"المطبخ" الفني الرحباني: أسرار تُعلَن للمرّة الأُولى
14-04-2023 | 00:00
المصدر: "النهار"
عبد الغني طليس ممّا لا يعرفه الجمهور، حتى جمهور الأخوين رحباني، أنّ المَأْلَفَة التي كانت تضج بالعمل الشعري والمسرحي والموسيقي عندهما، كانت مختَصَرة بهما، على قلّة ذكية جداً من المستشارين الذين أضافوا إلى المكان الذي هم فيه، الملاحظة النبيهة، والفكرة المُكَمّلة لأفكار أخرى، ومنهم المخرج صبري الشريف والفنان كامل التلمساني، على أن حضور الشريف كان أطول عمراً في التجربة الرحبانية، وأكثر فعالية. فقد فهم العقل الرحباني الإبداعي وكان يساهم في توجيهه أحيانا وجعلِه مثمراً أكثر، وقد ارتاح له الرحبانيّان بشكل كامل، كما أن حرصَه على صون صوت فيروز من أي خلل، بتدريبات مع معلّمين أفذاذ، وتنقية المسرحيات من أي مبالغات، والحفلات من أي نقص، أفسح له في المجال ليمر اسمه في ذكريات عاصي ومنصور مرات عدة مقرونة بعبارة "استفدنا منه كثيراً جداً، وكان فناناً صادقاً ومحترفاً".في قيادة الفريق الرحبانيهناك مرحلتان، الأولى من مطالع الستّينات حتى ١٩٧٢ تاريخ "إصابة" عاصي، كان عاصي متقدّماً بين متساويَين هو ومنصور. لهُ إمرةُ التنفيذ على المسرح. يأتي بمخرج ويجلس على يده في الإخراج. فيه مخرج يحاول أن يجسّد كل ما يطلع على رأسه في الرؤية المسرحية. المخرج يوسف شاهين كاد يهرب منه في اليوم الأول لتصوير فيلم "بيّاع الخواتم". يعطي رأيه ويقول تعليقاته بصوت عالٍ وأحيانا بسخرية فجة والجميع على المسرح. لا يعترف بذقن مُمَشّطة لأحد، أكبيراً كان أم مبتدئاً. فيروز من ضمنهم مع حفظ خط الرجعة كزوجة. هُدى من ضمنهم، والبقية. كانوا يخشونه لأن الغلط عنده ممنوع، وكان منصور يتولّى تهدئته كلما تجاوز الحدود في نبرته وتسلّطه. كان متسلّطاً لكن بقلب طفل. متواضع خارج الخشبة ويزعل من نفسه أحيانا، وحين يبتسم تنفرج أسارير الجميع. وَصَفَته فيروز في شريط تلفزيوني مرّة مع ريما بالقول، بعد صمت وآهة: "كان قاسي".بعد١٩٧٢ تقدّم منصور لقيادة الفريق، فكان أقل تشدًداً من عاصي في توجيه الملاحظات، وأكثر مداراة لفيروز والبقية والغلط ممنوع أيضاً عنده لكن كان يعطي خبزه للخباز من دون أن يسمح له بأكل نصفه. فالمخرج مثلا مسؤول يكلّمه منصور بما يريد ويترك له الكيفية. وفي التسجيلات الموسيقية دخل هنا الياس رحباني مساعدا فعالاً مع منصور، بعدما كانت مسألة التوزيع الموسيقي من قبل للأخوين معاً. مع منصور باتت فيروز تناقش أحياناً في شخصيتها على المسرح وتتدخل في بعض التفاصيل لسد نقص عاصي، وكان منصور يقدّر رأيها .يجدر هنا التنويه بالثالث الذي تعب واجتهد مع الأخوين، وشاركهما في بعض المشاهد التمثيلية تلحيناً، وفي الكثير من الأغنيات وهو أخوهما الياس (دخل في "المطبخ" بعد إصابة عاصي بالجلطة الدماغية (١٩٧٢) التي حجّمت دوره فجأة، فكان الإنقاذ بالياس) الذي له إبداعات موسيقية متميّزة ضمن المسرح الرحباني،- وكان الرفيق الدائم للأخوين رغم أنه كانت له أعمال مع فنانين كثُر في مسرحيات ومهرجانات وتسجيلات حتى أصبح اسمه ماركة مسجلة، وباتت ألحانه الأكثر شيوعاً بين مجايليه. بقي الياس أمينًا للعائلة وللأعمال المسرحية المنصورية ما بعد عاصي ("صيف ٨٤٠" نموذجاً) ليضع ثقله بعد ذلك، بما كان يشغله من قبل الإلتزام بأخوَيه، في مسرحيات يكتبها ويلحنها ويوزعها وتلقى جمهوراً واسعاً.مع الياس، في "المطبخ" الرحباني، كان زياد الذي ظل قريباً وبعيداً من تجربة الأخوين، ربما استعداداً لثورته المسرحية والموسيقية .وإذا كان معروفاً في عالم الإعلام، الصحف بالتحديد، واليوم في التلفزيونات، عن دائرة يسمّونها "مطبخ الجريدة"، ووظيفة هذا المطبخ تلقّي الأخبار والتحليلات والتعليقات والأسرار والمقالات كلها، وتنظيمها بالشكل اللائق من العنوان الرئيسي في الجريدة إلى الصفحة الأخيرة، فإن في التجربة الرحبانية المتميزة كان هناك "المطبخ" وكان عاصي ومنصور يديرانه في جميع فصول عمله بصبر وانتباه وعناد ونقاش مع الآخرين (ومنهم الشريف) قبل أن يتحول الشاعر سعيد عقل الى "معلّم" كما كانا يناديانه وينشرح هو للتسمية، وبعض الآخرين الذين كانوا يأتون ويذهبون، يغيبون ويعودون كلٌّ حسب قدرته على "الصمود" في "ضجيج" الموسيقى والشعر والمسرح، وحسب ما يسمح به عملُه من وقت. غير أن الأصل في المطبخ وصولاً الى الولائم البديعة على الخشبة كان من يدَي الأخوين .لم يكن تنفيذهما لمسرحية معينة، في لبنان أو في سوريا، أو لأيّ حفلات شرقاً وغرباً، حائلاً دون أن يبدآ عملاً جديداً...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول