ثمة أساطير قد تولّد أولويات جاهزة، كأن تُسأل عن علّة الشر، فيأتيك الجواب بأنها المرأة. صبّ الكاتب طوني جورج شمعون "شرّ النساء" في الممثلة نهلا داود، فإذا بها الرأس المدبّر لسيناريو ما كاد يلمع حتى تلاشى.
ابتهجت "المستقبل" بمسلسل درامي من كتابة شمعون، صاحب "عندما يبكي التراب"، واخراج نبيل لبّس، الذي بدأ مشواره في الفيديو كليبات. كان الرجاء ألا يكون "الرؤيا الثالثة" (من انتاج "Arrows Production") مجرد رقم في لائحة. نجحت الحلقات الأولى في التقاطنا. بديع أبو شقرا (في دورَيْ زياد وفراس) أمام عيني ألين لحود (ياسمين)، وهم أم حقيقة؟ يهوى المُشاهد ألا يكون القمر بدراً دائماً. وقد يهوى ان تستفزّه النصوص المشاكسة. وإنما مناورة شمعون- لبّس لم تحقق فوزاً ساحقاً. سرعان ما لمحنا الأشياء تفرغ، فتبيّن ان الانطلاق من أرضية نفسية أشبه بقناع اختبأ خلفه الوجه الحقيقي لقصة عادية.
على النهاية الا تكون سهلة كي نصفّق ونصيح: "برافو". مصالحة الحبيبين والعناق على وقع الموسيقى، أشبه بـ"انجاز" مستهلك. الـ"The End" وفق الثقافة الشعبية تعني "عودة المياه الى مجاريها". آن لهذه النمطية ان تُجتث.
تخبرنا الأسطورة عن أرنب تملّكه الغرور، فاستلقى في ظلّ شجرة وراح يحلم بأشياء جميلة. في الحلقة الأخيرة من المسلسل، أخذت ياسمين تقرأ اشعاراً من حبيبها: "جسدي حطام فوق حطام"، فيما البحر والليل ضروريان من أجل الرومانسية. طالت قراءة القصائد لننشغل عن تطورات أكثر أهمية. مصير نهلا داود (ليلى)، زوجة عم ياسمين، مثلاً. هذه المرأة التي انتقلت فجأة من الخير الى الشر، انتهت مهزومة في سجن أو في مصحة، بعدما كانت تصدر الأوامر لزوجها سعيد (عصام الأشقر)، وولديها مكرم ولينا (طوني عيسى، وليزا الدبس)، وكل القابعين تحت سلطتها. مرّ المشهد خاطفاً. ثوان من الانتقام على الطريقة المكسيكية. من قال ان الكرسي المتحرك مصير الأشرار، وان القدر ينهش كل المخلوقات بأسنان واحدة؟
داود في "غريبة" لشكري أنيس فاخوري مثلاً، أشدّ حضوراً منها في "الرؤيا الثالثة". في الواقع، أحد من الممثلين لم يقدّم دوراً مفصلياً قد يُعتبر علامة فارقة بحسابات الماقبل والمابعد. حتى أبو شقرا، الكاتب والصحافي كما عرفناه بداية، ما هو إلا سجين سابق، تستعمله ليلى للتسبب بجنون ياسمين من أجل السطو على ثروتها بعد وفاة والديها. ظننا ان اعطاء البطل ملكة الكتابة، والبطلة شخصية المضطربة نفسياً، من شأنه الانتهاء بتوليفة غريبة لقصة استثنائية. سيئ أحياناً أيها الانطباع الأول. وها إن العمل عبارة عن تطويل مفتعل لفكرة ميكيافلية تبرر كل شيء من أجل المال. أكانت ضرورية قهقهات ليلى بعد كل مشهد تؤدي فيه دور الشريرة؟!.
بيار شمعون، في دور خليل، صديق والد ياسمين، أحسن تجسيد صورة الأب الوفي لابنة "غريبة". شكّل، ورفقا الزير، زوجته صباح، ثنائياً منسجماً. ألين لحود أتقنت دور الاستسلام لإملاءات زوجة عمّها، ونجحت بأن تقع تحت تأثير حبوب الهلوسة التي استعملتها لتدميرها. ترافق ذلك مع كادرات مظلمة للبّس، وأصوات رعب ومشاهدات مرضية. الفصام حالة، جعلتنا لحود نعيشها. وإنما تلك اللمعة التي تبقى بعد كل نهاية، بدت باهتة.
العمل أشبه بهذه الجملة التي استُعملت في حلقته الأخيرة لنصدّق ان حب ياسمين وفراس "خالد" بوصف نبيل عساف، الصديق "المرح": "انتظرتكِ حاملاً الوحدة والغربة وأنفاس الاشتياق"، جميلة وإنما خارج المنافسة الشعرية.
[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima
نبض