الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

نسل واحد في بلدين

المصدر: "النهار"
راشد فايد
راشد فايد
من الحرب الأهلية اللبنانية.
من الحرب الأهلية اللبنانية.
A+ A-
حين دخلت القوات السورية لبنان ببركة عربية-أميركية وغطاء إسرائيلي واضح رسم خطوط تماس لحدود النفوذ والمجابهة، كان من مهامها المضمرة محو ذاكرة الحرب لدى اللبنانيين وإخراس من يجرؤ على الكلام في جذور "المؤامرة الكبرى"، التي سمّاها القيادي، آنذاك، في "الحزب السوري القومي الاجتماعي" هنري حاماتي، "التضامن العربي-الإسرائيلي على لبنان وفلسطين"، وأصدر كتاباً بهذا العنوان، "نُصح" على أثره بالهجرة.

يومذاك، داهمت القوات السورية، على التوالي، مكاتب صحف "بيروت" و"المحرر" ثم "السفير" فـ"النهار" وصادرت كل ما وقع تحت أياديها من توثيقات للأحداث، ولم ينفذ من بين أيديها سوى أرشيف "النهار" التي استشعرت إدارتها اقتراب الكارثة فنقلت الأرشيف إلى خزانة أحد المصارف المجاورة، قبل ساعات من انطلاق المداهمات.

"احتلّت" القوّات الغازية مكاتب الصحف، وصادرت ملفاتها، وطردت العاملين فيها، ومنعت الدخول إليها. ثم عادت الأمور إلى ما يشبه طبيعتها، بوساطات مختلفة، تتواءم والحيثية السياسية لكل مطبوعة.

كان ذلك في صيف 1976، وخلال تلك المرحلة الحساسة والحرجة، تجدّد القمع السوري للإعلام اللبناني، وبعد فترة من المواجهة السياسية والميدانية بين منظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين، وتحديداً "الحركة الوطنية اللبنانية"من جهة، وبين نظام الأسد وجيشه من جهة أخرى، أقدم مئات من جنود الوصاية على إحراق مقرّي جريدتي "بيروت" و"المحرر" المتجاورين، ما أدّى إلى استشهاد عدد من العاملين والصحافيين.

يومها حاصر نحو 100 جندي من الجيش الغازي مقرّي الجريدتين، وأصابت القذائف والرشاشات المبنيين في معركة استمرت 10 ساعات مع حراس الأمن سقط فيها عدد من الجرحى وأربعة قتلى من بينهم مدير تحرير صحيفة "المحرر" اللبناني نايف شبلاق، والمصري إبراهيم عامر الكاتب في صحيفة "بيروت".

كان جواب القيادة السورية عن سؤال عمّا جرى، أن "عناصر غير منضبطة" قامت بالأمر وستنال عقابها. كان لافتاً ومثيراً للسخرية وجود عناصر غير منضبطة في جيش نظامي، لكن الأعاجيب ممكنة مع النظام السوري، وأساليبه لمصادرة القرار الوطني اللبناني.

وردت هذه الواقعة على الذاكرة، حين عرضت نشرات الأخبار المسائية، يوم السبت الفائت، ما شهدته بلدة الصرفند الساحلية الجنوبية، من اعتداء سافر على مجموعة مرشحين أرادت أن تعلن لائحتها لخوض الانتخابات النيابية في المنطقة المعنية، وسبق لمجموعة أخرى، ربما "شقيقة" الأولى، أن اعتدت على محامية مرشحة في الدائرة ذاتها التي يرث رئيس مجلس النواب نبيه بري نفسه فيها، باستمرار منذ ما بعد "اتفاق الطائف".

اعتاد اللبنانييون، منذ غزوة 7 أيار الشهيرة، على استخدام أصحاب الهيمنة المسلحة تعبيرات مشابهة لـ"عناصر غير منضبطة"، منها "البيئة الحاضنة" و"الأهالي" و"المقاومة"، ولكل منها "ظروف" استخدام خاصة، ففي غزوة بيروت والجبل كانت "المقاومة" كأن من جابهتهم إسرائيليون، وفي الهجوم على لجنة التحقيق الدولية في الجنوب كانت "البيئة الحاضنة" من صادر الوثائق وملفات التحقيق وأجهزة الحاسوب، وغيرها، بينما من يعترض دروب قوات "اليونيفل" هم من "الأهالي" البسطاء، ويكاد الثنائي الشيعي يصفهم بالسذّج، أو "ضعاف العقول".

لكن الناس لم يصدّقوا، بالأمس، يافطة "عناصر غير منضبطة"، ولم تصدّق بعدها يافطات الدويلة، ولن تصدّق غداً ما يُنسج على منوالها، حتى لو نجحت "السحاسيح"، ربما، في تغيير رأي البعض. فـ"النسل" واحد، و"الدم لا يكذب"، على قول المثل الفرنسي.


[email protected]
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم