هم يعرفون أنفسهم. إنهم أهل الوضاعة البلا أصل الزحفطونيون السماسرة القوّادون حاملو المناشف الانتهازيون المدّاحون الهجّاؤون مسّاحو الجوخ اللاهثون لتقبيل الأرجل والأقفية. هؤلاء لا تنطلي "عفّتهم" على أحد، وإن رتقوا أغشية بكارتهم الأخلاقية، ثلاث مرات في اليوم الواحد.
صغار النفوس هم صغار النفوس. وما أكثر هؤلاء في المواقع والمراتب كلّها، في الطبقة السياسية، في المؤسسات الدينية، في المؤسسات الإعلامية، في الإدارات، في الوظائف العامة والخاصة، هنا وفي البلدان التي يعملون فيها.
سعرهم "نص ليرة". لا أكثر. وأحياناً أقلّ. يتقيأ المرء لدى سماعهم، ولدى قراءتهم، ولدى مشاهدتهم. يحلّلون في الاستراتيجيا الجيوسياسية، وفي سلّم القيم، ويحاضرون في المفاهيم ونصاعة الكفّ ورصانة المعرفة والصحافة والثقافة والترفع والنزاهة، وهم والغون متمرّغون.
الأذلاء الوضيعون الخسيسون اللئام الواقفون في أبواب المواخير اللاعقون الحاسدون الكارهون، "حسّاسون" للغاية. إذ ليس في مقدورهم أن يتحمّلوا وجود أناس من أهل الأصل، والكرم، والكرامة، والترفع، والأنفة، والرأس العالي. هؤلاء لا يهنأ لهم بال، إلاّ عندما يتساوى الجميع معهم في الارتهان وبسط جناح الذلّ والمهانة وتبديل الأسياد والقفز من دار إلى دار ومن وليّ إلى وليّ. هم أذكياء، لا محالة. عارفون من أين تؤكل الأكتاف. أهل دربة، خبراء في هذه المهنة، ومتمرّسون. لا جدال في ذلك. من سيمائهم، ومن فعائلهم الرذيلة تعرفونهم.
أصحاب السلطان والجاه والعمل، هنا وفي العالم العربي، يختارون، على العموم، عناصر هذه الطبقة من الناس، ليكونوا في ركابهم وظهرانيهم. طناجر لقيت غطاءها. وهذا طبيعي ومنطقي جداً. فالرافلون في العربدة والمال الأسوَد يفضّلون المبخّرين المحنيي الهامات الخانعين والخدم، لأنهم لا يزعجونهم، ولا يربكون ضمائرهم. هؤلاء هم مصيبة لبنان ومصيبة اللبنانيين. لا دواء يشفيهم، ولا هم يريدون الشفاء.
لا بدّ من التشهير بهؤلاء، لأنهم يفرضون على لبنان، بقوة الأمر الواقع، أن يكون على صورتهم ومثالهم. هم يسدّون الأبواب في وجه البلاد، ويجعلونها رهينة، يتاجرون بها، ويقترعون على ثيابها. لكن أخطر ما في هذه المسألة، أن "السوق" مطلقاً، باتت تفرض هذا "النوع" من الناس: في السياسة، في التربية، في الجامعة، في الإعلام، في الاجتماع، وفي الدين. على طالب العمل (أو طالبته)، إنْ لم يكن من هذا "النوع"، أن يخلع عنه كل ما ينبغي للمرء أن يتصف به من معايير، من أجل أن ينجح في "الامتحان".
إلى مَن يوجَّه هذا الكلام؟ هاكم الجواب باختصار فادح: "كلّ مين في مسلّة تحت باطو بتنعرو"!
نبض