الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

رمضان يحلّ في طرابلس زهواً وأحياء تقض المضاجع بؤساً

المصدر: "النهار"
طرابلس - رولا حميد
رمضان يحلّ في طرابلس زهواً وأحياء تقض المضاجع بؤساً
رمضان يحلّ في طرابلس زهواً وأحياء تقض المضاجع بؤساً
A+ A-

بسحر ساحر بدأت تنقلب الحياة في طرابلس عشية رمضان الكريم، يزداد النشاط تحضيرا لاستقبال اليوم الأول، وتشهد الأسواق حركة أفضل من السابق. كل الأسواق في داخل المدينة الفقيرة، وخارجها المتوسط والغني، في حال واحدة من التحضير، يجمعهم هم واحد هو الصوم. وتنتظر المدينة السهرات الرمضانية العامرة بالحركة ككل عام، بينما هي تنام مبكرا، وتفرغ شوارعها من الحركة مع ساعات المساء الأولى في بقية الأيام والمواسم.


في الأمس القريب، كان لرمضان مذاق خاص في طرابلس، بدءا من الاستعدادات لقلب كل ما في المدينة رأسا على عقب، فترتدي حلة جديدة في مختلف شوارعها وأحيائها حيث تشع الانوار من الزينة، وتزدحم الاسواق للتبضع، وتستعد دور العبادة لإقامة الشعائر الدينية والاحتفالات الانشادية، وينتظر الناس لحظة الاعلان عند بدء الشهر المبارك، كما ينتظر الاطفال سماع مدفع الافطار وصوت المسحراتي.
الكثير من المظاهر عشية حلول شهر الصوم عند المسلمين تراجعت الى حد بعيد تحت وطأة التوترات، وارتداداتها فقرا وبؤسا في الكثير من الأحياء، والحارات، والشوارع. كثير من الشوارع تغيب الزينة عنها، وباتت تنحصر في اماكن محددة، وصارت العائلات الفقيرة، وما اكثرها، تنتظر محسنا من هنا او هناك، وبقيت الزحمة في الاسواق ولكن الناس تشتري المهم جدا بسبب عدم توفر الامكانات المالية مع ارتفاع اسعار الخضار والفواكه قليلا. حتى الدعوات للافطارات تدنت، وكذلك الامر بالنسبة للموائد الرمضانية التي كانت تقيمها بعض الجمعيات، والمؤسسات الاجتماعية، والدينية، والسياسية، وصار الوافدون من خارج لبنان يزاحمون فقراء طرابلس على لقمة العيش، وصندوقة المواد الغذائية، والوجبات الساخنة، كما يزاحمونهم على فرص العمل.
أثرت الوقائع الجارية في المنطقة على المدينة في السنوات القليلة الماضية، مما انعكس على عادات رمضانية كانت تشتهر بها المدينة، وابرزها "السكبة" اي تبادل صحون الطعام بين الجيران والاقارب، والتشكيلة الواسعة لانواع الطعام والشراب لم تعد متوفرة بسبب الاوضاع المعيشية الصعبة، وعند بعض العائلات الفقيرة ايضا ستكون الحلويات الرمضانية الغائب الابرز بسبب ضيق الحال، وربما لجأت ربات المنازل الى تحضير انواع بسيطة وغير مكلفة من الحلويات.
عشية رمضان هذا العام، توزع السكان في الأحياء يجمعون حاجاتهم من مأكل ومشرب، منها ما هو خاص بالصوم، كالخضر، ومقومات الشوربة، وبعض العصائر، ومنها العادي اليومي. وازدحمت الأسواق بالمارة، تعج بالسيدات يحملن الأكياس وهن عائدات إلى منازلهن.
الانهماك ظاهر على الجميع، والباعة في فرح فالبيع بدأ يزداد، والاقبال على الشراء يتصاعد. الباعة يعلنون أن الأسعار لا ترتفع، ولم ترتفع، بينما يقول المشترون أن الغلاء بدأ منذ اليوم الأول، والنسبة، بحسب سيدة هي "أم محمد" نلتقيها في سوق الخضر، من 15 الى 20 في المئة عن الأيام العادية، ولا نستغرب أن ترتفع اكثر مع تقدم أيام الشهر".
في الأحياء الحديثة من المدينة، حيث رخاء، وبحبوحة، لا تهتم العائلات بتأمين الحاجات، فهي سهلة عليهم حتى لو ارتفعت أسعار السلع، ولا يخشون من جوع بعد موعد الافطار. لكن الحال في الأسواق القديمة كارثي، وأحيانا يعجز الانسان عن وصفه على ما ظهر في جولة ميدانية لـ"النهار".
اول الأماكن كانت "الخانقاه" الواقعة إلى المدخل الجنوبي لمدينة طرابلس القديمة. موقع أثري هام مملوكي، نادر النوع، لكنه مهمل بامتياز. اتخذت منه بعض الأرامل مأوى، وشغلت عددا من غرفه عائلات، في كل غرفة عائلتان أو أكثر. دخائن من بقايا حرائق تغطي جدران الموقع، خصوصا في الفسحة المرتفعة ٤٠ سنتمترا عن أرضه، مقببة، ومقنطرة تقوم على عمودي رخام تتوجهما تيجان حجر كورنثية. في هذه القبة غرفتان محروقتان، غير مشغولتين. ويسكن "الخانقاه" زهاء عشرين أرملة وعائلة.
الحالة مزرية، مبنى أثري قيم لكنه شديد الاهمال، غرفه صغيرة، حماماته ثلاث لعشرين عائلة. وبانتظار رمضان، لا شيء في أيدي المقيمين، فلا يتحضرون بأية طريقة لرمضان، بانتظار مساعدات خارجية.
إحدى المقيمات جمسة الطحش، قالت:" نعيش حالة مزرية في غرفة صغيرة جدا، وانا عندي 9 اولاد نعيش معا في غرفة واحدة، وعندي بنت مطلقة، وعندها ثلاثة اولاد . نعيش من باب الله . لم نحضر شيئا لرمضان فنحن ننتظر المساعدات الغذائية من المحسنين، وان يتحنن علينا البعض، وزوجي قتل سابقا، وليس لدينا معيل. نعيش حالة صعبة جدا".
ليلى السقا، قالت :" اعيش مع اخواتي اللواتي يعشن بهذا المكان وعندي بنت وشب، وابنتي تسكن معي، وعندها خمسة اولاد . نحن ننتظر فاعلي الخير، وما يقدمونه لكي نعيش ونأكل . وزوجي هجرني وتزوج وانا اتيت والتجأت مع ولدي الى الخانقاه".


الدبابسة


حال بقية المقيمين ليس افضل حالا، وكذلك حي الدبابسة المجاور للخانقاه. أزقة ضيقة، وسلالم حجر متآكلة لشدة قدمها. غرفة واحدة تشكل مسكنا لعائلة كبيرة فيها النساء والشبان الذين بدا بعضهم ما يزال نائما، تعبيرا عن بطالته، ورجل عجوز هو رب العائلة.
يعرف الرجل عن نفسه: "محمد توفيق القاق"، ويقول: "اعيش هنا في زقاق الدبابسة في غرفة انا وزوجتي واولادي الاربعة وانا لا اعمل لانني مريض، واولادي ككل شباب طرابلس لا يجدون العمل ليعيشوا بكرامة والحالة صعبة جدا وننتظر المساعدات على رمضان لنعيش، نتمنى ان يتم انشاء مصانع ليعمل شبابنا كفانا تعتيرا".
في ردهة أخرى قريبة، يعيش محمد طحش اسماعيل، قال": "اعيش في هذه الغرفة مع زوجتي، وبناتي الاربعة، وأنا منكسر على اجار البيت لثلاثة اشهر وفي الشهر مئة دولار ايجار الغرفة، وصاحب البيت لم يعد يتحملنا، وانا اركض طول النهار لاكسب خمسة آلاف، ولا احد يرحمني. عندي فتاة مريضة جدا عمرها اربع سنوات وكنت عرضتها على الاطباء ولم يعرف احد حالتها وهي لا تمشي و تبقى نائمة طوال الوقت، واذا استيقظت تبدأ بالصراخ والبكاء حتى الطعام ندخله في فمها بصعوبة".
في رمضان، يبحث محمد عمن "يساعدنا بقدوم الشهر الفضيل، فكيف سأحضر الطعام لشهر رمضان وانا مهدد ان ارمى الى الشارع انا واولادي وزوجتي، وكنا قد تشردنا قبلا، وبقينا في الشوارع حتى اننا نمنا في رأس الصخر في الميناء في العراء ولا احد يتطلع الى حالتنا ".
هدى الكردي تقيم مع عدد من أبنائها وبناتها في بيت، هو غرفة وحمام رديء، ومطبخ مزر، يعبره قاصده على ممر تغطيه المياه والسيول والقذارات بصورة متواصلة. ومع ذلك إيجاره مائة دولار شهريا. قالت: "عندي خمسة اولاد، وعندي شاب اسمه هلال سرور 23 سنة، يعاني من نقطة دم وكهرباء في رأسه لانه وقع في الصغر وهي مزمنة. نحن رغم صعوبة العيش نستعد لرمضان وعندي بنت متزوجة وهي تساعدني قليلا كما ننتظر ان يتم توزيع حصص غذائية الليلة علينا، وإلا لا نعلم كيف سنقضي الشهر الفضيل ".
في حي الدبابسة، مبان لآل ميقاتي، هجروها من زمن بعيد، وبقيت عرضة للتآكل. زواريب ضيقة، وممرات متعرجة، وسلم متشقلب، يمكن الوصول عبره إلى منزل رث، أثاه رأسا على عقب، تعمه الفوضى، صاحبه الضرير خالد محمد غلاييني، يعيش فيه مع زوجته، ومن المؤكد أن الهررة لم تظهر فيه لأنها لا تتحمل واقعه. خالد روى أنه فقد عينيه بالمرض حينا وبالأذية حينا آخر، مضيفا: "منذ 15 سنة اصبت بالعمى بسبب خطأ طبيب ومصاب حاليا بالسكري والشحم ايضا وانا اعيش وحدي مع زوجتي وهي مريضة ايضا ولكنها لا تذهب الى الطبيب نعيش حالة صعبة جدا".
وبمناسبة حلول شهر رمضان وكيف سيستقبلانه، قال:" الله مابيقطع" ورمضان شهر الخير والناس رغم فقرها تحن على بعضها البعض وانا اشكر الله انني لم ارزق بأولاد لكنت مت الف موتة اذا رأيتهم محرومون او يتعذبون في هذه الحياة الصعبة كما أعاني، فالله يساعد الناس. اتمنى ان يساعدنا احد ويرأف لحالنا".


سوق الخضار
على مقربة من الدبابسة، سوق لبيع الخضار. أحد الباعة، قال: "نعيش بالتعتير، والشغل تراجع عن السابق، ونحن نحاول ان نخفض اسعار الخضار لتمكين الناس من الشراء. عجقة كبيرة، والناس تعج بالاسواق، ولكن معظم الناس ببحثون عن اي شيء رخيص لشرائه، فالحالة سيئة جدا".
بائع آخر عمار قحيا، قال: في رمضان تأتي البركة والناس تشتري وتمون للشهر الفضيل ونحمد الله ونحن نرخص الاسعار اكثر من السنوات السابقة".
لكن الحاجة زبيدة بركة قالت "الاسعار ارتفعت اكثر من 15-20% عن السنوات السابقة في العشية الأولى من رمضان. والله يستر من غلاء الأيام القادمة. الباعة يهمهم الربح، واستغلال الظروف، والحالة سيئة لدى كل الناس ولكننا مجبرون ان نشتري الخضروات، وعلينا الاجتماع في رمضان كتقليد لا يمكننا إلا المحافظة عليه".


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم