السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

مهرجان BAFF ينفرد ببثّ فيلم هدى قساطلي: العودة الى برميستان أرغون في حلب الباردة والمهجورة

المصدر: "النهار"
روزيت فاضل @rosettefadel
الأضرار كما رصدتها عدسة هدى قساطلي (تصوير مارك فياض)
الأضرار كما رصدتها عدسة هدى قساطلي (تصوير مارك فياض)
A+ A-
 ليس جديدًا على جمهور مهرجان بيروت للأفلام الوثائقية والفنية BAFF أن يتابع وثائقياً يكشف من خلاله بصمات الحرب وأنقاضها على الحجر والبشر، كما الحال في مدينة حلب المهجورة من ناسها، لأنّ جيلنا -جيل الحرب والأحلام المتكسّرة- عاش الدمار والحرب وكلّ ما في حرب لبنان المجنونة الممتدّة من ربيع عمرنا حتى الآن.
 
 

 
لكنّ عدسة هدى قساطلي، التي سبق أن أطلقنا عليها صفة "مؤرّخة اللحظة والغياب"، طُرحت في فيلم وثائقي بعنوان "العودة الى برميستان أرغون"، الذي انفرد المهرجان في بثّه للمرة الأولى قبل أيّ مكان آخر، أهمية الذاكرة الفردية والجماعية في المحافظة على الوطن والتراث والانسان.

تحاكي قساطلي مدينة حلب المهجورة بتوثيق لحظات باردة تحيط بأمكنة مهجورة من ناسها من خلال عدسة صورها.
 
 

 
نجحت قساطلي، معدّة الفيلم ومخرجته، وبمشاركة من منتجة العمل ميشيل تيان، وبجدارة في جعل اللقطات الفوتوغرافية "حية" نابضة بالذكريات بين واقع مدينة حلب ومرتجاها...

التراجيديا
 

 
في الحقيقة، نالت قساطلي دعماً من اليونيسكو لتوثق المأساة التراجيدية، التي أحاطت مسكن عائلة أمها والمساحات الأبعد منه في مدينة حلب في العام 2018. صارحت قساطلي جمهورها بأنّ ثمة رابطاً سحرياً أو حتى مغناطيسياً مع هذه المدينة، مسقط رأس عائلة والدتها، معبرة عن نوستالجيا كبيرة تجمعها في مكان إقامة أهل والدتها، التي زارته في بداية الفيلم، في محاولة للاطمئنان او العودة الى الجذور من خلال معاينة المبنى الأثري القديم بعد الحرب، الذي اخترق الرصاص جدرانه وشوّه معالم جماله العمرانيّ، الذي تتّسم به مدينة حلب...
 

مرّت عدسة قساطلي في مبنى برميستان أرغون، وهو أقدم مبنى استشفائي تراثي قديم يعود بناؤه الى العهد المملوكي في العام 1354. خلال الحرب،غادره نزلاؤه، الذين كانوا يتابعون علاجهم العقلي والنفسي فيه. برزت أهمية المكان من خلال تصويرها النقوش المكتوبة على مدخل البيمارستان.
المكان مهجور اليوم وهو يحتاج إلى الترميم طبعاً. الصور تنقلنا من باحة المبنى إلى جانبيها الشمالي والجنوبي، وفي الجانب الشرقي والغربي غرف خاصة للمرضى فارغة من نزلائها.

هنا ردهة، كما عسكت الصورة، تطلّ على صحن مصنوع من حواجز حديدية تتوسّطه نافورة ماء.

كيف بدت المدينة في العام 2018؟ جالت قساطلي في أجزاء مهجورة حتى من ذكرياتها، وهذا أمر مقلق جدّاً بالنسبة إليها.
 

 
 
ذكرت في الحديث، الذي تلا عرض الفيلم أنها كانت توثّق بعدستها دمار البيوت والعمران خلال حرب بيروت المجنونة، لترى في داخلها صوراً منسية لمالكي البيوت أو مستأجريها، أو حتى بعض الأوراق المرمية على الأرض أو الأثاث المنسيّ، سكنه الغبار مثلاً، مشيرة الى أنّ "كلّ المباني، التي زارتها في حلب باردة جداً، لا صور و لا وثائق و لا ثياب و لا أثاث باقيًا في أقسام البيت، لأن البعض حاول تفسير هذه الواقعة المرة على أنها تعود فعلياً الى مجيء مجموعة من المرتزقة، التي عمدت بعد مغادرة قاطني هذه المنازل الى سرقة البيوت وتجريدها من كلّ شيء حتى من خصوصية أصحابها...".

ما هي الشواهد على آثار الحرب في المحيط؟ هي كثيرة جداً، ومنها وجود أكياس رمل لعمارة من الحقبة العثمانية، تاركة لخيالنا إعداد سيناريو فضفاض عن مقاتل متطفّل تخفّى وراءها لإطلاق الرصاص لأذية الآخرين.
 
 
 
المدينة، التي زرناها مع قساطلي، يسكنها هدوء قاتل في مساحات أبنية ومتاجر ترتادها الذكريات مع خلاف بسيط وخجول لبائع صغير جوال يحاول ببعض البضائع أن يكسب عيشه...".

النسيج العمراني فقد بريقه، كما بدا في عدسة قساطلي. الكنائس فقدت بعض أسقفها أو أسقف قببها وهي تناجي السماء مباشرة، فيما رمت الحرب أثقالها على المسجد العمري، ولاسيّما على بابه الغربي، الذي يعلوه قوس قليل الانحناء، وهو مطعّم بأحجار متداخلة عبر منحنيات متعاكسة ومتناوبة بين الأسود والأصفر...".

من الناحية الانشائيّة، ظهرت نتوءات من آثار القصف والرصاص على الدعامات الحجرية للمباني القديمة جداً في المدينة.
 
 
لا يبقى من الركام الكبير في المدينة إلّا رغبة الصغار بأن يزيلوا آثارها عن صورة يومياتهم، يتوجّهون سيراً على الأقدام ليعاينوا "أطلال" مساكن ومتاجر عائلاتهم.

يقاطع صوت معدّات حرفي انتباه الجمهور خلال تصوير قساطلي رواقًا طويلًا لمتاجر مقفلة على جانبي السوق، تلاحق الكاميرا الصوت لنرى وسط السكون القاتل والأبواب المقفلة للمتاجر،حياة تعود لمتجر حرفيّ بدأ عمله منذ أيام قليلة.
 
 
 
أين الناس في حلب؟ كلّهم تجمّعوا عند نقطة تلاق في القهوة هناك... جمعتهم موقدة خاصة توفر المياه الساخنة لتناول الشاي. المكان في الحقيقة ليس لتناول الشاي، بل للتجمّع وللملمة الجراح، للاطمئنان على الآخرين أو معرفة وجهاتهم إذا سمحت الأمور.

بعد بثّ الفيلم، عقدت طاولة نقاش عن الفيلم بإدارة أستاذة الفنون الجميلة في جامعة الروح القدس الكسليك الدكتورة غادة واكد ومشاركة الى قساطلي الدكتور جوزف رستم، الذي يتسلم مهام إدارة المكتبة الشرقية مطلع السنة المقبلة.
 

حاولت واكد الإحاطة بأهمية الفيلم وصوره. أمّا قساطلي فقد تابعت مسار العمران في هذه الأمكنة في حلب مشيرة الى أنّ إعادة الإعمار، وفقاً لما ذكره البعض، في تقدّم ملحوظ عمّا كانت عليه في العام 2018. أمّا رستم فقد شدّد على أهمية الذاكرة الفردية والجماعية في رصد عواقب هذه الحرب على ناسها وأملاكها وتراثها.

Rosette [email protected]
Twitter:@rosettefadel




الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم