السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

جوزف حرب "هنا والآن" في "غاليري جانين ربيز": كلّ هذا الموت

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
من معرض "هنا والآن".
من معرض "هنا والآن".
A+ A-
تستقبل "غاليري جانين ربيز" ابتداء من السادس من نيسان معرضًا لأعمال الفنّان جوزف حرب تحت عنوان "هنا والآن"، يندرج في سياقات تجاربه واختباراته التشكيليّة المتنوّعة، أكان ذلك في مجال الرسم على القماش وسواه، أم في مجال النحت بالطين والجفصين، فضلًا عن الأعمال المركّبة والتركيبيّة.

لن يتأخر المتلقّي في إيجاد روابط وثيقة الصلة، تشدّ المعرض الجديد إلى ما سبق للرسّام النحّات أنْ عكف عليه رسمًا ونحتًا وتركيبًا منذ بداية التسعينات، في معارضه الشخصيّة، كما في مشاركاته من خلال المعارض الجماعيّة في متحف سرسق وسواه. وهذا إنْ دلّ على شيء، فعلى رؤيةٍ تتكامل تباعًا لديه، يغتذي بعضها من بعض، في حركيّةٍ اختباريّةٍ واختماريّةٍ متواصلة، تتوق دومًا إلى مقاربة الشرط الوجوديّ وملامسة أسئلته ومواجعه وهواجسه الإنسانيّة والفنّيّة، بالتفاعل المرير والمؤلم والساخر مع ناسه وشخصيّاته ورموزه وتجلّياته من جهة، ومن خلال الاستقواء بجدّيّة اللغة وعفويّتها وبدائيّتها، ومتانة التعبير وعمق انطباعاته من جهةٍ ثانية.
 
أرى في المعرض وجوهًا وأيديًا وأصابع مبتورة ومشوّهة وأقدامًا وأعضاء أخرى وبعضًا من أجسام. في أحيانٍ قليلة، أرى أجسامًا مكتملة، تتشارك جميعها في كونها منهوكة القوى، خائرة، متعبة، تائهة، متأوّهة، صارخة (بلا صوت)، صامتة، بكماء، وناظرة في عدم. جميعها تنخرط في وجودها الفنّيّ والدلاليّ، لتقول بتعبيريّةٍ عفويّةٍ وتلقائيّةٍ، كم أنّ الرؤوس المفكّرة المطأطئة مثقلةٌ بأتعابها اليوميّة وهمومها الفلسفيّة، وكم أنّ أسئلتها لا تنفكّ عن كونها أسئلةً ممضّة، وكم أنّ إشكاليّة الحياة شاقّة، وعرة، وغير ملساء، حدّ الخروج بخلاصةٍ فحواها ما يقوله صموئيل بيكيت: أنتَ على هذه الأرض، ولا مفرّ من ذلك.
 
أحقًّا، أنتَ عالقٌ، أيّها الإنسان (والفنّان) في المأزق، مأزق الوجود؟ أحقًّا لا خلاص؟ لكنْ، إذا كانت تلك اليد الطينيّة المرفوعة إلى فوق (إلى أين؟!) تعبّر عن أنينٍ لا يُحتمل، وذلك الوجه المسجون في وعاءٍ زجاجيّ يختنق بلسانه، وبصوته، وذلك الرجل (العاري) الفاتح فمه والناظر في عدم، والمشرّع ذراعيه على مداهما، تأكيدًا للعجز البشريّ أمام هول المأزق، أليست منحوتة الوصال (الجنسيّ) تعبيرًا مضادًّا عن لحظة ضوءٍ ونشوة، في خضمّ هذا الرعب الوجوديّ العميم؟! يعنيني شخصيًّا أنْ أعثر في المعرض على تأويلٍ (افتراضيٍّ ربّما) لعملٍ فنّيٍّ واحدٍ يتحدّى – بشغف – كلّ هذا الموت، وكلّ هذه التعبيرات البدائيّة الهالكة والمبتورة التي تجعلني "مريضًا" من فرط الوجع.
 
ما أستطيع تأكيده أنّ منحوتات جوزف حرب ورسومه لن تترك زائر المعرض يفلت من براثنها، ولن تسمح له بأنْ يخرج لامباليًا أو حياديًّا، بل سيخرج من الزيارة متورّطًا بأحاسيسَ وانفعالاتٍ ومشاعرَ وتخييلاتٍ وتأويلاتٍ تلفّها الصدمة التشكيليّة الناجمة عن صدمة الوجود التي يلحّ النحّات والرسّام على حفر ارتجاجاتها وارتداداتها في أعماق العقل والنفس. لكأنّ الفنّان يقول لي باستحالة فكّ الرابط الذي يدمج ما بين الرسم والنحت والمعاناة الاجتماعيّة في آنٍ واحد.
هل من إضافةٍ تُزاد على أعمال جوزف حرب السابقة؟ لا بدّ. فهي تأتي بشكلٍ تلقائيّ، كما تأتي محمولةً على بساط الأسئلة والتساؤلات التي يطرحها كلٌّ من الفنّان والمتلقّي. والحال هذه، لا بدّ من أنْ يؤتي العمل التشكيليّ الاحترافيّ الكامل ثماره، من خلال التكامل التدرّجيّ بين العفويّة والقصديّة. وهذا ظاهرٌ في أعمال المعرض.


[email protected]



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم