ليس من صنف المديح القول إن الاعلامية غادة عيد هي من النوع الذي يهزّ ضمائر، ويخيف مرتاحين، بل حقيقة. تطرّقت الى ملف المخدرات، وهي تدرك أن قليلاً من البرامج فقط لم يتطرّق اليه. الخبرة تضع القديم أمام انطباع آخر، فتحلو المتابعة.
الخبرة تجعل بعضهم مميزاً، مثل الالمام بالملف وتجهيزه كاملاً، قبل الـ"مساء الخير" والترحيب بالمُشاهد. غادة عيد اعلامية متمكنة، لا ترعبها المواجهة. وهي العالمة بخلفيات موضوعاتها وتداعياتها، وربما ضريبتها. تحاجج الضيف، ولا تتركه يتمدد مطمئناً على منبرها. تتطلّب قضية "الفساد"، في بلد يدّعي كباره وصغاره الإصلاح والحرص على المصلحة العامة، أعصاباً لا تنهار عند أول صدمة. عيد من فولاذ.
علاقتها ببعض الجسم القضائي، ليست سمناً على عسل. لا تفوّت مناسبة من دون التنديد بازدواجية المعايير عند بعض القضاة وتلقّي بعضهم الرشى، من غير ان تتردد بذكر الأسماء النزيهة أحياناً. "قضاء على ناس وناس"، عنوان حلقة، وقضية.
قد تبدو الصراحة في لحظة ما بمثابة نقطة ضعف سيئة. في خضمّ النقاش المحتدم تكاد عيد تفقد توازنها. أمام من يجادلها في عكس اقتناعاتها، فتتحول مهاجماً "شرساً". "تستميت" في التمسّك برأيها، وتريد من الآخر ان يقر بالخطأ. وفجأة تتداخل الأصوات وتلامس حد الصراخ، كما حصل أثناء الاتصال مع رئيس مكتب مكافحة المخدرات العقيد عادل مشموشي، فيشعر المُشاهد بأنه أمام معركة "شدّ حبال"، أحد أهدافها الكبرى انتصار طرف على آخر. لا تليق ببعضهم الحلبة.
تجاهر بامتعاضها من برنامج "بالجرم المشهود" مع رياض طوق عبر MTV. يستفزّها ان يُروّج أحدهم للقوى الأمنية، فيما تراها بالأدلة والمشاهدات متقاعسة ومتواطئة. أخطأت عيد بأن اقتطفت من برنامج طوق فيديو عن عصابة مخدرات، وتلقت اتصالاً من والد أحد المتهمين استفاض خلاله بدحض المضمون والتشكيك في شفافية العملية، وربما صدقية النيات، ثم استبعدت مداخلة طوق "لضيق الوقت"! بدا ذلك مفتقراً للمهنية وأشبه بتغييب متعمّد للرأي الآخر، ومخافة ربما مما لا تريده ان يُقال. وكأنها تريد حشداً مؤيداً: "هل يجوز ان تتعاقد قوى الأمن مع برنامج وتصطحب معها كاميرا لتعقب المداهمات؟"
قيل من النظريات القانونية ما يكفي في الجزء الأول من ملف المخدرات، فجاءت التتمة أشبه بالضرورة العملية التي تلي ساعات الشرح. رئيس جمعية "جاد" جوزف حواط، والاختصاصي في علم النفس الاجرامي مارسيل عبدالله أضافا الى الحلقة أرقاماً وتجارب وتحليل حالات. بات عبدالله معروفاً على الشاشة، يحلّل قضايا البرامج بثقة كاملة، ولكن عيد حمّلته مسؤوليات تتخطى دوره في الحلقة، فما كان منه إلا ان أجاب "لا تعليق" حين سألته "لماذا يدان بعض المدمنين ويعاملون مثل مجرمين، اذا كان المدمن في رأي علم النفس ضحية؟".
ثم حُرِّك النقاش. تقرير عن المخدرات في الجامعات، قسّم الضيفين ما بين مؤيد لإجراء الفحوص الطبية للطلاب والتلامذة، ورافض. تحب عيد المشاكسة: "تناقشا"، لكنّ متعة النقاش لم تصلنا. اشكالية "المخدرات الرقمية" التي طرحت، مهمة وجدلية، كان في الامكان ان تهزّنا أكثر لو لم تكن لعيد "حسابات" أخرى في الحلقة.
لا بدّ من اتصال مع أحدهم في رومية. تطلب عيد خفض صوت التلفزيون "تحسباً لأي دورية". صُوِّر جميعهم بريئاً يعاني السجن ظلماً. لعله الواقع، فالمروجون للأدوية الفاسدة والكبتاغون أحق بالسجن من مدمن تمسّكت به الدولة لضعفه أمام "الأقوياء" الفارين من العدالة.
[email protected]
Twitter: @abdallah_fatima
نبض