الدكتور قصي الحسين لكل شيء لغة. حتى الصمت. لماذا الحجر الأصم، يرين باللغة. يتكلم. ما هي لغته. إذهبوا إليه يفصح لكم عن مكنون أسراره. إذهبوا في الدروب، تسمعوا حكاياتها، حين تحتفي بها الأقدام، ويعلو نشيدها الغبار. إذهبوا إلى الغابات، استمعوا إليها. سنديانة سنديانة. ولبانة لبانة. وعفصة عفصة. وأرزة أرزة. إذهبوا إلى الأنهار وانصتوا مليا إلى هديرها، حتى يتدفق النهر في عيونكم، ويجري في عروقكم، ويروي منكم البدن الشاسع حيث الأرض العميقة. حيث الأرض الكبيرة.إذهبوا إلى التلال برؤوسها العنيدة التي تقهر ظلمة الليل، وتعاند الريح. وتعاقد الشمس. مثل رأس تيس. إذهبوا إلى الوادي. ضعوا خدكم على صدره. إسمعوا نبضات قلبه. انصتوا إلى حديث الأعماق، كيف تجري بلا كأكأة. كأنها من نسل العماليق، نامت منذ دهر. ولم تستيقظ بعد. ثم استيقظت فجأة. إذهبوا إلى رأس صخرة عنيدة. ضعوا رأسكم إلى رأسها. اقرنوا جملكم بجملها، فوالله هي أعظم منكم مصيبة. هي أعظم منكم حزنا.إذهبوا إلى السهوب، إلى البوادي. إلى الصحارى. استظلوا بنخلة شاردة، مدت إليكم يدها. استمعوا إلى تلك الأحاديث التي لا تنتهي. تكرها على أسماعكم مثل كر رنين خيوط الشمس، دون أن تنقطع أبدا. كأن وجهها من عسل.إذهبوا على وجوهكم، نحو أفق لا ينتهي، واصغوا إليه. يحدثكم عن هواجسه، حين تغيب فيه كوكبة من الخيل. عند غمة. عند زحمة. عند قطعة من الغيم حبلى بالمطر.لا تيأسوا من صمت القبور. تركوا لكم رسائلهم على شواهدها، وغادروا. استمعوا إلى أنينها. إلى رنينها في القلب. شاهد، يقف مثل رجل غاب. مثل رجل مات. مثل رجل لم يعد بعد من سفر. يقف في الغياب وفي الموت. يتلو على مسامعكم رحلة، حفّت بها الروح، مثل سكرة الصباح. ذابت قبل أن يطلع الفجر. لا تيأسوا من رنين الرخام، فله كلام. لسانه...

ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول