الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

الغذاء السّليم

الغذاء السّليم
الغذاء السّليم
A+ A-

كما يسري عطر الورود ويتغلغل في النّفوس، فإنّ ذكريات الإنسان تنفذ في قلبه دون استئذان، تستوطن حياته فلا يقوى على هجرها، لا سيّما تلك الّتي تمثّل جواز سفر طُبعت على صفحاته تأشيرات دخول إلى عالم الفؤاد. وحكايتي مع تلك الذّكرى رحلة مضنية في تاريخ ذاكرتي، رحلة محفوفة بالأسى والحزن، رحلة علّمتني دروسًا تضجّ بالحكم.

أصدقاء السّوء كالظّلّ يسيرون معك في الشّمس ويهجرونك إذا حلّ الظّلام. فالإنسان عندما يحاط بأتراب سوء يتأثّر بهم بشكل كبير بسبب حضّهم على فعل ما لا يريد القيام به، كما أنّ النّفس الإنسانيّة تتأثّر عندما يطرق على مسامعها ويداعب تطلّعاتها نصائح من أصدقاء تسبّب صداقتهم ألمًا في النّفس.

في ذلك الوقت، كنت على يقين بأنّ صحّة العقل في صحّة الغذاء، فكان الغذاء السّليم يمثّل منارة تبعث بأضوائها على الأمواج المتدافعة هديّة للسّفن إلى شاطئ الأمان. كنت أسير في طريق ثابت لا يعوقه خداع في تناول طعام مضرّ بالعقل والجسد.

كان همّي الأكبر أن أكون إنسانة فريدة يراها النّاس كحبّة ألماس، وأن أكون قدوة لأخوتي ما يمثّل لي النّور عندما تدحض شمس عمري كبد السّماء. ولكن ما حدث في ذلك اليوم لم يكن في الحسبان، فقد شعرت أنّني في قافلة أحياء يُقتادون إلى مثواهم الأخير، كما كنت أشبه بشخص وسط بحر عجاج ولا يعلم أيّ موجة ستكون مثواه المحتوم، عندما مرّ شريط الكلمات القاسي في خاطري، وجعلني مهزلة أمام أصدقائي: "انظروا إليها، ما زالت طفلة تحملها فراشة الأحلام على جناحيها، تحضّر كل يوم طبق خضار وآخر من الفواكه، مسكينة، تحرم نفسها من كل النكهات الشّهية كالتشيبس والشّوكولا على أنواعه". جعلني هذا الكلام مسمّرة في مكاني، فسالت دموع الألم عل خدّيّ ممزوجة بآهات كانت كفيلة بالتّعبير عن النّار الّتي تكويني، وأحسست أنّ نظام حياتي السّليم مزالق أهوي من فوقها.

حينها ضاقت بي السّبل، فكلام أصدقائي سال مسيل السّياط على جراحي، وما كان منّي إلا أن أخللت بنظام حياتي شرط أن يتوقف كلّ منهم عن السّخرية منّي، ففغرت ذلك الباب الّذي أغلقته لسنين طويلة، ورحت آكل وآكل يومًا بعد يوم، وأتناول كلّ ما تشتهيه عينيّ،

دون أن أدرك أنّ القلب تميته كثرة الطّعام كالزّرع إذا كثر عليه الماء. وانتقلتُ بعدها إلى عالم نقل شبابي مئة عام إلى الأمام، وصرت حبيسة الحزن والتّعاسة، وألقت الكآبة قبضتها القويّة عليّ، فقد عانيت من بطنة أفسدت بدني، وأورثت سقمي، فحقّاً صدق النّبيّ محمد (ص) بقوله: "ما ملأ آدميّ وعاءً شرّاً من بطنه". وعدت مجدّداً ضحيّة لسخرية رفاقي، ما زاد حزني وألمي وحسرتي، أهؤلاء أصدقائي الّذين وثقت بهم وعملت بنصيحتهم؟!

وضعت مشاعري في قفص حديديّ، وعدت إلى رشدي حيث وضعت خطّة محكمة تعيدني إلى ما كنت عليه، تعيدني إلى حياتي السّليمة والصّحيّة، فمنعت نفسي من تناول الطّعام بإفراط، وابتعدت عن تناول الحلويات والطّعام المشبع بالدّهون والمنكّهات، وبدأت بممارسة التّمارين الرّياضيّة حتّى عدت إلى ما كنت عليه، ولم أكتفِ بذلك، بل قلبت السّحر على السّاحر، فرحت أبيّن لأصدقائي سوء فعالهم ومدى الضّرر الّذي يلحق بهم من تناول هذه الأطعمة.

أيقنت منذ ذلك اليوم أنّ صديق السّوء بلاء عظيم، وأنّه علينا أن لا نعمل بنصائح رفقاء السّوء، وأن نبتعد عنهم إن لم ننجح في إصلاحهم، فعن الرّسول (ص): "الوحدة خير من قرين السّوء"، كما أنّني أدركت أهميّة تناول الغذاء السّليم على العقل والرّوح معًا قبل الجسد.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم