الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

تفاصيل خطة دالاس لتحقيق سلام بين مصر واسرائيل

المصدر: "النهار"
Bookmark
تفاصيل خطة دالاس لتحقيق سلام بين مصر واسرائيل
تفاصيل خطة دالاس لتحقيق سلام بين مصر واسرائيل
A+ A-
يعرض محمد حسنين هيكل في هذه الحلقة (الثالثة) من كتابه "عواصف الحرب والسلام" تفاصيل الخطة الاميركية "الفا" لتحقيق سلام بين العرب واسرائيل من طريق تقديم "مغريات" الى جمال عبد الناصر. والخطة امر بوضعها وزير الخارجية الاميركي في عهد الرئيس دوايت ايزنهاور جون فوستر دالاس، وكتمت عن الاسرائيليين خشية احباطها. وتتضمن الخطة "مغريات" نووية ومالية بينها تمويل السد العالي. ولكن خشي ان تتداخل الخطة مع الحزام الشمالي الذي تعده الولايات المتحدة ويشارك فيه العراق وتركيا. ولم تمانع الولايات المتحدة في تحقيق طموحات جمال عبد الناصر لتزعم العالم العربي، في حال موافقته على الخطة الاميركية. وكان هناك في الادارة الاميركية من يشكك في استعداد اسرائيل للوصول الى تسوية مع العرب، وظهر ذلك جلياً في رفض اسرائيل الاعتراف بخطوط التقسيم ورسم حدودها النهائية وابداء استعدادها لتحقيق سلام في الشرق الاوسط، من اجل قبول اشتراكها في مؤتمر باندونغ للدول غير المنحازة. واكد عبد الناصر، اثر الاتصالات التي اجريت معه، رفض عزل مصر عن بقية العالم العربي. وهذا الكتاب هو واحد من ثلاثية هيكل عن "القنوات السرية للمفاوضات العربية - الاسرائيلية" تنشره "النهار" بترتيب خاص مع "دار الشروق" في القاهرة. 3 إيدن "لا ينبغي السماح لناصر بأن يتصور أن في مقدوره أن يقول لنا: لا". (وزير خارجية اميركا لرئيس وزراء بريطانيا) عاد جون فوستر دالاس من زيارته للشرق الأوسط مقتنعاً بالكامل بنظرية رآها غيره من قبله، لكن رؤيته لها بنفسه اعطتها الآن قوة مضافة تلقى وراءها بثقل يوفر لها وزنا لم يتحقق لها حتى الآن، وهو وزن ادارة اميركية جديدة يقودها دوايت ايزنهاور بنفسه. كانت نظرية دالاس انه في كل مكان ذهب اليه في الشرق الاوسط يتحدث عن مشروعات الدفاع عنه ضد الاتحاد السوفياتي، فوجد امامه عاملا آخر يسبقه هو الصراع العربي - الاسرائيلي، وبالتالي فان تسوية هذا الصراع هي المقدمة التي لا يمكن الالتفاف حولها لاقامة نظام دفاعي شرق اوسطي. الدول العربية كلها لديها اولوية تسبق غيرها. وحتى اذا قبلت هذه الدول ان تغير اولوياتها فان هذا التغيير ليس مجديا، لانها ما لم تقبل اسرائيل معها في هذا النظام الدفاعي الجديد عن الشرق الاوسط، فهذا نظام محكوم عليه. لانه لا يمكن لنظام دفاعي ان يقوم وفيه ثغرة في القلب منه تماما. وهكذا فانه فور عودة جون فوستر دالاس الى واشنطن، كانت المناقشات حول الخطوة التالية للسياسة الاميركية تربط عضويا بين الدفاع عن الشرق الاوسط ضد الاتحاد السوفياتي والسلام بين العرب واسرائيل. وطرح دالاس نظرية تبلورت في ذهنه بعد تفكير طويل، مؤداها انه ربما كان الافضل ان تبدأ عملية السلام بين العرب واسرائيل بالدول العربية الصغيرة مثل الاردن ولبنان، فهذه يسهل اقناعها على خلاف الدول العربية الكبيرة، خصوصا ان العراق لا يستطيع ان يتحمل ما هو اكثر من المشاركة في الحزام الشمالي، وذلك تيسر لنوري السعيد لان العراق لا تربطه حدود مشتركة مع اسرائيل، كما ان سوريا مقبلة على مشاكل داخلية بعد تضعضع مركز اديب الشيشكلي على نقيض ما تصور دالاس الى جانب ان الرأي العام في سوريا عنيد في عروبته ويصعب تطويعه لقبول سلام مع اسرائيل. وجرت مناقشات طويلة بينه وبين خبرائه الذين استطاعوا اقناعه في النهاية بان البدء بالدول الصغرى كالاردن ولبنان مستحيل، وقد جرت تجربته بالفعل وانتهت بطريقة مأسوية باغتيال الملك، عبدالله ملك الاردن، ورياض الصلح اكبر سياسي مسلم في لبنان. ثم توصل دالاس ومعه مستشاروه الى "انه اذا كانت هناك فرصة لتحقيق سلام بين العرب واسرائيل، فان السبيل الوحيد لتحقيقه لا بد ان يبدأ من القاهرة. فوزن مصر التاريخي وتأثيرها في العالم العربي، الى جانب ظروفها الراهنة، قد تغريها بالقيام بهذا الدور خصوصا اذا ساعدتها الولايات المتحدة عليه. واذا تحقق ذلك، فان بقية الدول العربية لن يكون امامها مفر من ان تسير على الطريق نفسه، وهذا هو الذي حدث تماما في تجربة اتفاقات الهدنة عقب حرب فلسطين. وفي اوائل عام 1954، كانت لدى دالاس "مبادئ عمل" تتلاقى عند الهدف المزدوج الذي يريده، وهو تحقيق سلام بين العرب واسرائيل اولا، وحتى تستطيع المنطقة كلها ثانيا ان تدخل منسجمة ومتسقة في خطة المواجهة مع الاتحاد السوفياتي، وكانت "مبادئ العمل" التي تدور في فكر وزير الخارجية الاميركي كما يلي: 1- مساعدة مصر وبريطانيا على التوصل الى اتفاق وتحقيق جلاء القوات البريطانية من قاعدة قناة السويس. 2- وبما ان تنفيذ هذا الاتفاق سوف يقتضي فترة زمنية لازمة لتحقيقه، فان مصر في هذه الفترة وبحرصها على اتمام الجلاء سوف تكون متفتحة للمساعي الاميركية في شأن السلام مع اسرائيل. 3- انه يمكن مساعدة "تفتح" مصر في هذه الفترة الحساسة باعطائها مساعدات عسكرية ومالية، كما انه يمكن التلويح لها بالمساعدة على تنفيذ السد العالي الذي اصبح يحتل مكان الصدارة بالنسبة الى القيادة المصرية والشعب المصري. 4- ان الولايات المتحدة يجب ان تكون جاهزة لاستغلال هذه الفترة الحساسة بمشروع كامل لتحقيق السلام، او على الاقل لقطع شوط كبير منه تستحيل العودة عنه، وذلك قبل اتمام انسحاب القوات البريطانية عن قاعدة قناة السويس. ولوهلة ظهر كأن "مبادئ العمل" الاميركية تمشي على ارض المنطقة كما قدر لها دالاس ومستشاروه. والحاصل انه بالرغم من صعوبة المفاوضات بين مصر وبريطانيا، فان البلدين توصلا الى اتفاق على الجلاء وقعه جمال عبد الناصر بصفته رئيسا للوزراء مع انطوني ناتنغ وزير الدولة للشؤون الخارجية في بريطانيا. واعلن ذلك الاتفاق فعلا في يوليو (تموز) 1954، وكانت الولايات المتحدة بالفعل عنصرا مساعدا اساسيا في التوصل الى هذا الاتفاق. وكان اتفاق الجلاء في يوليو يعطي مهلة لاتمام الانسحاب مدتها ثمانية عشر شهرا، وكانت هذه بالضبط فرصة النافذة المفتوحة امام دالاس. ولم يضيع وقتا وانما انهمكت مجموعة من خبرائه، وعلى رأسهم فرنسيس - راسل الذي عين مساعدا خاصا له، في وضع مشروع كامل وتفصيلي لخطة تحقيق سلام بين العرب واسرائيل. وكانت تلك هي الخطة التي اشتهرت بالاسم الرمزي "الفا". ان الخطة "الفا" ما لبثت ان اصبحت عملية دقيقة الى درجة استدعت وضعها تحت الاختصاص المباشر لمجلس الامن القومي في البيت الابيض. واستغرق وضع خطوطها ثلاثة اشهر، ثم جرت مناقشتها بواسطة ممثلين عن المخابرات المركزية الاميركية ووزارة الدفاع ووزارة الخزانة، ثم صيغت نهائيا طبقا لتوصيات كل جهات الاختصاص. وكان البلد الوحيد خارج الولايات المتحدة الذي دخل في اطارها هو بريطانيا بحكم انها شريك اساسي في الشرق الاوسط، ثم ان نافذة الوقت المتاحة للفرصة متصلة بجلاء القوات البريطانية عن قاعدة قناة السويس. وفي النهاية تم وضع الخطة: الخطوط العريضة، والتفاصيل وتوقيتات المهمات والمسؤولون عن هذه المهمات وفسحة الزمن المتاحة لكل منهم لاداء دوره، والاساليب التي يستطيع الاعتماد عليها في مجلد واحد وصلت صفحاته الى 238 صفحة. كان الملحق "ب" في الخطة "الفا" على سبيل المثال يركز على "المغريات والعناصر السيكولوجية" التي تضمن قبول مصر للخطة "الفا". وقد ورد فيه ما يلي بالنص: 1- "ان مصر ابدت رغبتها بالحاح في الوصول معنا الى صفقة سلاح. ويمكننا في فترة الخطة ان نصل الى اتفاق معها باعطائها تصريحا مصحوبا بضمانات ائتمانية لشراء سلاح طبقا للبند "106 ب" من قانون الامن المتبادل. ويمكن ان يكون الاتفاق على ثلاث سنوات. ويمكن ان نصل بحجمه الى 20 مليون دولار على ان نوضح لحكومة مصر اننا سوف نتابع تصرفاتها في فترة المفاوضات. وقد نرفع حدود الصفقة اذا وجدنا ان التصرفات المصرية في هذه الفترة متماشية مع سياساتنا. ويمكن ان نلاحظ ان موقف "جمال عبد الناصر" بعد اتفاقه مع بريطانيا سوف يتعرض لانتقادات لان هناك من الوطنيين من يطلبون اكثر. فاذا كان عرض المساعدات العسكرية مطروحا على الفور عقب الاتفاق مع بريطانيا فان ناصر قد يجد لذلك جاذبية تغريه. وليس لنا ان نخشى من اعتراض اسرائيلي على تسليح ناصر لانه اذا توافق حصوله على السلاح مع استعداده للصلح مع اسرائيل، فان مخاوف اسرائيل حينئذ تصبح غير مبررة. 2- ان ناصر لديه برنامج تنمية يحتاج الى خبراء. فاذا عرضنا عليه بعثات اكثر في الجامعات الاميركية لشباب مصري، فان ذلك قد يضع قطعة سكر اضافية في فمه. ثم اننا ايضا نستطيع ان نجد اماكن في الكليات العسكرية لعدد من ضباطه الذين يجب ان يتدربوا على السلاح الأميركي الذي ستحصل عليه بلادهم. 3- نظرا الى ان مشروع السد العالي تتزايد اهميته اقتصاديا ومعنويا في مصر فاننا نستطيع ان نتقدم الى الكونغرس بطلب اعتماد مبلغ محدد يخصص للمساعدة في تمويل السد العالي فور انتهاء الدراسات الهندسية اللازمة، ونستطيع ان نتقدم الى الكونغرس بطلب اعتماد مقداره 20 مليون دولار في المرحلة الاولى، وحتى نتغلب على اي تردد من جانب ناصر. 4- اذا بدا انه مستعد للقبول فاننا نستطيع اقناعه بمواصلة الطريق بالبحث في امكان تقديم 20 مليون دولار كل سنة لمدة خمس سنوات من البنك الدولي تخصص للسد العالي. 5- ان مصر لديها طموحات في مجالات مختلفة للتحديث. ونحن نستطيع المساعدة في توسيع معمل للنظائر...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم