السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

وثائقي It's OK: إليسا المتكلّمة... مزاحمةً الغناء بالإبداء

مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
إليسا في وثائقي It's OK.
إليسا في وثائقي It's OK.
A+ A-
تدري إليسا جيّداً كيف تكون محاولة حثّ الذات عندما يعتري نفسها ما تراه يوجع كاهلها، ولا يستطيع كلّ هذا البريق المنثور في سيرتها شيئاً أمام تسكين ما يختلجها، فإذا بها تبحث عن رغيفٍ تقتاته في المطبخ حتى تلتهم وإيّاه رتابة كلّ برهة مكدّسة على هيئة لحظات تكاثرت أياماً ضايقت إحساسها. هكذا ببساطة، قليلٌ من الطعام اللبنانيّ التراثيّ التقليديّ يبرّد سكون المنزل ويثلج قلب ساكنته. هل كان أيّ مشاهد ليرجّح هذا التفصيل التلقائيّ كمقدّمة تبسيطيّة عزفت بداية "سمفونية" وثائقيّ It's OK غير الموسيقيّ الذي شاءت الفنانة اللبنانية أن تتراقص على سرديّته فيما كان الجمهور ينتظر الألبوم الغنائيّ؟ لم يكن الوثائقي مجرّد عملٍ عن سيرة ذاتية فقط. وفيما تأتي هذه السطور على مقربة من إحياء أهمية المرأة عالميّاً، فإنّ الوثائقي ككلّ بدا وكأنّه بمثابة تكريم للطموح الإنسانيّ بشتّى أجناسه وأنواعه وأعراقه. وقد يكون مشهد البداية مختصراً لما أرادت إليسا أن تقوله وهي تتنقّل بين غرف منزلها على تخوم التلفّظ أمام من يشاهدها تتحدّث بما تريد أن تقوله لكلّ من يتحفّز لسماعها لا الاستماع إليها وهي تغنّي فحسب، لأنّها في السنوات الماضية ربّما صار الغناء بالنسبة إليها كما إلى جمهورها بمثابة مسألة اعتيادية. ولا نقول جديداً في الثناء على اختيارات إليسا في ترتيب ألبوماتها الغنائية وعذوبة أدائها، لكنّها تمرّست حديثاً في أن تحكي لا أن تغنّي فقط. وهي كمؤثّرة في ما يصدر عنها حتى على نطاق غير المحبّذين كما الناقدين، باتت تزاحم غناءها في ما تحكيه. واتضح جليّاً أنها توافق على التحدّث ولا تخشى أن تتزيّن في الانكسارات ولا تخجل أن تسرد محطات شجيّة قد يسعى كثرٌ إلى ضبضبتها في الماضي، أو تسخيف فحواها في حياتهم وإن كانوا يحاولون أن ينكروا أحزانهم لكنّهم لا يستطيعون ذلك في قرارة أنفسهم.
 
وكأنّ ما أرادته إليسا من محتوى وثائقي It's OK هو أن ترجع إلى ترابها وأن لا تنفض عنها ولا حتى حفنة من رمل ماضيها، فتماسكت عندما زارت جدران المدرسة الداخلية وسألت عن الراهبة التي سرّحت لها ضفيرة طفولتها وعندما لم تجدها في المكان ما لبثت أن حرصت على أن تبحث في وجهة مختلفة حيث تستقرّ. فإذا بها تستفسر عن كلّ ما أرادته وتعيد ضخّ روحيته. ولم تنسَ غياب والدها فراحت تفتّش عن أثره الوجوديّ في استذكاراتها كما في تعاريج دير الأحمر، هناك حيث تتأهّب من أجل بناء منزل. ولم تتردّد في أن تفلفش بداياتها لتشاهد نفسها جالسةً متربّعةً أمام التلفاز في أرضية غرفة الجلوس، من ذلك النجاح المكانيّ حيث أصبحت. وكأنها كانت ترتّب محطاتها وتوضّبها في وثائقي It's OK الذي اتّسع لكلّ ما أرادت أن تحكيه بعيداً عن الضوضاء وما بعد مراحل التصفيق في صخب الحفلات. قد تكون احتاجت للتغيير بعد كلّ ما حقّقته في محطاتها وأرادت أن تنجز التلقائية في أداء العيش اليوميّ أمام "مذياع" من سندويش مأكولات شعبيّة في زحمة ذهابها خلال مشوار خاص مع صديقها في دقائق عفوية من المشاكسة في تذكّر ريعان الماضي، كلحظات من الأكثر عفوية في الوثائقي. بدا ذلك كتعطّش للخروج من عالم الشهرة نحو الحقّ في الحياة العادية التي تظهر إليسا كأنها تاقتها وأمسكت يد المتابعين إليها لتؤكّد قيمة التبسيط والإشارة إلى إنّ الرسوخ المنحوت في السيرة الحاضرة وما بعد الرحيل لا بدّ له أن لا يأخذ انسيابية اللحظة الحاضرة.
 
حتى أنّ كلّ ذلك النجاح الفنيّ لم يمنع أن تصاب نجمة وثائقي It's OK ببعض الكدمات النفسية فاحتاجت ضمادات تحفيزية كلّما خرجت متهشّمة من علاقات شخصيّة عاشتها في حياتها. واختارت بجرأة أيضاً أن تفصح عن وقع الصفعات التي آلمتها وانتهت كمتساقطات من عينيها على وجنتيها اللتين اغرورقتا بالدموع. وهي لم تكن تغنّي "حبّك وجع" أو "إنسانة بريئة" أو "هخاف من إيه"، لكنّها كانت تحكي في الوثائقي فتزاحم ما اختارت أن تغنّيه، هذه المرّة من خلال وثائقي عن سيرتها الذاتية الذي نجح في إحراز نتائج على غرار أكثر الأعمال مشاهدة. وربّما العثور ليس سهلاً على أغنية تحاكي ما سردت أنها قاسته في علاقاتها الغرامية تحديداً، ويكاد يحتاج انتظار أعمال غنائية لم تصدر بعد. نجحت إليسا في استقطاب من ينصت إلى ما تعبّر عنه في الوثائقي المنتظر، رغم أنها لم تفعل سوى ما تقوم به امرأة عادية ناجحة تعمل من دون كللٍ تحضيراً لأعمالها، تدخل علاقة حبّ، ترتاد المقاهي وترتشف القهوة، تجول محلّات الألبسة مع أصدقائها وتجتمع مع أسرتها على طاولة الغداء... وتلجأ إلى المطبخ عندما تقضّ قحولة الهنيهات مضجعها. في الحديث عن الصعوبات، تظهر كأنّها تمشي على حبال ما عاشته وتتقن السير بين الأشواك وترقص على الأحزان.
 
ها هي ترتدي أجنحة البساطة التعبيرية وتتصدى لخساسة التنمّر ومحاولات نهش طموحها وقضم تطلّعاتها وعرقلة مثابرتها وتحوّل كلّ الحروب التي خاضتها إلى مصطلح It's OK الذي يعصر المعاناة في دقائق من سيرة ذاتية. تطأ إليسا أرض التحوّل نحو عالم لم يعتده كثرٌ من المؤثرين في لبنان، وهي ليست بعيدة كثيراً عن حيازة المؤهلات المتوخاة للدخول في مضمار منبر للتحدّث ربما عن خطّة عمل أو مقترح حلّ مختصّ في شؤون ليست بغنائية. طبعاً، كانت إليسا من أسس نجاح وثائقيّ It's OK ولا حاجة للحديث عن التقنيات. قالت ما أرادته وكأنها على كرسيّ أمام طبيبها النفسيّ، لكن لا حاجة حالياً لارتياد عيادة أو تناول عقاقير مهدئة ومسكّنات صداع. أهمّ ما قدّمه الوثائقي الصراحة المجرّدة في عالم محاولات البعض الابتعاد عنها. نعم، الحلقات كانت كافية مع الإشارة إلى أنّ مضمونها لم يشكّل مفاجأة. باتت إليسا معتادة أن تتقن التلفّظ والتكلّم، لا الغناء فحسب. وعندما تريد أن تختصر كلّ هذا الكمّ من المراحل الخلّابة أو المتجهّمة في حياتها على حدّ سواء، ليس أمامها حتى الآن ما هو أكثر محاكاة مما كان ليكون It's OK.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم