لم تكن بيروت أمس كما يعهدها المرء، فقد تحولت الى مدينة "مقنعة" بأجمل الملابس التنكرية. ارتدت المدينة زينة "هالويين"، نسي اللبنانيون همومهم، وارتدوا ما توفر لهم من ملابس وحلل وأكسسوارات وتوزعوا بين مطاعم وملاهي بيروت التي زيّنت بزينة "مخيفة" تلائم المناسبة. انه "هالويين"!
يحتفل العالم بـ"هالويين" في 31 تشرين الأول الذي يصادف عيد جميع القديسين، تزين الشوارع والبيوت باليقطين وبالألعاب الساخرة والمخيفة. صغار وكبار يتنكرون كي "لا تعرفهم الأرواح الشريرة" وفق الأسطورة التي تقول أن الأرواح الشريرة تزور الأرض في هذه الليلة. ويجول الأولاد على البيوت ليملأوا أكياسهم بالحلوى والشوكولا، ويصرخون أمام الأبواب "خدعة أم حلوى".. ومن لا يعطيهم الحلوى "تغضب منه الأرواح الشريرة".
و"كي لا تعرفها الأرواح الشريرة" تنكرت بيروت، رغم أنها تحتفل بعيد "القديسة بربارة" في 4 كانون الأول، وتقام طقوس شبيهة بالتي تقام في "هالوين" في جميع أنحاء العالم. "نحنا من حب الحياة.. نبدأ بالاحتفال في الأعياد مسبقاً"، تبرّر زينا التي شاركت في احتفال "هالوين" الذي أقيم في شارع "اوروغواي" في وسط بيروت. تحوّلت زينا في هذه الليلة الاستثنائية الى Artiste ترتدي اللآلئ وتضع ريشة على رأسها تظهر المكياج المتناسق مع فستانها الأسود. الى جانب تلك الـ"Artiste"، تجلس يابانية تتكلمّ اللغة العربية وتحمل مروحتها، وجهها الملون بالأبيض يخرقه أحمر الشفاه وبعض الرسوم على وجنتيها. حول الطاولة عينها، تقف المرأة العنكبوت المخيفة، يجمع الثلاثة "أتينا كي نستمتع بوقتنا وقد ارتدينا ما يلائم شخصيتنا". وتشرح زينا ان التنكر لم يأخذ الكثير من الوقت، "خصوصاً أنهن خطتن مسبقاً لما سيرتدين في هذا الاحتفال البسيط والممتع".
اكتظاظ ذلك الشارع بالألبسة التنكرية المختلفة، يجعل المرء يفقد تركيزه لبرهة. ففي تلك الزحمة، ترصد بعض الأفكار الجنونية اللافتة للنظر. رشيد الذي تحسبه مشرداً في بادئ الأمر، بسبب قلّة الثياب التي لا تخبئ شيئاً من جسمه النحيل، يصحح لنا قائلاً: "ارتدي كأحد الحيوانات التي تظهر في الفيلم السينمائي Ice Age".
مجموعة أخرى تدخل هذا الشارع، بينهم شاب لم يقض الكثير من الوقت كي يرتدي قميصاً ملطخاً بـ"الدماء"، ويضع "سكيناً" يخرج بشكل وهمي من الجانب الآخر لرأسه. جاء مع أصدقائه هرباً من ملل حياته اليومية وليستمتع بلحظات جنون. لبنانيون وأجانب شاركوا في هذا الاحتفال، فاطمة وآنا صديقتان اسبانيتان جاءتا الى شارع "اوروغواي" بلباس الرجال الخليجيين وزيّنتا الجلبابة بالمال والدولارات. جوي واثنان من أصدقائها، ارتدوا ملابس الطالب الذي يدرس كثيراً "Nerd"، لم يستطيعوا وغيرهم أن يجلسوا في ملهى أو مطعم بسبب الزحمة الكبيرة، "ارتدينا ما توفر لنا من ثياب في المنزل، فاخترعنا ما لبسناه" تقول جوي المتحمسة. أما أسامة وريان (حبيبان) فعملا جاهدين لابتكار فكرة جديدة لن تخطر لأحد: ريان الليفة وأسامة الصابونة. ابتكارات وأفكار كثيرة تتفاجىء عند رؤيتها، فما رأيكم بشاب ارخى شعره ولحيته وحجمه كبير "جداً" يرتدي كراقصة الباليه، أو رجل الكهف الذي لا يرتدي سوى سروال قصير جداً؟
روح المتعة والفرح انتشرت في وسط بيروت
وشارع الجميزة والحمرا،.. الجميع يتحدثون مع بعضهم البعض رغم أنهم لم يتعرفوا مسبقاً. وعدوى التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقلت الى شارع "الرعب"، فمجموعة من الفتيات المتنكرات كعاملات منازل "وطبعاً بسبب عنصرية اللبناني والفكر النمطي" لوّن أنفسهن باللون الأسود وجلن في الشارع يتكلمن ويلوّحن بايديهن لشبان متنكرين بالزي نفسه. أميرات، مهرجون، سوبرمان، ممرضات، أشباح، "هيبي"،... أزياء مألوفة الا أنها ساهمت بخلق روح المتعة، والابتسامات.. ودعونا لا ننسى تأثير المشروب الذي يظهر على الجميع تقريباً.
البعض تفاجأ بما راه، فحاولوا أن يندمجوا في الأجواء بارتدائهم الأكسسوارات من النظارات الضخمة الى الأنف المخصص للمهرجين والشعر المستعار. والبعض الآخر "استعار" بعض الحلي من الموجودين كي يأخذوا صورة تذكارية مع الأصدقاء. سيلين ووسيم لم يرتديا أي زي تنكري، وأمضيا وقتهما يشاهدان ابداعات الآخرين ويتحسران قائلين: "يا الله لو كنا عارفين كنا لبسنا شي". الا انهم وغيرهم كثر "فاتوا بالجو" ورقصواعلى أنغام الموسيقى التي ملأت المكان واستمتعوا بوقتهم، الذي انتهى بزحمة سير خانقة عند عودتهم الى المنزل. وتبقى الأمنية أن يستمتعوا بعد شهر من الآن بعيد القديسة بربارة ويجولون على المنازل ليحصلوا على "بسترينة" وليأكلوا الحلوى، القطايف، القمح، المشبك والعوامات.. وكل عام و"هالويين" وأنتم بخير.
Twitter: @ReineBMoussa
نبض