الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

الدكتور أحمد عتمان سيّد الدراسات الكلاسيكية في العالم العربي

الدكتور أديب صعب
A+ A-

يرحل الأكاديمي المصري الكبير الدكتور أحمد عتمان قبل الأوان، وهو في أوج عطائه الغزير، مخلفاً وراءه أعمالاً رائدة في الدراسات الكلاسيكية اليونانية واللاتينية والأدب المقارن. وهو وُلد العام 1945 في إحدى بلدات محافظة بني سويف التي انضم الى ثراها قبل أيام قليلة، بعدما صدمته سيارة على كورنيش النيل يوم الخميس 15 آب، ولم يستطع جسده المقاومة طويلاً في قسم العناية الفائقة. وقد أقام اتحاد كتّاب مصر مجلس عزاء وتكريم لذكراه الساعة الثانية بعد ظهر الاثنين 26 آب الجاري في مسجد الحامدية الشاذلية في القاهرة.


كان أحمد عتمان في العشرين عندما حصل على البكالوريوس في الكلاسيكيات من جامعة القاهرة، وفي الثامنة والعشرين عندما نال الدكتوراه في الآداب الاغريقية – الرومانية من جامعة أثينا. ومنذ ذلك الحين أنجزَ في العمل الجامعي والبحث والتأليف والترجمة والمؤتمرات وتأسيس الجمعيات ما تعجز مؤسسات عن إنجازه. ومن كتبه: "الشعر الاغريقي تراثاً إنسانياً وعالمياً"، "الأدب اللاتيني ودوره الحضاري"، "المصادر الكلاسيكية لمسرح توفيق الحكيم"، "بلوتارخوس وشكسبير وشوقي"، فضلاً عن ترجمات غزيرة الى العربية شملت هوميروس وسوفوكليس ويوريبيدس وفرجيليوس وغيرهم. وفي الاتجاه الآخر، نقل الى اليونانية معاني القرآن الكريم وأعمالاً أدبية لنجيب محفوظ وسواه. وكان له اهتمام خاص بالمسرح ترجمةً ودراسةً وإبداعاً. أكاديمياً، رأسَ قسم الدراسات الكلاسيكية في جامعة القاهرة، كما رأسَ الجمعية المصرية للأدب المقارن والجمعية المصرية للدراسات اليونانية والرومانية التي أسسها. وكان سفيراً عالمياً للحضارة الهلينية بين خمسة علماء آخرين، من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا والصين.
معرفتي الشخصية بالدكتور أحمد عتمان تعود الى النصف الثاني من الثمانينات، يوم كنت رئيس تحرير مجلة "الأزمنة" الثقافية التي نشرها في باريس الصديق ميشال مرهج، والتي استطاعت، منذ بداية صدورها، احتلال صدارة المجلات الثقافية الفكرية في العالم العربي. وتعززت هذه الصدارة بعد انضمام أحمد عتمان الى المجلة، مع استقطابها، بفضل جهوده الى حد بعيد، كبار المثقفين المصريين، ومنهم: زكي نجيب محمود، ثروت عكاشة، نجيب محفوظ، عبد العظيم رمضان، محمد سعيد العشماوي. وصارت المجلة، في المرحلة الأخيرة من عمرها القصير، منبراً للثقافة المصرية، مكرسةً دور مصر الرائد في العالم العربي.
ويعود الفضل في إحياء دور مصر النهضوي الكبير الى كوكبة من المبدعين، يقف أحمد عتمان في الصف الطليعي بينهم. وهو فعلَ حسناً باختياره الدراسات الكلاسيكية موضوعاً لاختصاصه الجامعي وعمله الأكاديمي، نظراً الى كون مصر منبعاً غنياً للحضارة اليونانية: فعلى أرضها نشأت الفلسفة الأفلاطونية المحدَثة مع أفلوطين وسواه، كما نشأ عدد كبير من آباء الكنيسة المسيحية الشرقية والرهبان. ومع أن بلاد الشام معنية هي ايضا بالثقافة الاغريقية لا من الناحية اللاهوتية فحسب بل من الناحيتين الأدبية والفلسفية أيضاً، إلا أنه لم ينشأ في هذا الجزء من العالم العربي، ويا للأسف، دوائر جامعية وأكاديميون للعناية بالآداب الاغريقية واللاتينية في بلاد الشام، على غرار أحمد عتمان الذي هو، بلا منازع، رائد الدراسات الكلاسيكية وسيّدها على الصعيد العربي.
في المحنة التي تعيشها مصر الحبيبة حالياً، يبقى أحمد عتمان منارة تهتدي بها الأجيال العربية الطالعة لا من حيث الدراسات الكلاسيكية والرصانة الأكاديمية فحسب، بل من حيث سمو الأخلاق ونشدان أرفع القيم والاستنارة الدينية التي تعرف تماماً دور المسيحيين في إبداع الحضارة المصرية العظيمة، وعلى الأخص الحضارة الكلاسيكية التي صنعت اسم مصر منذ أقدم الأزمنة، وتعترف بهذا الدور، كما تجد في الأديان جوهراً واحداً بشرائع مختلفة، وتتشبث بالدولة المدنية، التي تجسِّد مثال الوحدة في التنوع، نظاماً سياسياً وحيداً، قادراً وضامناً للحرية والعدالة والمساواة، لمصر والعالم العربي والعالم كله.
دكتور أحمد عتمان: طيَّبَ اللّه ثراك وأدام ذكراك.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم