لمصرَ أم لربوع الشام تنتسب؟حافظ ابراهيمكان اللبنانيون المهاجرون الى مصر في القرن التاسع عشر يتدربون بعد وصولهم بأشهر طويلة على لفظ حرف الجيم مخففاً على الطريقة المصرية. وعندما يعودون إلى هنا يمضون فترة أطول في التدرب على الجيم نفسه مغلّظاً بالشدة الجبلية. لكن مهما اتقنوا لعبة العودة كانت تبقى في حناجرهم رنّة النيل، ويبقى فيها نغم المتوسط، وبِهِما يُعرف العائدون مهما حاولوا التخفّف من أثر الهجرة.في تلك الأيام، كان هناك طريق واحد للسفر هو البحر، سواء كانت الرحلة الى البرازيل والارجنتين على أطراف الكرة الأرضية، أو الى مصر، أقرب المرافىء والملاذات. ولأعوام عدّة كان اول ما يُطالع اللبناني العائم مرفأ دمياط، فيستقر فيها ويستدعي الاشقاء والأقرباء الى الديار المصرية. وعندما فقدت دمياط مكانتها الاقتصادية، أصبحوا يبتعدون نحو بور سعيد والإسماعيلية وغيرهما، إلى ان حلّت الاسكندرية محلّ كل مرفأ ومدينة، وصارت هي الثغر الجميل وعروسة الثُغُر الأخرى. ولم يعد اللبناني يكلّف نفسه مشقة البحار والمحيطات للوصول الى موطن الرزق والحرية بعيداً عن الاتراك، بل صار يرسو في الاسكندرية سعيداً ولو اضطر الى ترديد الأغنية التي تشبه السّمبا البرازيلية في الخلط بين الفرح والحزن. "يا بنات اسكندرية عشقكم حرام".سافروا تجاراً ميسورين لا عمّالاً كادحين وأساتذة جامعيين ومفكرين وأدباء. وازدهروا مع ازدهار حواضر المشرق، أو بالاحرى، أساكلها، كما سمّاها الفرنسيون لكي يميزوا بين المدن التجارية والمدن الأخرى. ولم يغيّر المهاجرون في عاداتهم فانقسموا كما هو مألوف الى فئتين: فئة تحمل الكشّة، وفئة تحمل الريشة.وقد طغى ذكر الشوام...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول