الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

"لا سبيل إلى العودة الآن يا صديقي" لكارول منصور: من تهجير الى تهجير

المصدر: "دليل النهار"
يوليوس هاشم
"لا سبيل إلى العودة الآن يا صديقي" لكارول منصور: من تهجير الى تهجير
"لا سبيل إلى العودة الآن يا صديقي" لكارول منصور: من تهجير الى تهجير
A+ A-

تعود المخرجة كارول منصور بفيلمٍ جديد "لا سبيل إلى العودة الآن يا صديقي". هذا الفيلم الذي عُرض للمرّة الأولى منذ فترة، لا يخرج عن الإطار الذي اعتدناه منها: كشف الستار عن آلام تسكن في النفوس.


العنوان عبارة من قصيدة بالإنكليزية رددها أحد النازحين عام 1939، ولا يزال مفعولها صالحاً حتّى اليوم.
الفيلم من الناحية الإخراجية لا يدّعي الضخامة ولا الإبهار. فالإخراج اعتمد بشكلٍ أساسي على كتلة المشاعر والأحاسيس التي تتدفّق عبر الشاشة، من العيون الكثيرة التي تخفي دموعاً مختنقة تخلف في المُشاهد تأثيراً عميقاً. واعتمدت كارول منصور أيضاً على نصّ سحر مندور المؤثّر والغني، نصّ أدبي شاعري لكنّه لا يتلهى بالعبارات المنمّقة بل يبحث عن مفردات تصيب المعنى والقلب. تقول: "نحن الفلسطينيين خرجنا هذه المرة من سوريا. استفاقت الذكريات بين رحيل ورحيل، ونامت الذكريات عندما فرضت اليوميات أسئلتها".


ينقل الفيلم معاناة الشعب الفلسطيني الذي هجّر للمرّة الأولى إلى مخيّم اليرموك في سوريا، ثمّ مرّة ثانية من اليرموك إلى أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان، حين بدأت الحرب في سوريا. تقول سحر مندور: "ندخل مرحلة جديدة، نبدأ لجوءا جديداً. نحن هنا في لبنان في بلد يحيا فيه كذا لاجئ فلسطيني في كذا مخيّم... الحياة تحاصرنا في أجسامنا، قلّة في كلّ شيء، والممنوعات كثيرة".


ويضيف أحدهم بصوتٍ مختنق: "أنا خلقت لاجئ، أوكي، لكن إنّو إختار كون لاجئ مرّة تانية فهيدا قرار صعب، وما كتير عندي الجرأة إنّي آخد هالقرار".
يتنقّل الفيلم بين أشخاص من مختلف الأعمار، لسان حالهم واحد: "نريد العودة". طفلة لم تتخطَّ أعوامها العشرة تتكلّم كأنّها راشدة، وكأنّ طفولتها قفزت إلى مرحلة الرشد الإجباري. آخر يقول: "في الغربة شغلتَك إنّك تشتاق، هيدي مهنتك". ويضيف آخر: "لمّا تشوف حدا ما فيك تسألو: كيفك؟ إذا بتعرف حالتو أكيد ما رح تسألو عنها، وإذا ما بتعرف، الأفضل إنّو ما تعرف".


ما يمكن أن "يستفزّ" المُشاهد اللبناني هو ذلك الرجل الذي يقول بغضب: "في لبنان الفلسطيني مضطهد بشكل مو طبيعي ومنّو آخد حقوقو بالكامل"! ويضيف آخرون ما معناه أنّ وضع الفلسطينيين في لبنان هو الأسوأ، فيبدو الأمر كأنّ اللبناني "مقصّر" في حقّ اللاجئين إليه. صحيح أنّ فكرة أنّ "اللبناني معتّر هو كمان" وأن "حالتو على قدّو" تمرّ، لكنّ ذلك لا يمنع المُشاهد اللبناني من طرح تساؤله: "هل عليّ أن أؤمّن حياة رغيدة للاجئين وأنا بالكاد أجد ما آكله؟ لا ينفكّ الجميع يتحدّث عن النازحين السوريين وعن اللاجئين الفلسطينيين، فمن يخبر عن اللبنانيين المهاجرين داخل وطنهم؟".


هذه الفكرة تمرّ سريعاً في الفيلم قبل أن تعود اللحظات المؤثّرة التي تؤكّد أنّ الجميع متمسّك بهويّته الفلسطينية. في نهاية الفيلم تعرض كارول منصور كيف تنقّلت كل شخصية من شخصيات الفيلم بين فلسطين وسوريا ثمّ لبنان، وبعضهم إلى ألمانيا أو السويد. أشخاص يحملون وطنهم في قلوبهم وينتقلون به إلى حيث يجدون سقفاً يحميهم. تقول سحر مندور: "نحن الفلسطينيين نبدو كأننا قصة واحدة، لكنّنا قصص بعددنا". بعض تلك القصص روتها لنا كارول منصور من خلال 43 دقيقة موجعة، وأكثر ما يوجع فيها أنّ "لا سبيل إلى العودة الآن يا صديقي".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم