الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لوحة المرفأ الفينيقي لأندريه كالفيان: حكايات حنين بين الماضي والحاضر

المصدر: النهار
يوسف طراد
لوحة المرفأ الفينيقي لأندريه كالفيان.
لوحة المرفأ الفينيقي لأندريه كالفيان.
A+ A-

لوحة الفنّان أندريه كالفيان، نطقت بأسطورة التاريخ، وأدهشت بسحر ألوانها وسرّ جمالها عشّاق جبيل. وأسكنت نظراتهم أعذب الحكايات التي روت وصية النورس، الّذي انعتق من الإطار وسافر خارج الفصول الباهتة والأعمار الهاربة.


أنا الحنين الحائر في فضاء وطن، يأخذني حلم السفر إلى مركبٍ في مرفأ، حيث أتوه في أعاصير من المشاعر، فكل من يريد البقاء في الربوع يبكي على من يريد السفر، والمسافرون يتأسّفون على من يريد البقاء.

أنا مرفأ التاريخ، وحيد بين خريف الوطن وشتائه، اعتقتني من حيرتي ريشة فنّان، ووشمت صورتي على قماشة، فأصبحت أحلم في بحر الأرجوان، سارحًا بالحلم مع المدى وأسرار الأعماق. اعتقتني من حيرتي ريشة فنان، وسجنتني داخل إطار، فنظرت نظرة المرفأ الحرّ إلى لوحةٍ، واندهشت من جمالي الفاتن، ليقيني أنني أنظر في مرآة. ذُهلت من رهبة التاريخ وعبق الأساطير، المجموعين صورًا بين الأرض والسماء، يعانقان قماشًا عاشقًا للألوان.

أنا لوحة المرفأ المرتاب بين الحاضر والماضي، أحفظ العهد للملك حيرام، حكايات وأسطورة، نقشها الأجداد فوق الزبد والصخور، أنده حنّون الفينيقيّ الّذي تحدّى الأفق ذات زمن غابر، وترك على الشاطئ حكاية مغامرة محفورة في ذاكرة الحضارة والرمال.

أنا الثغر الصغير الباسم، تشهد حواري جبيّل وشطآنها وآثارها العريقة، على غزوات العشّاق البريئة لمراكبي. هذه هي صورتي التي عرفت الوقار ولم تعرف الشقاوة، رُسِمت على قماشتها ملامحي، كأنّني منذور لمغامرات أبديّة. هناك في زهوة الألوان، وظلال القلعة البحريّة على القماش، تذكّرت القبلة الأولى للملك، مع تلك الأميرة الشقراء، والحرّاس داخل القلعة البريّة يصدحون بخشوع المؤمنين، ترانيم طقوسٍ إحياءً لذكرى أدونيس.

أنا ميناء الحبّ، شاهد لوحتي عاشقان، فتوشوشا، وكان بوحهما الخافت كهديل زوج حمام، متذكرين تلك المغامرة في الليل على الرصيف البحريّ، حيث أطلق بحارٌ الشتائم نحوهما، ولم تستطع العاشقة لملمة أزرار قميصها الأزرق.

أنا ميناء القلعة القديمة، اِسْتَيقَظْتُ لوحةً، واِغتسلتُ على قماشها البهيّ بمزيج رونق الألوان، فكنت حلم سفرٍ شاردٍ، اِغترب عن أمكنة حاضرة، وتاه في دروب موصولة بالتاريخ.

أنا لوحة المرفأ الحائر، تهادت داخلي سفينة، شراعها العَلَم ومجذافها حزن وطن، متأهبة للرحيل بدون قبطان، مستعدّة لتصدير أقحوان أسطورة الربيع. مقاعدها خاوية الّا من الحنين المتهادي، النائم فوق جدار التّاريخ، وغياب الأزمنة. للمركب صحوه الأنيق فوق شفاه الأفق الأرجواني، حيث ينسج داخل اللوحة مع الشمس، فجر الوطن القادم على مهل، حالمَا بالحرير المصبوغ بلون الأرجوان، وأدنان الخمر المعتّق، والعنبر اللبناني الباهر، وعطر الأرز واللّبان. وقرب صاريه طيف بحار فينيقيّ، منتظرًا ظهور النّجم القطبي، ليبحر مع الريح إلى البلاد البعيدة خلف جبل طارق.

 أنا القلعة البحريّة، في مخيلتي سجل الدخول والخروج إلى الوطن، من بوّابة الأفق الممزوج مع الموج والألوان، نقل حجارتي أندريه كالفيان حجرًا حجرًا، وعتبة عتبة، وطاب لي الاستقرار في فضاء لوحته أراقب الأفق البعيد وأنتظر إبحار مركب لا يبحر.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم