الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

من نتفليكس- "إميلي في باريس": إبهارٌ أميركي في صور باريسية نمطية

المصدر: "النهار"
شربل بكاسيني
شربل بكاسيني
ملصق مسلسل "إميلي في باريس" ("نتفليكس").
ملصق مسلسل "إميلي في باريس" ("نتفليكس").
A+ A-
لنعد إلى الوراء، قبل بداية حديثنا عن مسلسل "إميلي في باريس" (كتابة وإخراج دارين ستار، إنتاج "نتفليكس")، إلى العام 1976، مع المغنية الفرنسية ماري- بول بيل وأغنيتها "الباريسية" (La Parisienne) الفكاهية، التي تروي قصة فتاة ريفية انتقلت إلى باريس المبهرة، واستاءت لبعدها عن شخصية أهل العاصمة. ولنعد إلى العام 1865 مع عالم الرياضيات لويس كارول وكتابه "مغامرات أليس في بلاد العجائب". المعادلة بسيطة، "أليس" + "الباريسية" = "إميلي في باريس".
 
"من مسؤولة تسويق في شيكاغو إلى وظيفة الأحلام في باريس، تخوض إميلي كوبر (ليلي كولينز) مغامرة حياتها الجديدة وتحاول الموازنة بين العمل والصداقة والحبّ". هكذا تختصر منصة "نتفليكس" العمل. جملة صغيرة، نسبياً، لا يمكننا أن نضيف عليها شيئاً، ذلك أنّ المسلسل سطحي، وإن بدا مبهراً، لا يقدّم للمشاهد أي جديد.
 
ليلي كولينز ولوكاس برافو (من مسلسل "إميلي في باريس"/"نتفليكس).
 
يروي الأميركي دارين ستار، أنه كتب مسلسل "إميلي في باريس" لأنّ حلم الاغتراب والعيش في العاصمة الفرنسية ظلّ يراوده، حتى سمح له التعاون مع "نتفليكس" بتحقيقه، بطريقة أو بأخرى.
 
المسلسل ضخم من ناحية الإنتاج والإخراج، لا ينقصه أيّ من عناصر الإبهار. الصورة جميلة، وحركة الكاميرا تنساب كما ألحان الأكورديون على ضفاف السين. رحلة تبدأ في ساحة "إستراباد" الأنيقة، حيث تعيش "إميلي" التي تؤدي دورها الممثلة الأميركية- البريطانية ليلي كولينز. كما تدور بعض الأحداث الهامة في صروح ثقافية باريسية مثل أوبرا غارنييه، ساحة داليدا في مونمارتر، متحف "فنون المعارض" المغمور في منطقة بيرسي، وحتى مركز الفنون الرقمية الراقي "محترف الأضواء".
 
ليلي كولينز في دور إميلي (من مسلسل "إميلي في باريس"/"نتفليكس).
 
يمرّ "إميلي في باريس" مرور الكرام. هو واحد من الإنتاجات الضخمة التي لا تترك أثراً في نفس المشاهد ولا تطرح أسئلة. ليس مطلوباً من المسلسلات أن تبحث في غياهب الأمور وأن تحدّث النفس البشرية، على أي حال، لكن، حبّذا لو تقدّم شيئاً للمشاهد غير الإبهار والترفيه. المسلسل سريع الحركة والأحداث، ولا يترك للمشاهد فرصةً للشعور بالملل. أطول حلقاته مدّتها 35 دقيقة.
 
 
يقدّم المسلسل الصورة غير الواقعية عينها عن باريس وسكانها، والتي تسعى إميلي إلى تبنّيها. تلك الصورة النمطية الأقرب إلى الخيال. مع العلم أنّ الباريسيين، غالباً، ما يتكلمون الإنكليزية بلكنة سليمة، وهم ودودون ورومنسيون إلى حدٍّ معيّن.
 
لجأ ستار في "إميلي في باريس" إلى إقحام خبز فرنسي (Baguette) أمام كل شخصية فرنسية، ولفافة تبغ في فمهم، في صورة كاريكاتورية، لتمييزهم بوضوح. وجعل من قبعة الـ"بيريه" علامة فارقة عند الباريسي، بالإضافة إلى الغزل المبالغ فيه. وبين إطلالات إميلي وصورة ستار المحبطة حول الفرنسيين، يتشابه المسلسل وعروض الأزياء بشدّة.
 
ليلي كولينز وآشلي بارك (من مسلسل "إميلي في باريس"/"نتفليكس).

نقاط ضعف المسلسل، والتي جعلته عرضة لغضب فرنسي عارم، تظهر مع الحلقة الأولى، حيث تنتقل إميلي، بطابعها الأميركي المثابر وأفكارها المبتكرة، إلى مكان عملها في باريس، غير أنّ عدم قدرتها على التحدّث بالفرنسية يقف حجر عثرة في طريقها. وفي الحلقة الثانية، تكتشف "أليس في بلاد العجائب" علاقات الحب الفرنسية المعقّدة، عندما تُثير حماستها في سهرة عمل إعجاب عميل يهوى المغازلة، بيد أنه متزوّج. الأمر نفسه يتكرر في الحلقة السادسة، حيث تجد المواساة في صحبة أستاذ جامعي ساحر، عندما يفشل اجتماع عمل مع دار أزياء شهير، جرّاء خطأ بسيط.
 
النقطة التي فاض بها القدح الفرنسي جاءت في الحلقة الخامسة، حيث تكتشف إميلي أنّ عدد متابعيها على وسائل التواصل الاجتماعي يشرّع الأبواب في باريس، وهو ما أثار حفيظة الفرنسيين الذين اعتبروا أنّ في الأمر إسفافاً، وأنّ الشعب الفرنسي ليس بهذه الحماقة والسخف.
 
ليلي كولينز (إميلي) في ساحة داليدا ("إميلي في باريس"/"نتفليكس").
 
دعابة تلو الأخرى، يسقط المسلسل في فخّ الفكاهة العنصرية، التي تلتقي والسخافة في نقاط عدّة. المزاح حول نمط العيش الفرنسي مقبول أميركياً، ومرفوض من قبل كلّ فرانكوفوني، أينما وجد. تطرح "إميلي" هذه الجدلية. ترميها مادّةً خاماً أمام المشاهد، فيفنّدها ويقولبها، ويرميها في ميزانه.
 
في المقلب الآخر، قليل من النكات لا يضرّ. لنأخذ حقاً ونعطي حقّاً، "إميلي في باريس" فضاءٌ مفتوح للسخرية من صور نمطية عالقة في أذهاننا، نحن الذين اعتدنا ألّا نسخر من أحد، لأنّ الصراعات نائمة، وقد تستيقظ بين دقيقة وأخرى.
 
 
"إميلي في باريس" (2020): كتابة وإخراج دارين ستار، إنتاج "نتفليكس". متوافر باللغتين الفرنسية والإنكليزية، مع ترجمة عربية/فرنسية/إنكليزية.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم