الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

نجوم زائفة

المصدر: النهار
نورهان البطريق
A+ A-

باتت الشهرة طوفاناً يلتهم صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، فقد أصبحت تسري بين روادها كالنار في الهشيم، فكل من يملك وقت فراغ يحاول أن يمضيه في عمل فيديو ليقوم بتحميله بعد ذلك في صفحته الخاصة، فليس المهم أن يكون له مضمون ولا أن يضم رسالة، إنما الأهم بالنسبة له هو أن يظهر بملامحه وهندامه حتى يحفظ المتابعون شكله الخارجي، ومن ثم يمكنهم التعرف عليه في الشارع والتصور معه، وبذلك يتحقق الهدف المرجو من المادة الفيلمية التي يقدمها دون النظر إلى مضمونها أو فحواها.

فالسواد الأعظم من فيديوات السوشيل ميديا تقوم على الهذيان والتفاهة، فمنهم من يحاول أن يستخفّ دمه إلى حد الاستظراف، لا لهدف غير أنه يحاول أن يجذب إليه أكبر عدد من المتابعين، فضلاً عن التعليقات التي يتناحر فيها المشاهدون بين مؤيد ومعارض والتي تصبّ أيضاً في مصلحة صاحب الفيديو. فكلما زاد عدد المشاركات كان الفيديو حديث الناس في صفحات التواصل، وليس ببعيد أن يصبح بعد أيام من نزوله "ترنداً" نظراً للضجة التي قد يحدثها بين ليلة وضحاها. كم من فيديوات أثارت الجدل وجذبت انتباه الكثيرين، بينما هي  في حقيقة الأمر لا تستحق كل هذه الشوشرة الإلكترونية. فلا أحد يخفى عليه قصة سارة و كايا اللذين كانا محط اهتمام العالم الافتراضي كله في وقت من الأوقات، والتي تحوّل بعدها صاحب الفيديو "كايا" إلى نجم تتهافت عليه القنوات التلفزيونية لإجراء حوار معه، فما إن حظي أحد البرامج بلقاء معه حتى شعر أنه حقق انفراداً للقناة التي ينتمي إليها، ولا أعلم ما الذي قدّمه للبشرية أو نفع به مجتمعه حتى يظهر على شاشات التلفزيون. وكأنه عالِم ذرّة أتى باختراع سيوقف به الحروب بين الدول.

فلم يقتصر الطوفان على الشباب فحسب، بل طال الفتيات أيضاً، فكل واحدة تصبو إلى الشهرة، كل ما عليها أن تتعرى أكثر مما تستر، وتضع من مساحيق التجميل ما يؤكد أنها عادت لتوها من سهرة قبل أن تظهر على متابعيها، وأن تتمايل يمنةً ويسرةً على أنغام إحدى الأغنيات الشعبية "حمو بيكا"، ولا مانع من بعض الإيحاءات والإيماءات التي من شأنهما أن يجعلاها نجمة في غضون دقائق بعد نزول أول فيديو لها، فالفئة التي ستصنع لها نسبة مشاهدة عالية لا تريد أن تسمع بقدر ما ترغب في أن ترى، فالأذن صماء، ولكن العين تستطيع أن تذكر لك كل تفصيل عقب انتهائها من مشاهدة الفيديو مباشرة.

لا أعفي أنفسنا من المسؤولية ،فنحن شريك أساسي في جعل كل من ليس له هدف ولا عمل نجماً  مشهوراً، فنحن جزء أصيل في جعل أصحاب الفيديوات يملكون قنوات على اليوتيوب، وفلورز على انستغرام، وفانز على الفيسبوك وتوتير .نحن الأداة التي يستغلها كل من يطمع في شهرة لا يستحقها في تحويل صفحاته الإلكترونية إلى تجارة يتكسب من ورائها المال إلى جانب شهرته. فبفضل الزر الذي تضغط عليه لتعبّر به عن إعجابك، يكون صاحب الشهرة المفتعلة يعقد صفقة يجلب منها مالاً مقابل رفع إعلان في صفحته عن منتج أو سلعة. أنت تكتب تعليقاً  وتنساه بينما هو يطلب منك الحضور لمكان ما، لأن مالكه قد نقده مبلغاً من المال لكي يحضر له أكبر عدد من الزوار من خلال متابعي صفحته. ليست لدي أيه مشكلة في أن شخصاً يركض وراء الشهرة، ولا أنه يسعى في تحقيق أرباح مادية من خلال صفحات السوشيل ميديا. المشكلة الحقيقية تكمن في ما يرغب الشخص في تقديمه. ما أوجه الاستفادة التي يمكن أن تتحقق من وراء تهكم وسخرية الشباب على أمور هشة لا جدوى منها؟! وما الفائدة من تراقص الفتيات أمام كاميرات الهواتف النقالة واللابتوب؟!

ثمة عورات بالأنظمة الإلكترونية لا سيما التي تندرج تحتها الفيديوات، وهي أنها متاحة للجميع في كل وقت ومن أي مكان، ما دمت تملك هاتفاً، افعل عدداً لا حصر له من الفيديوات، حتى أنه لا يوجد عدد مسموح حتى يمكن الحظر بعدها في حالة تخطي هذا الرقم. الأمر يحتاج إلى رقابة من قبل القائمين، لأنه لم يعد بالسهولة التي يتخيلها البعض، إنما صار بالغ الخطورة لأنه يمسّ صورة الفتيات، ففيديو واحد قادر على أن يخرب بيتها ويدفعها بالسقوط في هاوية الطلاق. كذلك الشباب،  فإن فكرته في أن يصير مشهوراً، كفيلة بأن تعطّله عن دراسته وتعوقه عن تحقيق أي نجاح في مجال عمله، فهي تشلّ  عقله عن التفكير، وتحجب عنه أحلامه التي يحلم أن يحولها إلى واقع بين يديه.

إذا كنت تملك فكرة تفيد الناس أو رأياً يعمل على إصلاحهم، حينها سخِّر كل إمكانات السوشيل ميديا لخدمة فكرتك، واجعل الشهرة أمراً ثانوياً، بينما هدفك الرئيسي هو منفعة من يقوم بمتابعتك، علّه يتعلّم منك عادة يعتادها فتقتسم معه أجرها، أو يقتبس منك حكمة يسير على نهجها فتصحح له مسار حياته، وتعدّل له من نظرته للحياة. وإذا كنت لا تملك، فإن دورك في مكان آخر بعيد عن السوشيل ميديا، حتماً  ستبرع في مجال لا أحد يجيده غيرك، وستصبح متفرداً بخاصة إذا أضفت إليه شيئاً  من الإنجاز والمهارة.

وتذكّر أن الشخص المشهور يظل وقتاً  معيناً  إلى أن يظهر غيره فيحل محله، آخذاً أضواءه وتاركاً إياه في عتمته، كما أن الفيديوات لها عمر إفتراضي، تنتهي مدة صلاحيتها بانتهاء عمرها. وأخيراً الناس تنسى سريعاً، فأحياناً لا تتذكر ما تناولته أمس من طعام، فلا تراهن على ذاكرتهم بشأن الفيديوات بخاصة أنها لا تحوي أي أمر مجدٍ حتى تستحق أن تكون عالقة بالذاكرة، فهي مجرد بضع دقائق تضم ثرثرة فارغة وضجيجاً صاخباً ثم سرعان ما ننتقل إلى فيديو آخر، وهكذا دواليك. الشهرة الحقيقة هي التي تبقى كظلك لا تنطفئ  أبداً، لأنها صنيعة يدك وناجمة عن جهدك وتعبك، لذلك لا يمكنها أن تذهب هباء، إنما تبقى مضيئة، وتدوم ما حييت دون أن تخشى فقدانها، لأنك تدري أثرها جيداً، وتلمس مدى واقعيتها دون حاجتك إلى عالم افتراضي يزجّ بها في طي النسيان عاجلاً أم آجلاً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم