الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

محمد بيضون السياسي الاستثنائي والمفكر الموسوعي وحامل أسرار لمراحل الحساسة

المصدر: "النهار"
ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
محمد بيضون.
محمد بيضون.
A+ A-
بهدوء تام رحل النائب والوزير والقيادي السابق في حركة امل محمد عبد الحميد بيضون تماما كما دخل ذات يوم من اربعين عاما عالم السياسة ليحتل فيها مكانة مرموقة .

اختار في مطالع الثمانينات من القرن الماضي ان ينتسب الى حركة امل التي كانت يومذاك تكتنز حضورا وتثبت تاثيرا في المسرح السياسي بعدما تراخت قبضة الحركة الوطنية بعد الخروج الفلسطيني من لبنان ، وبعدما تولت المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي وقررت منازلة عهد الرئيس امين الجميل .في تلك الحقبة اخذت حركة امل قرارا في مؤتمرها العام المنعقد في بيروت قرارا بتكليف رئيسها نبيه بري بالبحث عن نخب شيعية متنورة من خارج اطارها التنظيمي ترفد العقل السياسي للتنظيم الذي يعود تاسيسه الى مطالع السبعينات . فكان بيضون اليساري النشاة كما غالبية ابناء جيله واستاذ الرياضيات في الجامعة اللبنانية فوجد التنظيم في بيضون ضالته المنشودة مع مجموعات شخصيات اخرى ما لبثت ان انسحبت تدريجا . الامر كان يومها بمثابة ملء لفراغ حل بعدما كانت النخبة المشاركة بالتاسيس مع الامام موسى الصدر قد غادرت تدريجا خصوصا بعد اختفاء المؤسس والمرشد والملهم .انضم محمد مباشرة الى المكتب السياسي الجديد للحركة والخليط بين قدامى صاعدين تنظيميا واخرين مستعان بهم من خارج الاطر التنظيمية .نجح محمد في امرين "الصمود " في وجه اعتراضات الحركيين الاصيلين على الرجل "قليل الالتزام الديني " وفي اكتساب ثقة رئيس الحركة به واعجابه بادائه وقدرته على الحراك والتنظير والتحليل والخطابة .

وبسرعة قياسية اثبت الرجل حضوره فصار رجل المهمات الصعبة عند بري وصلة وصل موثوقة مع الخارج ومتولي الملفات الدقيقة والمعقدة خصوصا ان الحركة كانت في تلك الحقبة قد دخلت في مواجهات دائرية مع الفلسطينيين(حرب المخيمات ) ثم مع اليسار ( حرب العلمين ثم حرب بيروت ولاحقا مع حزب الله ( حروب الضاحية وبيروت ) .

واكثر من ذلك عد محمد دوما المنظر الفكري والثقافي للحركة وصائغ مواقفها السياسية وكاتب بيانات مكتبها السياسي ومدبج وثائقها .

المكافاة الاولى لهذا الرجل الاستثنائي اتت من خلال تسميته رئيسا لمجلس الجنوب ثم تسميته نائبا عن صور المنتمي الى احدى بلداتها ( شحور)وبعدها تولى وزارات عدة على مدى اكثر من عقد ونصف من السنين .

ولحد الان تتعدد التكهنات وتنسج الروايات عن الاسرار المكتومة التي ادت الى الصدام بينه وبين الرئيس بري والذي انتهى بقرار من رئيس الحركة بابعاده عن التنظيم ابان كان وزيرا في عام 2005.

ولكن ما يعرف ان الرجل انطلق من يومها في رحلة عداوة طويلة للرئيس بري شخصيا .واللافت ان الاخير كان يحرص على عدم الرد عليه او الدخول في مساجلة معه .

وعلى رغم ان بيضون استنكف لاحقا عن الترشح للنيابة لادراكه المخاطر ، لكنه خاض تجربة العلاقة مع الحريرية السياسية ، لكنه لم يلبث ان غادرها سريعا اذ انه لم يقتنع بها ولاهي وجدت مفيدا لها الافراط في ازعاج بري والمضي بعيدا في الاشتباك معه عبر الاستعانة ببيضون .

من يومها انكفا الرجل ليكتفي بامرين اطلالات اعلامية يطرح فيها رايه بالتطورات والاحداث ودوما من منطلق النقد والتجريح بالثنائي الشيعي ، ومجالس انس سياسي يومية مع نخبة من الاعلاميين وسياسيين ورفاق درب فضلا عن صيرورته مرجعا للاعلاميين يجدون دوما عنده زادا معرفيا لايستهان به مواكبا لتفاصيل الاحداث .

.وعلى هذا المنوال نسج لسنين عدة الى ان اصيب بعلل شلت حركة هذا الرجل الموسوعي واسكتت لسانه عن التنظير وجاءنا بالامس نعيه .

رحم الله هذا السياسي والمفكر النادر وصاحب الجلسات الراقية والحضارية والاراء الخلاقة والمتطورة .

انه سياسي استثنائي بكل المقاييس ولكن السياسة دوما جاحدة وظلومة .

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم