يُقال في "جذور" بعض الأوصاف، منها النضوج مثلاً. عادة ما تفرض النهاية شيئاً على الرأي، فتسدّ بعضاً من ثغر الحلقات، وقد تذكّرنا فيها. نهاية "جذور" (انتاج MR7 وانديمول) منطقية. غريبٌ المنطق حين يترك دمعتي حزن وفرح.
تزوّج مالك وكارلا وانطلقا نحو الفرح. سيشتاق مشاهدو "أبو ظبي الأولى" يوسف الخال وباميلا الكك، ثنائي الحب بفوضويته الجميلة من دون ربطة عنق وغزل محضَّر. نحبّذ لمسات تضيف الى السعادة سؤالاً: هل ستدوم طويلاً؟ نجدها تغيب وسط الانشغال بوداع العروسين على وقع الجنيريك والدهشة. بدا الأمر وكأن المخرج فيليب أسمر ملأ الفراغ بما توافر.
الجراح لا تلتئم بعصا سحرية. لعلّ الدور الذي أعطته الكاتبة كلوديا مارشليان لمجدي مشموشي أقل صدمة من فظاعة الحرب الأهلية، ولكن الذكريات، حين تستعيدها أمّ ثكلى، ستبكي بحرقة. نتوقف عند شخصية سمير لما فيها من اختزال لأوجاع جماعة تكثّفت بفرد: "التأتأة" في الكلام، العجز الجنسي، المفردات العسكرية، الهروب، والرعب من قنّاص هو في الحقيقة أناه الأعلى منسياً تحت كوم حجار. مارشليان "الشريرة"، قدّمت للمُشاهد شخصية من اضطرابات، فكان ذبح سمير والدته خلال الحرب كافياً ليتعذّب بصور تطنّ في أذنيه طوال الوقت، الى ان كان السجن أشبه باستراحة تأخّرت كثيراً.
دينا شخصية تصفع. بمهارة، جسّدت الممثلة رلى حماده دور المرأة المضطربة عقلياً وهي تتعذّب. حركة اليدين، ثقل الكلمات غير المفهومة، النظرة العميقة في عينين تائهتين، والذل. انها دينا، شقيقة ديانا (حماده أيضاً) التوأم، والرغبة المشهدية في ان نثق بوطن لم يبق منه سوى الذكريات. حضور دينا سيطر على هدوء ديانا، الأمّ والجدة، والنزوة المختلفة في حياة فؤاد (رفيق علي أحمد)، والمتألمة بصمت. اثنتان تستدعيان مزيداً من السطور لإظهار تميّزهما: سهى قيقانو وختام اللحام. نجد منزلهما تعيساً بالفقر وبقايا الحرب. قرار ازالة رائحة الدمّ عن جدرانه بالطلاء، يشبهنا كثيراً ونحن نتقن تجميل الحقيقة بمواد زائفة.
تقتل هنادي زوجها وتنتحر. انه الموت حين تختاره الكاتبة مخرجاً للمواقف الصعبة. بالغت آن ماري سلامة بأداء دور الضحية. أحبّها وسام حنا بجنون ان يحب ثري امرأة من حطام. لكن عبير (مميزّة الشابة تانيا فخري) أرخت رغبة بأن يعمّ العدل هذا العالم ولو مرة. دفعت ثمن جهل الأهل وما يُروى عن ثغر الأجيال (أداء لافت لمارينال سركيس وفادي ابرهيم في المشاهد الدرامية والكوميدية). ظلّ مايز (اعتدنا وجيه صقر بأدوار خبيثة) من دون حساب بعدما اغتصبها ودمرها نفسياً. مثله كثر في شريعة الغاب التي تحوينا.
عفويان، تقلا شمعون ورفيق علي أحمد. قد تعيش باميلا الكك الدور الى حدّ المبالغة، وإنما هما ظلا بسيطين على رغم مظاهر البذخ النافرة. ابنتهما نورا (سنتيا خليفة) ذابت في دور زوجها رواد (جو طراد)، الضائع باحتراف ما بين الحب والخوف من ان يبدو ضعيفاً. في مصر، بدا شريف (أحمد هارون) هو الآخر متخبطاً، عبره ظهر الروتين معضلة بشرية: تارة وفيّا لزوجته ميرفت (دينا فؤاد)، وطوراً مراهقا خارج حسابات كارلا!
جسّد محمود قابيل (كامل) رأي مارشليان باستحالة استمرار الزواج حين تكون السنوات فارقاً كبيراً. لم نقتنع بمشهد كشف حقيقة سحر (ميرهان حسين). فالـ"طالق بالثلاثة" بدت لوهلة متسرّعة. عبرة المسلسل الذي يستكمل عرضه في رمضان على LBCI تنادينا: في داخل كلّ منا ترسبات، بعضنا يخفيها، وبعضنا يعيشها، فيما بعضنا الآخر يتحوّل بسببها ضحية تطلق على الآخرين أحكاماً قاسية.
[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima
نبض