السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

حرب تمّوز 2006: إدانة عربية لإسرائيل وشكوك في دوافع "حزب الله" (2)

المصدر: "النهار"
أحمد عياش
أحمد عياش
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
يواصل أحمد أبو الغيط في كتابه "شهادتي" حول السياسة الخارجية المصرية (2004-2011) عندما كان وزيراً لخارجية بلاده، رواية أسرار حرب تموز 2006. فبعد حلقة أولى عن بدء هذه الحرب، تنشر "النهار" حلقة ثانية، الآتي نصّها:

اطلعت على أول تقارير مجموعة العمل التي شكلتها قبل ظهر اليوم (12 تموز 2006). ويشيرون الى زيارة من وزير خارجية إيران للبنان وكذلك نصرالله الى طهران. ويلمح التقرير في خلاصاته أن هذه الزيارات كانت في إطار الإعداد لمواجهة في لبنان في الصيف. كنت أشعر بالضيق الشديد من عواقب هذه العملية العسكرية الإسرائيلية القادمة. كنا نرتب للقاء بين السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية والرئيس الأسد، واقتنعت عندئذ أن المسألة لن تتحقق في ظلال هذا التطور. وكان الرئيس مبارك يتحدث مع الأسد منذ زيارة الأخير لشرم الشيخ في 18 حزيران 2006، عن الكيفية التي يمكن من خلالها تحسين مناخ العلاقة السورية اللبنانية وتحديد خط الحدود بين البلدين، وبما يساعدهما على تجاوز مشاكلهما.
 
استأذنت الرئيس مساء يوم 12 تموز في إحاطة السعوديين بالموقف، وأن علينا أن نتوقع فترة صعبة نتيجة لما كنا نراه من عمل عسكري إسرائيلي أهوج، ووافق. وإتصلت بالامير سعود الفيصل لكي ألتقي به ظهر اليوم التالي، وأجاب بأنه يسعده وصولي الى جدة في الوقت الذي نحدده.

استقبلني سعود الفيصل على أرض المطار العسكري لجدة، وقاد السيارة بنفسه الى منزله الواقع على أحد شواطئ جدة، وكان المنظر خلاباً. أحطته علماً بنتائج زيارتي في اليوم السابق الى دمشق، ورؤيتنا في مصر حول ما نتصوره عملاً عسكرياً إسرائيلياً بالغ العنف ضد لبنان، وتحذيرنا للسوريين من الانجراف في مواجهة مع إسرائيل، وأكدت له أن مثل هذه المواجهة، إذا ما وقعت، ستضع مصر في صعوبات وضغوط. من هنا كانت رغبتنا ألا تحاول سوريا أن تتصرف بشكل يلحق بها أضراراً. طلبت من الأمير سعود أن يتحرك هو الآخر مع الأميركيين لإقناعهم بالسيطرة على ردود الفعل الإسرائيلية، وأن يحذروا السوريين من الوقوع في الحسابات الخاطئة. وأشرت الى ما جاء على لسان وليد المعلم من عدم استبعاد مسؤولية إيران عن تشجيع حزب الله للقيام بهذه العملية التي رأيتها في حينه فارغة من أي محتوى وضارة تماماً بلبنان وربما بسوريا أيضاً.

أوضحت ردود فعل الأمير السعودي، أنه لا يستشعر الرضا من مواقف سوريا، وأن علاقات دمشق بطهران قد أصبحت تمثل عنصراً ضاغطاً على الرؤية السعودية تجاه سوريا، كما أن اغتيال رفيق الحريري، مثّل بالنسبة للسعوديين إهانة لا تغتفر، وأن العملية العسكرية لحزب الله تتسم بعدم تقدير المسؤولية وخطورة ما ستتسبب به. وذكر الامير السعودي أنه سيتصل بالاميركيين لكي يحاولوا التأثير على إسرائيل.

بعودتي الى القاهرة في المساء، كانت العمليات الجوية الإسرائيلية، وقصف الحدود، قد انطلق من عقاله من الجانب الإسرائيلي. وتقرر عقد اجتماع عاجل لوزراء الخارجية العرب، وهو انعقد فعلاً يوم 15 تموز. وشهد الاجتماع صداماً حاداً بين السعودية وسوريا. وانتقد السعوديون مواقف هؤلاء الذين تحدثوا عن حق المقاومة من جنوب لبنان، وفي الوقت نفسه حظرها من أراضي الجولان. كما انتقد البعض، من مجموعة دول الخليج، تحرّك المقاومة وحزب الله في جنوب لبنان، بدون تنسيق مع أي من القوى الداخلية بلبنان أو مع الدول العربية. ولم يكن أمام وليد المعلم، وزير خارجية سوريا، إلا إدانة الهجمة الإسرائيلية دون تعرضه بشكل من الاشكال في الدفاع عما قام به حزب الله. كانت سوريا حتى الوقت تبقي على مسافة واضحة بينها وبين العملية العسكرية التي قام بها حزب الله. وأوضحت مواقف قطر أنها تقف مع الجانب السوري في حذره، ولكن أيضاً في تفهمها للعملية اللبنانية، وربما أيضاً لإغاظة السعودية.

وكان الوفد المصري قد أعد مشروع قرار يمكن تقديمه أمام الاجتماع الوزاري، وعلى ذلك تدخلت بطرح نقاط عدة تبناها الوزراء العرب وتمت صياغتها في قرار يمكن تبنيه من قبل الاجتماع.

طالبت بطبيعة الحال، بإدانة العمليات العسكرية الإسرائيلية التي كانت بالغة الحدة والعنف، وإدانة التعرّض للمدنيين من الجانبين. كما اقترحت مخاطبة مجلس الامن للتدخل الفوري لوقف القتال، وأشرت الى أهمية استعادة إيقاع البحث في التسوية السلمية للنزاع العربي/ الإسرائيلي.

أوضحت تدخلات الوزراء العرب، أن هناك قدراً من عدم الثقة في دوافع حزب الله وأهدافه من وراء هذه العملية. وسافرت الى واشنطن لعقد جولة متفق عليها من الحوار الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة. وكشفت لقاءات واشنطن، أن الجانب الأميركي ليس في عجلة من أمره للتدخل لوقف إطلاق النار. وتحدثت مليّاً مع كونداليزا رايس داعياً الى ضرورة تحرّك مجلس الامن وعدم السماح بعمليات القتل والتدمير مثلما شاهدناها على شاشات التلفزيون. كنت أعلم أنهم في واشنطن ينظرون الى هذه العملية اللبنانية، وأقصد بها ما قام به حزب الله، باعتبارها حرباً بالوكالة من جانب إيران التي تسأل عنها وأهدافها، وبالتالي فهم لا يمانعون في واشنطن أن تتم هزيمة الحزب. وكنت من جانبي أقول لهم، إن إسرائيل لن تحقق أهدافها، وإن إتاحة الوقت لها سيؤدي فقط الى خسائر في الأرواح وغضب عربي إسلامي عميق.

ووضح أن الاميركيين يسيرون في اتجاه مضاد لتفكيرنا في مصر. وبالعودة الى القاهرة من واشنطن، كنت قد قمت بضبط صياغة الموقف المصري الذي كان يطالب بوقف لإطلاق النار وانسحاب فوري للقوات الإسرائيلية من أراضي لبنان مع تبادل الاسرى اللبنانيين بالجنديين الإسرائيليين. تضمن الموقف أيضاً، طلب زيادة قوات حفظ السلام الدولية الموجودة في جنوب لبنان منذ عام 1978، والسماح لقوات الجيش اللبناني بالتواجد على خط الحدود اللبنانية الإسرائيلية واحترام جميع الأطراف للخط الأزرق. تطرق موقفنا الذي أعلناه إعلامياً، وتحدثنا به مع كل الأطراف، إلى أهمية التدخل العربي والدولي لتطبيق القرار 1559 وتأمين المصالحات الداخلية بين اللبنانيين نتيجة لاغتيال الحريري. وأخذت في الأيام التالية، وفي كل اللقاءات مع العديد من الوزراء الأوروبيين وغيرهم أعبّر عن انتقاد الموقف الأميركي الذي يطيل أمد الحرب. ومع المطالبة بقيام جميع القوى بالضغط على الاميركيين الذين يمكنهم تهديد إسرائيل باللجوء الى مجلس الامن واستصدار قرار حاد يطلب وقفاً فورياً لإطلاق النار. وأوضحت للجميع، وكانت القاهرة في هذا الوقت تستقبل عدداً كبيراً من وزراء الخارجية والمسؤولين الأوروبيين وغيرهم، أن الاميركيين يعملون على إتاحة الوقت لإسرائيل، وهي بالتأكيد لن تحقق الهدف من عملياتها. وكان الرئيس مبارك يبلغ كل من يلتقيهم أن إسرائيل تحارب معركة خاسرة، وأن جيشاً نظامياً يخطئ خطأً شديداً أن يدخل في حرب مع جماعات مدربة غير نظامية.


[email protected]




الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم