الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

فرص العمل ومقتضيات تطويرها في دول مجلس التعاون الخليجي

مروان اسكندر
مروان اسكندر
A+ A-

دراسة فرص العمل في دول مجلس التعاون الخليجي تستوجب بداية تفحص أبرز خصائص أسواق العمل في هذه الدول ومن ثم استكشاف تأثير التطورات الفنية والاقتصادية العالمية على ممارسات الانتاج فيها والسياسات التي يجب اقرارها سواء بالنسبة الى شروط العمل، والتربية، او توجيه الاقتصاد الكلي نحو النشاطات الجديدة او المبتكرة.


- بداية، الظاهرة الاهم تتمثل في ان العمالة الاجنبية هي الطاغية في جميع بلدان مجلس التعاون الخليجي.
- الدولة هي المشغل الاول والمعين الاساسي في مجالات التأمين الصحي، والمنزلي، والتعليم وتالياً فان مناهج التعليم الرسمي تؤثر الى حد بعيد في مدى الاستعداد للمشاركة في العمل المنتج.
- الاعتماد على انتاج النفط والغاز والموارد المتأتية من المصدرين والصناعات المتكاملة مع هذا الانتاج، كشركات التكرير، النقل البحري الاختصاصي، صيانة المنشآت النفطية، المصانع البتروكيماوية، مصانع الاسمدة، وصيانة الناقلات، ومصانع الحديد والصلب والالومنيوم التي تحتاج الى كميات ضخمة من الطاقة، هي من السمات المميزة لدول مجلس التعاون.


- الدور الثانوي حتى تاريخه لمشاركة الاناث في عمليات الانتاج، وتركز نشاطات الاناث في التعليم والمصارف ودوائر الدولة، والى حد ما الخدمات الصحية، واستمرار النظرة الى الاناث على ان دورهن الاساسي هو كأمهات وربات الاسر، وهذه النظرة يؤمن بها 75 في المئة من الرجال الراشدين، وتنحصر نسبة تقبل هذه النظرة من النساء الراشدات بـ22 في المئة.
- انفتاح تدريجي ومتأخر نسبياً على الخدمات المتعولمة كالسياحة، والنقل الجوي، ومراكز التسوق في المطارات الحديثة الضخمة، والخدمات الحالية على نطاق عالمي والتي لا زالت رغم التطور في دول مجلس التعاون، في غالبيتها محصورة بالمؤسسات العالمية الدولية.
- استمرار العلاقة بين الحكام والمحكومين على اسس الرعاية بحيث يهتم الحكام، وهم يتوارثون الحكم، بشؤون المواطنين على مختلف الصعد، وهم عموماً منفتحون لسماع آراء المواطنين، ووسائل الاتصال السمعي والبصري ساهمت في تعميم المعرفة بالمواقف السياسية في البلدان المعنية.
- اصبحت قضية التعليم مفتاح النجاح في حياة المواطنين ودول مجلس التعاون الخليجي تواجه ضرورة تطوير مناهج ووسائل التعليم بحيث يتلقى الشباب العلوم المناسبة للنجاح مستقبلاً، ومن اركان هذه العلوم، الاختصاصات العلمية، في الحساب، والكيمياء، والفيزياء، وعلوم الكومبيوتر، وبرامج التدريب على معاصرة جيل التطور الالكتروني الذي يأتينا بجديد كل شهر تقريباً.
ومن المظاهر الايجابية اللافتة ان نسبة الاناث بين الشباب الذين اعمارهم تراوح بين 15 سنة و24 سنة، وهؤلاء تصنفهم هيئة الامم المتحدة بانهم جيل الشباب، المنتسبين الى معاهد التعليم، هي أعلى من نسبة الذكور في جميع دول مجلس التعاون، باستثناء المساواة بين الذكور والاناث على مستوى 68٫3 في المئة من الاناث و68٫1 في المئة من الذكور في سلطنة عمان، ونسبة 78 في المئة من الاناث و79٫1 في المئة من الذكور في السعودية.
بقية دول مجلس التعاون تزيد نسبة المشاركات من الشابات في معاهد التعليم على نسبة المشاركين من الذكور 10 في المئة على الاقل، وتبلغ نسبة الزيادة في قطر 13 في المئة.
* * * 
هنالك خمسة تحديات تواجه حكومات دول مجلس التعاون الخليجي، وهذه التحديات الرئيسية تتمثل في الامور الآتية على صعيد التركيز على تأمين العمالة المفيدة والاستقرار العائلي والاجتماعي.
اولاً: خفض نسبة العمالة الوافدة بين القوى العاملة وهذه تزيد على 50-70 في المئة ما عدا السعودية حيث النسبة على مستوى 20-25 في المئة. لكن السعودية هي البلد الاكبر من حيث عدد السكان وتالياً عدد اعضاء العمالة الوافدة في السعودية يفوق عدد العمال الوافدين في الامارات والبحرين والكويت.
ثانيا: ضرورة تعديل البرامج الدراسية على المستوى الثانوي والجامعي كما في المعاهد المهنية، وهذه العملية تستوجب جيلاً من الزمن يفترض ان تستمر فيه اعمال التعديل الهادفة إلى مواءمة البرامج التعليمية والتدريبية مع التطورات الفنية والاقتصادية العالمية. ولا بد من ذكر نجاح دول مجلس التعاون في محو الامية بصورة شبه كاملة حيث لا تزيد على نسبة 3 في المئة حالياً.
ثالثاً: التوجه نحو تعديل نشاطات الانتاج. فعدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في دول مجلس التعاون الخليجي يبلغ بحسب احصاءات 2012، 12684 مؤسسة تشكل نسبة 83.6 في المئة من مجمل المنشآت الصناعية، وتشغل نسبة 46.1 في المئة من الايدي العاملة في الصناعة، وهذه النسبة يعتبرها الامين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية التي تأسست عام 1976 (عبد العزيز بن حمد العقيل) متدنية.
ان هذه الاحصاءات لا تعتبر مستغربة لان المنشآت الصناعية المرتبطة بالصناعة النفطية، وان قل عددها، تحتاج الى اعداد وافرة من العمال، وخصوصا في المصانع التي تعتمد مشتقات النفط كلقيم للتصنيع، والمصانع التي تعتمد على توافر الطاقة الرخيصة مثل صناعة الاسمنت، والصلب، والألومينيوم، وتسييل الغاز،... الخ.
رابعاً: هنالك التحدي المتمثل في توسيع اشتراك الاناث في مختلف نشاطات العمل. فنسبة هؤلاء من الايدي العاملة الوطنية تقل عن 20 في المئة علماً بان اعداد الاناث في مؤسسات التعليم الثانوي والجامعي تفوق اعداد الذكور.
موضوع مشاركة الاناث في مختلف مجالات الاعمال مقيد الى حد بعيد بالاعتبارات الاجتماعية وتفضيل الرجال بنسبة كبيرة، توجيه الاناث نحو الزواج والانجاب والعناية بالاطفال وشؤون تسيير حاجات الاسرة. والتعديل الذي كلما رفع نسبة النساء العاملات في المجتمع ساهم في نمو الدخل القومي، لن يتحقق خلال بضع سنوات بل ربما عقود، علماً بان التطور على هذا الصعيد قياساً بالعادات المتأصلة كان واعداً، وهنالك سيدات ربات عمل، وناشطات اجتماعيات، وطبيبات، وروائيات ومقدمات برامج تلفزيونية حوارية واخبارية الخ.
خامساً: ربما كان هذا التحدي هو الاكثر اهمية، ونقصد به حسن استخدام الموارد المالية، والتحقق من استثمارات الصناديق السيادية بحيث تكون هنالك لدول مجلس التعاون الخليجي ليس فقط كفاية نقدية ومالية في حال انخفاض انتاج النفط وأسعاره مدى العقدين المقبلين، بل ايضاً مشاركة فعالة في تسيير شؤون شركات دولية تفتح ابوابها امام الكفايات الخليجية.
على كل من دول مجلس التعاون الخليجي تطوير سياسات تعالج التحديات المشار اليها، وتعتمد مناهج توفر الطمأنينة لمواطنيها ان على صعيد برامج التعليم الكفيلة بتحسين فرص العمل والاكتساب، أم على صعيد تحقيق نسبة كبيرة من آمال الجيل دون الـ25 من العمر، وهؤلاء اليوم تبلغ نسبتهم في جميع دول مجلس التعاون الخليجي ما بين 31 في المئة في الامارات، و33٫8 في المئة في قطر، و37٫7 في المئة في الكويت و43٫9 في المئة في البحرين، و50٫8 في المئة في السعودية (...)
* * * 
كيف لأي من دول مجلس التعاون ان تحقق صورة البلد المتقدم تكنولوجياً، وعلمياً.
اننا نشاهد محاولات ذات اهمية كمساعي ابوظبي لتنويع مصادر الطاقة وابتداع وسائل اكثر نجاعة مما هو متعارف عليه حالياً.
كما نشاهد جهود قطر لتعميم استشعار المعرفة وتوسيع فرص التعليم، لكن قطر على اهمية جهودها تبقى محدودة التأثير وان هي خصصت موارد مالية ملحوظة.
وهنالك برامج ومساع حققت نتائج لا بأس بها، ونشير هنا الى المبادرة التي اطلقها جلالة الملك عبدالله بن عبد العزيز بتخصيص 36 مليار دولار لمساعدة الشباب في مجالات السكن، والدراسة، والتمكن من الحصول على فرص العمل، واصبح هنالك تعويض لمدة سنة للشباب السعوديين ممن يفقدون عملهم، وبرنامج الامير محمد بن فهد في المنطقة الشرقية لتنمية قدرات الشباب ساهم في تدريب 36 الف سعودي وسعودية وفي تأمين 39000 وظيفة وفرصة عمل.
الامارات اتبعت استراتيجية منذ عام 2007 لتشجيع التدريب المهني من اجل تمكين المواطنين من الحصول على الخبرات والكفايات المناسبة لتطور سوق العمل.
ان جميع هذه المبادرات اتخذتها السلطات العامة، وفي الدول التي تتبع انظمة الاقتصاد الحر، كما هو واقع الحال في دول مجلس التعاون، لا بد من ان يبادر القطاع الخاص الى تحمل قسط وافر من مسؤولية تطوير فرص العمل. ولعل مبادرات مؤسسة رزق الجميلRizk Jameel توفر صورة عما هو مطلوب من قادة رجال الاعمال في دول مجلس التعاون الخليجي سواء من المواطنين، او المقيمين الناجحين من جنسيات اخرى ممن حققوا نجاحات ملحوظة في دول مجلس التعاون.
وعبد اللطيف الجميل اطلق مبادراته في السعودية لتمكين السعوديات والسعوديين من الاطلاع على فرص العمل، ومواءمتها ومساندة اصحاب المشاريع الصغيرة بقروض دون فوائد او رسوم وبرامج مؤسسة الجميل تشمل التدريب على اعمال الفندقة، والفنون، والالكترونيات، والخدمات الصحية، واصلاح السيارات. ومنذ عام 2011- أي منذ سنتين فقط- أتاحت مؤسسة الجميل فرص عمل لـ160000 سعودي وسعودية.
الخلاصة:
- على دول مجلس التعاون تطوير برامج التعليم لتتماشى مع افضل البرامج في العالم المتطور وهذا الامر يفترض التشديد على تعلم اللغات كما العلوم، ووسائل العمل الحديثة.
- توسيع دور المرأة في جميع مجالات العمل، خصوصاً ان اعداد النساء في مراكز التعليم تفوق اعداد الرجال.
-الاحلال التدريجي للمواطنين محل العمالة الوافدة ببرامج لا تؤدي الى البلبلة.
- الاقتداء بإمارة دبي في مجالات استقطاب السياحة والمستثمرين.
- تطوير الانظمة المالية واسواق التعامل المالي وترسيخ اصول العمل المصرفي.
- التعاون في مجال الاستثمارات الدولية.
- السعي الى اطالة امداد استثمار الموارد النفطية والغازية بترشيد الاستهلاك، وربما الاستفادة من خفض الانتاج في حال ارتفاع أسعار النفط والغاز.
¶ محاضرة ألقيت في المؤتمر السنوي لمؤسسة الفكر العربي في دبي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم