهمة في وجدان الأولاد، وهم حرصاء على عدم الحاق أي اذى معنوي بها. طبعاً، لكل من الأبناء الخمسة طريقة في التعامل مع الأزمة. بعضهم يريد ابلاغ الأم وبعضهم الآخر يعترض على الفكرة من باب الحرص على مشاعرها، وخصوصاً ان الزوجين يعيشان معاً منذ أربعين عاماً. وفي ليلة ليلاء ينهار كل شيء. نتيجة ذلك، تتأزم العلاقات بين الأولاد وتختفي الثقة بينهم فيهيمن الشك والريبة على كل شيء. يصبح تماسك الاخوة مهدداً في مهب الريح. كيف يتعاملون مع السر الذي كشفوه، وما الأدوات المستخدمة وما الفرص المتاحة؟ هذا ما ينظر فيه الفيلم بحس تشويقي يأخذ المشاهد رهينة. كنا نتمنى فقط لو ان الشغل على التمثيل أفضل، لكانت الفكرة وصلت بشكل أوضح.

النقاشات التي ستدور تحت قبة المنزل العائلي، بهدف النظر في الحل المناسب للمشكلة، ستفتح الباب واسعاً أمام مشاكل اخرى ستظهر تباعاً. هذه المشاكل كانت موجودة "تحت السجادة"، لكن كانت أشبه بخلايا نائمة جاء حادث السير واكتشاف سر الزواج ليوقظها. واحدة من هذه المشاكل تتجسّد في علاقة احدى الشقيقتين بزوجها. فبعد سنوات من الزواج، تتغير طبيعة العلاقة بينهما، ما بدأ يؤثر سلباً في حياة الزوجة التي تعاني بصمت وتعض على الجرح، خصوصاً ان ثمة طفلة بينهما لا تزال في عمر يحتاج إلى رعاية. الا ان المخرج يتطرق إلى الموضوع، رغم أهميته، على نحو هامشي كحدث جانبي. صحيح ليس هو جوهر الفيلم، لكن الاهتمام بالقضية اهتماماً ناقصاً يمنح الانطباع بأنه مجرد ديكور أو زينة، وهذا يضعف الفيلم ويشتته ويحمله إلى جبهات أخرى ليست لديه قوة كافية للوقوف عليها.

بيد ان الشأن الأبرز الذي لا بد من الحديث عنه هو موضوع السلطة. السلطة الأبوية تحديداً، تلك التي ليس التغيير متاحاً في ظلها. قد تصح قراءات مختلفة للفيلم، لكن يصعب الاختلاف حول فكرة انه عن السلطة. لا يجوز كشف نهاية الفيلم ولكن مَن سيشاهدها سيدرك ان الفيلم برمته استعارة للسلطة. محمد الهليّل، يصوّرها ويصوّر تداعياتها على مَن تُمارَس عليه تلك السلطة. ثم، أخيراً، يصوّر الخوف منها. قد لا تكون هذه نية مؤلف الفيلم ومخرجه الذي قال انه يطرح هنا السؤال "هل كل حقيقة يجب ان تُعرف؟"، الا انه يجب ان نتذكّر ان أفلاما كثيرة تفلت من يد صنّاعها لتعني في النهاية ما لا يقصدونه بالضرورة. هذا ما نسمّيه باللاوعي السينمائي.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم