الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

هل تنجح مجموعات هاشتاغ حيث فشلت سالفاتها الثورية؟

واشنطن - حسين عبدالحسين
هل تنجح مجموعات هاشتاغ حيث فشلت سالفاتها الثورية؟
هل تنجح مجموعات هاشتاغ حيث فشلت سالفاتها الثورية؟
A+ A-

تروي فكاهة ان مسيحياً قيل له ان اليهود قتلوا المسيح، فصادف يهوديا، فأشبعه ضربا، فلما سألوه لمَ قام بفعلته، أجاب ان اليهود قتلوا المسيح، فقالوا له ان ذلك حصل قبل ألفي عام، فأجابهم "ولكني علمت بالأمر للتو".


الفكاهة هذه تشبه الحراك الشبابي في بيروت، خصوصا بين المنتفضين الاكبر سنا، الذين يطالبون بالقضاء على الطائفية في لبنان ومحاربة الفساد، وكأن المطلبين لم يكونا في صدارة كل المطالب والصراعات والحروب اللبنانية منذ تأسيس الكيان قبل ٧٢ عاما.
مفهوم ان يعتقد حديثو السن بالعمل العام انهم اول من نادى بمطالبهم، فالاستماع للناشطين الشباب يشي بأن خبرتهم ومعرفتهم بالتاريخ السياسي والمطلبي في لبنان شحيحتان، فالتظاهرات الصاخبة، واحتلال مباني الجامعة اللبنانية والاميركية، قبل بدء الحرب اللبنانية، ثم تظاهرة معارضة "اتفاقية أوسلو"، التي راح ضحيتها ١٣ مواطنا بعد الحرب، وتظاهرات "الاتحاد العمالي العام" التي تحدت حظر التجول، وتظاهرات ضد منع اطلالة الجنرال المنفي ميشال عون على قناة "ام تي في"، وتظاهرات المحبطين المسيحيين امام "المتحف الوطني" مطلع العقد الماضي، ثم  تظاهرات مناهضة حرب العراق في عوكر، كلها تظاهرات صاخبة رافقها عنف كثير وغاز مسيل للدموع وجرحى واعتقالات.
لم تكن تظاهرة ٢٢ آب الماضي فريدة من نوعها في العنف المستخدم فيها، بل هي كانت تظاهرة "لطيفة" بمقاييس التظاهرات الماضية. كذلك ليست مطالب "الحراك" جديدة او فريدة من نوعها. الجديد هو بلوغ اجيال لبنانية ناشئة سن الرشد السياسي في غياب اي قنوات تسمح بتوظيف الطاقات السياسية الحديثة، فلا انتخابات بلدية او نيابية او رئاسية، فيما عدد الخطوط الحمر في لبنان يتزايد منذ زوال سلطة الوصاية السورية عن البلاد في العام ٢٠٠٥. منذ ذلك التاريخ والحديث عن السياسة الخارجية محظور، اذ ان "دولة المقاومة" تفترض وجود مجتمع عقائدي متراصف ذي رأي واحد، وكل ما عداه خيانة وطنية.
وبعدما تضعضع جدار المقاومة، خصوصا بعد حرب ٢٠٠٦، ارتفع جدار الطائفية. مثلا "حزب الله" ارسل مناصريه للاضراب امام السراي الحكومي بعد اتهامه لبعض خصومه في "١٤ آذار" بالتعامل مع اسرائيل وتزويدها باحداثيات قادة المقاومة.
وعندما انتهى اعتصام "حزب الله" المفتوح، لم تنتهِ محاسبة "الخونة" من "١٤ آذار"، بل حصل ذلك بعد سلسلة من التسويات بين المجموعات الطائفية الحاكمة، لناحية التعيينات وانتخاب رئيس والتوافق على قانون للانتخابات البرلمانية.
منذ التأسيس، لم تستمد حكومة لبنان سيادتها من اللبنانيين، لأن الدولة لم تُبنَ على افراد، بل على كيانات طائفية دخلت في "شراكة". هكذا، تمنح المجموعات الطائفية من مسيحيين وشيعة وسنة ودروز قوتها للدولة، وتأخذ الطوائف من الدولة في المقابل موازنات ومناصب. ومنذ قيام المجموعات الطائفية في العام ١٩٧٠ بنسف "الدولة العميقة" التي تركتها الشهابية، لم تتعاف الدولة اللبنانية منذ ذلك الحين، ما اجبر المجموعات الطائفية على ربط شبكات المحسوبية، التي تؤمن لزعمائها نفوذهم، بمانحين دوليين من خارج الحدود.
ان مفاتيح القوة في الدولة اللبنانية تكمن خارجها، ما يجعلها دولة ضعيفة وغير قادرة على فرض الدستور او القوانين المنصوص عليها الا بالتراضي، وهو ما جعل تنفيذ "اتفاق الطائف"، مثلا، مجتزأ ووفقا لميزان قوى الطوائف والقوى الاقليمية الراعية لها. هذا يعني انه منذ العام ١٩٧٠، مازالت الدولة ضحية ميزان القوى الطائفي، الذي يتجلى احيانا في طاولات حوار جلّ ما يتمخض عنها تنظيم الخلاف بين الطوائف.
غريب ان بعض كبار المحركين للحراك لا يدركون ان الدولة هي ضحية الطائفية، وان عراكهم مع القوات الامنية، التي لم تقم بأكثر من حماية مقار دولة ضعيفة ومفككة، هي حرب خاطئة، اذ من دون الشرطة، يتحول ما تبقى من لبنان الى أمن على قياس الميليشيات الطائفية المتنوعة وحرس الشخصيات وقبضاياتهم.
ربما يعتقد بعض محركي الحراك، خصوصا من الاكبر سنا ومعظمهم من المعروفين كقادة مجتمع مدني ومدربي ورشات توعية، ان حل انهيار الدولة اللبنانية وتفككها بسيط ويمكن تقديمه في عرض "باور بوينت" فيه افكار متنورة من قبيل الغاء الطائفية وانتخابات على اساس النسبية ومحاسبة الفساد والفاسدين.
لكن ما لا يدركه محركو الحراك ان لبنان لا يعاني من نقص في الافكار المطروحة للحلول. حتى "حزب البعث العربي الاشتراكي" ينادي بالغاء الطائفية السياسية ومحاسبة الفساد. المشكلة تكمن في تعذر تطبيق هذه الحلول لأن مكامن القوة خارج الدولة، ولأن مفاتيح القوة هي بيد المجموعات التي أوصلت البلاد الى ما هي عليه، ما يعني ان مفتاح الحل هو تقوية الدولة، بدلا من الانقضاض عليها، في وجه المجموعات الطائفية.
مشكلة اخرى لدى اهل الحراك تكمن في توظيفهم ثقافة سياسية مشابهة لثقافة المجموعات السياسية الحاكمة التي يحاولون القضاء عليها، لناحية استنساخ ثقافة التخوين نفسها، وتظاهر اهل الحراك انهم يعلمون ما يريده الشعب ويتكلمون باسمه، او اعتقادهم ان الحلول تأتي من طريق استبدال المسؤولين بمسؤولين آخرين، بدلا من العمل على تغيير الظروف والثقافة السائدة التي من شأنها ان تفرض على اي مسؤول اما اللحاق بالتغيير او الخروج.
يخبرني صديق ممن قاتلوا في الحرب اللبنانية انه كان يمكن أي مجموعة تتألف من عشر شباب الذهاب الى زعيم فتح ياسر عرفات واعلانها تأييده، فيناولهم ابو عمار الفي ليرة ودوشكة ورشاشي كلاشن، وتخرج المجموعة من عند عرفات لتصدر بيانات حول الوعي الطبقي، والتصدي للمؤامرة، واقتلاع الرجعية، وتكتب شعارات توقعها باسمها على جدران بيروت.
وكما في الأمس، كذلك اليوم، يمكن أي مجموعة شبابية ان تفتح صفحة فايسبوك، وتصادر هاشتاغ، وترفع شعارات نارية ضد الفساد والطائفية، وتتحول الى مجموعة حراك. ويمكنها ان تحصد في وقت لاحق تمويل من مؤسسات اميركية واوروبية للتدريب على كيفية التغيير وحل الصراعات.
لكن، كما مجموعات ابو عمار الثورية التي لم تثمر تغييرا يذكر، من المستبعد ان تنجح مجموعات فايسبوك الحراكية في اختراق حائط الأوليغاركية اللبنانية - العربية او احداث تغيير ان هي نجحت في قلب الحكام، فالتفاحة عندما تقع، لا تقع بعيدا عن الشجرة.


صحافي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم