لا تطلب المستحيل كي لا يكون قبولك بالواقع هزيمةجان عبيدكلما اقترب العهد من نهايته، تعقدت الأمور السياسية، وزادت العقبات أمام تأليف الحكومة، وتشنج الخطاب، وعظم المصاب، فيما تتدهور الأحوال المعيشية والأمنية، ويذهب الناس أفواجاً إلى الانتحار البحري المتعمد، أو إلى استيفاء ودائعهم بالاقتحام المسلح؛ وبدلاً من أن يكون أهل السياسة حيال هذا التردي، في حالة استنفار وتواصل لابتكار الوسائل العاجلة والناجعة للحفاظ على ما تبقى من كيان الدولة، تراهم في شغل عن كل هذا، منصرفين إلى فرز الأوراق البيضاء وتفنيدها، واحتساب الأصوات الغامضة، في عملية عبثية يعرفون سلفاً أنها غير منتجة لأن الانتخابات الرئاسية لن تحدث في ظل ميزان القوى الراهن، وافتقاد التوازن الوطني.وإذا دققنا في تعاظم الحملات المطلبية، ظهرت لنا غلبة الحركات القطاعية على حساب تحرك شامل يُذكِّر بانتفاضة تشرين، وهذا يثلج قلوب الحكام الفرحين بتأجيج اشتباك فئات المجتمع بعضها مع بعض، وبحث كل منها عن حلولها الخاصة، بتغاضٍ عجيب عن رؤية أصل المشكلة الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن ازدواج السلطة المتمادي، وربط الحل الداخلي بالدور الإيراني، والانزعاج الخليجي، والتربص الإسرائيلي، و"الرعاية" الأمريكية لهذا كله.في "ملحمة الحرافيش" للروائي نجيب محفوظ المنشورة في العام 1977، استشعر "عاشور الناجي"، أن الطاعون بدأ بغزو الحارة، فآثر الارتحال بعائلته إلى قفر بعيد، فسمي الناجي لنجاته، على غرار سيدنا نوح عليه السلام.لكن "الناجي" يعود إلى حارة الحرافيش بعد انحسار الوباء لتدور الروايةُ بعد ذلك في إطار شخصيات وأحداث وتفاصيل غائصةٍ في فكرة تواتر الأجيال وضياع الأصول، واندساس العروق، ويحضر الدين أيضاً كالروح الذي لا يستطيع الإنسان إخراجه من بدنه رغم التمرد عليه ومخالفة تعاليمه.هكذا أيضاً في دولة الحرافيش اللبنانية، تسعى الفئات والطوائف والقطاعات إلى "عاشورها" لينجو بها في حي خاص، في الوقت الذي يخترق...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول