الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

وحدهم "البازاريون" ورجال الدين يُنجِحون الاحتجاجات الشعبية

المصدر: "النهار"
سركيس نعوم
سركيس نعوم
طهران (أ ف ب).
طهران (أ ف ب).
A+ A-
لا يزال اللبنانيون المراهنون على الاجتماع الخماسي الذي استضافته باريس أخيراً وضمّ إليها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر ينتظرون بياناً لم يصدر يتضمّن نتائجه،, إذ كانوا يتوقعون موقفاً واحداً يسهّل إنهاء الشغور الرئاسي في بلادهم الذي تسبّبت به أحزابهم وزعماؤهم والمرجعيات الإقليمية والدولية التي يستندون إليها. لكن هذا البيان قد لا يصدر ولا سيما بعد انقضاء زهاء أسبوع على الاجتماع المذكور أعلاه، وإعلان مسؤولين فرنسيين على صلة به أنه اجتماع "تكنوقراط" يمثّلون بلدانهم لمجرّد البحث في الأزمة اللبنانية ووسائل وضعها على سكة الحل بانتخاب رئيس للجمهورية ثم تأليف حكومة تتعاون مع مجلس النواب على وضع خطة إصلاحية معيّنة، ومن دون ذلك لا حلول فعلية لأزمات لبنان، علماً بأن الزملاء الإعلاميين المتخصّصين بتغطية أخبار "فرنسا اللبنانية" يحاولون إعطاء انطباع بأن بحثاً لا يزال يدور بين الدول الخمس حول إصدار بيان يعكس مناقشاتهم الأخيرة، علماً أيضاً بأنهم عكسوا بدقّة الاختلافات بين ممثليها في الاجتماع المذكور حول قضايا عدّة، وعلماً أخيراً بأن بعضهم كما بعض الديبلوماسيين الفرنسيين عكسوا بإخبارهم للإعلاميين اللبنانيين أجواءً تؤكد أن علاقة أوروبا بإيران الإسلامية عادت الى تردٍّ جديد بعد الاحتجاجات الشعبية فيها على السلطة والنظام وممارسات أجهزتهما، وبعد مساعدتها روسيا في حربها على أوكرانيا بتزويدها مسيّرات حربية جعلت موقفها العسكري في الحرب المذكورة أقوى، كما بعد الاتفاق معها على ما تردّد من جهات دولية عدّة على بناء مصانع للطائرات المذكورة فيها أي روسيا وعلى تعاون في مجال صناعة الصواريخ الباليستية. هذا عدا الانزعاج الأوروبي الكبير من إقدام إيران على احتجاز مواطنين أوروبيين مقيمين في إيران بعضهم إيراني الأصل بحجة أنهم ينتمون الى أجهزة أمنية دورها مهم في الاحتجاجات المشار إليها.

طبعاً لا أحد يشك في صحّة المعلومات والتحليلات المذكورة. لكن عدداً من متابعي علاقة أوروبا بإيران الإسلامية ودور دول فيها في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي الموقّع بينها وبين أميركا في حضور شهود دوليين كبار وبعد توقيعهم أيضاً لا يوافقون على مقولة أن أوروبا باتت الآن أكثر تشدداً مع إيران بعد غضّها النظر طويلاً عن تدخلها الإقليمي وتهديدها الجدّي لها أي لأوروبا، إذ يعتقدون استناداً الى معلومات توافرت لهم أخيراً أن إحياء "النووي" عادت الحياة إليه وأن الجهات الأوروبية والعربية التي ساعد بعضها سابقاً في التوصل إليه مثل سلطنة عُمان والتي يُساعد بعضها الآخر ومن زمان في تذليل صعوبات العودة الى استكمال التفاوض حول هذا الموضوع لإنهائه ومنهم قطر وعُمان أيضاً في وقت واحد، يعتقدون أن احتمالات النجاح على هذا الصعيد ليست قليلة. ولا تبدو إيران منزعجة من ذلك أو غير مهتمة، بل على العكس من ذلك فإنها أعلنت أخيراً وأكثر من مرة استعدادها للعودة الى التفاوض وشرطها الوحيد إذا جازت تسميته كذلك هو إظهار المفاوض الأميركي "الجدية" اللازمة، علماً بأن الأخير يشترط الأمر نفسه على إيران. في هذا المجال تفيد معلومات باحث جدّي في مركز أبحاث أميركي مهم أن "تأكُّد" المسؤولين الإيرانيين من أن الاحتجاجات الشعبية البادئة فيها منذ خمسة أشهر وفي معظم محافظات بلادهم ومدنها الكبرى وحتى عاصمتها طهران قد بدأت تسير بتدرّج وبطء نحو نهايتها. يعني ذلك أنها لا تزال مستمرة ولكن بوتيرة أضعف في مناطق الأكراد والبلوشستان السنّة لكن ليس في العاصمة وفي المراكز الدينية المهمة مثل مشهد.
 
ما سبب توقّع الانكفاء التدريجي للاحتجاجات الشعبية في إيران؟ تفيد معلومات الباحث نفسه أن المحتجين لا يتمتعون على ما يبدو إلا بدعم محدود من الجهات الأكثر رسوخاً التي تمتلك موارد مهمة جداً داخل المدن المذكورة مثل "تجار البازار" وطبقة رجال الدين. فالـ"بازاريون" شاركوا أوائل كانون الأول الماضي في تظاهرات العديد من المدن الإيرانية وخصوصاً في إضراب طهران العاصمة الذي استمر ثلاثة أيام. ورغم إظهار هؤلاء السخط على الحكومة فإن الدعم الكامل الذي قدّموه، أي "البازاريون"، كان أقل وأضعف بكثير من الذي قدّموه في شهر أيلول 1978 في أثناء الثورة الإسلامية الإيرانية. لهذا يواجه المحتجون اليوم صعوبات مهمة في تأمين ملاذات آمنة. أما رجال الدين فقد انتقد بعضهم في قم قرار القضاء إعدام مشاركين في الاحتجاجات لكن تعهدات بتأييد قم ومشهد للاحتجاجات لم تظهر، علماً بأنهما قلب القاعدة الرمزية للنظام. وهناك تحالف استراتيجي وعميق بين "البازاريون" ورجال الدين يعود تاريخه الى ما قبل الثورة الإسلامية الأخيرة. وسُمّي الفريقان "التوأم الذي لا ينفصل" يوم قاما بدور مهم في الثورة الدستورية بين 1905 و1911 وفي انقلاب 1953 وانتفاضة 1963 والثورة الإسلامية الأخيرة والمستمرة. ربما يقلق رجال الدين من المطالب العلمانية للمحتجين، لذلك كله لا يُحتمل أن يعارض "البازاريون" ورجال الدين معاً النظام في بلادهم من أجل مستقبل غير مضمون. وقد يكون أحد أسباب هذا الموقف عجز الاحتجاجات عن إنتاج قادة مؤدلجين قادرين على وضع رؤية موحدة للحكومة الإيرانية وللدور المستقبلي للجماعات التاريخية خارج نظام ولاية الفقيه. خلاصة القول، يشدد الباحث نفسه، يعتمد نجاح الاحتجاجات على رسم رؤية محددة المعالم لمستقبل إيران يكون للمجموعات التاريخية فيها أي رجال الدين و"البازاريين" دور ومكانة في نظام مستقبلي لا ولاية فقيه فيه. ربما يكون العراق مستقبلاً أنموذجاً يمكن احتذاؤه حيث للنجف الأشرف التاريخي دوره الديني المستمر وحيث للدولة دور آخر فيه من "المدنية" لا العلمانية الشيء الكثير.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم